الأمن العام مُقابل حاكم مصرف لبنان والمجلس العسكري
لم يكن خروج المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، من منصبه بهذه الطريقة المزعجة، سوى رسالةً أُريد من خلاله، إيصالها إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فحواها أن “التمديد ممنوع”، وذلك، بعدما جاهر وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، بالخطوة.
ما فُهم لبنانياً أن التمديد، بأي شكلٍ كان، وبخلاف الظرف الذي أتى أو سيأتي به، أضحى من المحظورات بالنسبة إلى الدول الراعية للمسألة اللبنانية. الرسالة أعلاه، تبلّغها أكثر من طرف داخلي رسمي، سواء بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، من خلال أقنية ديبلوماسية عدة، الفرنسيون من بينها، و”التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل، من أشدّ المتأثرين بها، فانعكست تبديلاً في قناعاته من داعمٍ للتمديد لابراهيم إلى متجاهلٍ له.
على الرغم من كل ذلك، ما زالت الأطراف اللبنانية الأساسية، ويُعتبر “الثنائي الشيعي” أبرزها، تطمح إلى التمديد لرياض سلامة مهما كان الثمن. ويعتبر كلام الوزير خليل، بمثابة “مناورة بالذخيرة الحية” تمهيداً للقرار.
عملياً، ينطلق “الثنائي” من قاعدةٍ مفادها: “خلو سدّة حاكمية المصرف المركزي، تعني ضمنياً دفع النائب الأول (الشيعي) للحلول مكانه”. في الوضع الحالي المصنّف من قبل “الثنائي” “إستثنائي”، ثمة عقبات يتخوّف منها ومن دخولها لاعباً ضده، أبرزها، إفتعال المزيد من هزّات الدولار، ما يُضاعف إمكانيات الإنهيار، وبالتالي، يضع “الثنائي” ونائبه الأول في أزمة حقيقية، سرعان ما سترتدّ عليه اتهاماً بالوقوف خلف انهيار سعر صرف الدولار، أو التسبّب بمزيد من انهياره! وعلى مبدأ النظرية الشهيرة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “خلال الحرب، لا يمكن أن نُغيّر الضباط…”، ينطلق “الثنائي” من تكبيد مسؤولية الحلول إلى سلامة نفسه، كمسؤول بدوره عمّا وصله البلد، ما يعني أنه لا بدّ أن يتحمّل جزءاً من المسؤولية.
إرهاصات التمديد لسلامة، وإن نفاها “حزب الله” تحديداً على لسان مسؤوليه داخل وخارج مجالسهم الخاصة، فإن حركة “أمل”، تتمنّع عن التعليق عليها أو اتخاذ أي موقف في شأنها، ما عزّز من إمكانية أن تكون عين التينة ذات مصلحة في التمديد لحاكم المركزي. تبعاً لذلك، لم يأتِ تسريب المعلومات عبر وسيلةٍ إعلامية سعودية، حول احتمال أن تُبادر وزارة الخزانة الأميركية إلى ضمّ سلامة إلى رُزم العقوبات المطبّقة في حق مجموعة من الكيانات والشخصيات اللبنانية بتهمٍ شتى، من خارج سياق ما ورد من معطيات إلى سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت حول رغبةٍ لدى “الثنائي” في التمديد لسلامة، ولا من خارج التسابق الأميركي ـ السعودي الذي يتحوّل لبنان إلى ساحة له، بدليل انصراف الطرفين إلى التباين رئاسياً، ومضمون النفي الأميركي للخبر السعودي على لسان سفارة واشنطن في بيروت.
بالعودة إلى الأساس، لا بدّ أن يأتي أي إقتراح تمديد مُفترض لرياض سلامة مع تغطية من جانب الكنيسة المارونية، يُعتقد أن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في صدد توفيرها متى كان من أبرز الداعمين لسلامة. أبعد من ذلك، أراد “الثنائي الشيعي” من خلال تغطية تعيين “ضابط مسيحي” على رأس المديرية العامة للأمن العام (العميد الياس بيسري)، القول للمسيحيين، أنه قَبِل منحهم الموقع، رغبةً منه في تسيير المرفق العام، وعلى المسيحيين في دورهم، إن أرادوا المحافظة على موقعهم في حاكمية مصرف لبنان، أن يلجأوا إلى الخيار نفسه واختيار واحدة من إثنتين، إمّا التمديد لرياض سلامة قبل نهاية خدمته منتصف شهر أيار المقبل، أو تعيين بديلاً عنه، والإثنتان تحتاجان إلى جلسةً رسمية لمجلس الوزراء، ولو بصيغة “تصريف الأعمال”. فهل ثمة من يقدر على تحمّل الفراغ داخل المؤسسة المالية الأقوى والأهمّ بالنسبة إلى الموارنة خصوصاً، والمسيحيين عموماً؟
نظرياً، واحدة من أصل اثنتين ستمرّ حكماً، وبالتالي، يكون “الثنائي الشيعي” قد نجح في جرّ المسيحيين إلى تأمين الميثاقية لأي جلسة حكومية قد تنعقد قريباً، ويُطرح على جدول أعمالها هذا البند. لكن لا شيء بالمجّان، فما سيتمّ إبرامه (فرضاً) في مصرف لبنان، لا بدّ أن ينسحب على الأمن العام والمجلس العسكري في الجيش اللبناني، المعطّل بفقدان النصاب بسبب إحالة ضباط أعضاء إلى التقاعد. إذاً تصبح الصيغة كالتالي: مصرف لبنان مقابل الأمن العام والمجلس العسكري في الجيش، ولمن لديه استفسارات، فليُدقِّق بزيارة رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا، إلى اليرزة، وخلوته مع قائد الجيش جوزيف عون التي دامت 4 ساعات.
وليد خوري – ليبانون ديبايت