ازدهار الموسم الصيفي للهجرة الغير الشرعية في لبنان…وهل يوجد طرق شرعية آمنة !
على سواحل إيطاليا، انتهت الرحلة البحرية الشاقة التي قادت عشرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى أوروبا، لتطوي صفحة من صفحات اللجوء القاسية وتفتح أخرى. خرج هؤلاء، مثلهم مثل المئات من اللبنانيين بسبب الظروف القاسية التي تعيشها البلاد التي احتضنت آباءهم وجدودهم منذ عشرات السنين، واستقبل أهالي مخيم البداوي، في شمال لبنان، الخبر بفرح وبهجة، في وقت أمَّل عدد كبير من المقيمين أن تقودهم أقدارهم إلى هناك في يوم من الأيام، ويمكن التماس الأثر النفسي لنجاح هذه الرحلات على كثيرين ممن يرغبون بالهجرة غير الشرعية بواسطة القوارب، إذ يسعون للمخاطرة لتحسين ظروف معيشتهم، وشكلت هذه الظروف رد فعل مغايراً لتلك التي سادت بُعيد غرق أحد القوارب مقابل شاطئ الميناء (شمال لبنان)، الذي كان على متنه قرابة 80 راكباً من الجنسيات لبنانية، وسورية وفلسطينية.
الشريط الساحلي اليائس
هذه الرحلة ليست الأولى التي تبلغ الضفة الأخرى من البحر المتوسط، فقد سبق أن انطلقت رحلات أخرى من شواطئ شمال لبنان، وصلت إحداها في نهاية يونيو (حزيران) إلى المياه الإقليمية الإيطالية، إلا أنها مُنعت من إكمال مسارها نحو البر الإيطالي، وقامت قوات خفر السواحل بدفعهم للعودة إلى محطتهم الأوروبية الأولى أي اليونان، وانطلقت هذه الرحلة في منتصف يونيو من شاطئ بلدة العبدة في عكار (شمال)، ويفيد أهالي المنطقة بـ”انطلاق المهاجرين على دفعتين بفارق 10 أيام بين الرحلتين”، ولكن اللافت في هذه الرحلة هو أن “إحدى الرحلات كان على متنها 15 جندياً، فروا برفقة عائلاتهم نحو أوروبا بعد أن ضاقت بهم سبل العيش في لبنان”.
وشكل مرفأ العبدة للصيادين، وهو مرفأ بدائي و”بسيط” ترسو عليه القوارب نقطة الانطلاق، وعلى مقربة من المرفأ، توجد نقطة للجيش اللبناني موكلة بمهمة المراقبة وحفظ الأمن، وحملت الرحلتان العشرات من الشبان “معظمهم من غير المتزوجين والعاطلين عن العمل”، أعدوا العدة وانطلقوا نحو اليونان ومن ثم إيطاليا، كان هؤلاء على تواصل مستمر مع ذويهم في عكار، إلى حين بلوغهم المياه الإقليمية الإيطالية، ومحاولة منعهم من إكمال مسيرتهم وإعادتهم من حيث جاؤوا.
المرافئ الطبيعية نقطة الانطلاق المفضلة
ويشكل الشريط الساحلي الممتد من العبدة شمالاً إلى شكا (شمال) جنوباً، مروراً بالمنية، الميناء، والقلمون في شمال لبنان، نقطة مركزية لانطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية من لبنان، وتحديداً المناطق غير المأهولة. ويتبنى أحد الأشخاص مهمة تأمين قارب الصيد، ومن ثم ترويج الفكرة في بعض الأوساط الشعبية والأقارب، ويتقاسم هؤلاء ثمن القارب البدائي الصنع، ومن ثم يتم تجهيزه بالمحرك الذي يمتلك قوة مضاعفة، وآخر بديلاً للاحتياط، ونظاماً للاتصال والتوجيه، وسترات للنجاة، وكمية كبيرة من الوقود والمياه. بعد ذلك، يتم، ضمناً، تحديد موعد للانطلاق من نقطة محددة على الشاطئ، تكون عادة من النواحي المهجورة، ويؤخذ في الاعتبار الوضع المناخي، لذلك تعتبر فترة الصيف من الفترات الممتازة للإبحار بسبب الهدوء النسبي للموج وبعيداً عن التبدلات المناخية العاصفة.
وتشكل هذه الرحلات عامل جذب للمواطنين، وتحديداً أولئك الذين لا يملكون جوازات السفر، ويشكو عدد كبير من اللبنانيين من بطء معاملات الحصول على جواز السفر، علماً أن فترة الانتظار التي تمنحها المنصة الرقمية التي أطلقها الأمن العام اللبناني لا تقل عن عام. وهذا الأمر، يشكل عقبة في طريق كثيرين من أجل المغادرة الشرعية عبر المرافئ النظامية للدولة.
الجيش يشدد إجراءاته
وخلال أسبوع، قامت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بسلسلة مداهمات لمنع مجموعة من الرحلات من إتمام تجهيزاتها أو الانطلاق. وخلال الأسبوع الأول من يوليو (تموز) الحالي، تمكنت من ضبط ثلاث محاولات للهجرة غير المشروعة انطلاقاً من شمال لبنان، وفي الرابع من يوليو، تمكنت دورية من مديرية المخابرات من إحباط عملية تهريب أشخاص عبر البحر من منطقة القلمون، جنوب طرابلس (شمال)، بواسطة مركب يرسو داخل أحد المنتجعات السياحية، وأوضحت قيادة الجيش أن المديرية أوقفت 31 شخصاً بينهم نساء وأطفال، كانوا على وشك المغادرة، كما ضبطت على متن المركب 134 غالون مازوت سعة الواحد منها 20 ليتراً، وحوالى 30 سترة نجاة، إضافة إلى غالونات من المياه والأغراض الشخصية، كما أعلنت عن مباشرة التحقيقات بالملف، وصولاً إلى المتابعة لتوقيف المتورطين بعملية التهريب.
الطرق الشرعية آمنة
ومن أجل تجنب المخاطر الناجمة عن البحر والملاحقات، بدأت بعض المكاتب السياحية العمل على تأمين تأشيرات إلى بعض الدول الأوروبية لعملائها. وفي هذا الإطار، بدأت البوسنة والهرسك تحل مكان تركيا، كمحطة مؤقتة إلى حين بلوغ الفرصة المناسبة للعبور نحو البلدان الأوروبية الأخرى، وفي هذا الإطار، تبلغ كلفة التأشيرة 2500 دولار أميركي، إذ يتوجه الشبان إلى الأردن من أجل إجراء المقابلة وإتمام المعاملات قبل السفر إلى تلك الدولة.
الأمل يتضاءل للبقاء
يرغب معظم المقيمين في لبنان بالهجرة، وهذا ما تمت ترجمته خلال إطلاق المؤشرات الرئيسة لمسح القوى العاملة في لبنان الذي نفذته إدارة الإحصاء المركزي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية في 2022، إذ لدى “سؤال المقيمين في لبنان بعمر 15 سنة وما فوق عن الرغبة في الهجرة، أبدى 52 في المئة رغبتهم بالهجرة من لبنان، ووفق الفئات العمرية، بلغت 66 في المئة ممن هم بعمر 25- 44 عاماً، وأفاد 10 في المئة من المسنين بعمر 65 سنة وأكثر عن رغبتهم بالهجرة”.
وعند السؤال عما إذا كانوا قد باشروا بمعاملات الهجرة، تبين أن سبعة في المئة من الأفراد المقيمين بعمر 15 سنة، وما فوق، والذين أبدوا الرغبة بالهجرة، قد باشروا فعلياً بمعاملات الهجرة، وقالت أكثرية هؤلاء، 88.5 في المئة، إن سبب الهجرة الوضع الاقتصادي الحالي في لبنان، كما تفيد المؤشرات بتراجع المستفيدين بالتأمين الصحي، ففي وقت بلغت النسبة 55.6 في المئة عام 2019، تراجعت إلى 49 في المئة من المقيمين في 2022، وهذه المرة الأولى منذ 10 سنوات التي تتراجع فيها هذه النسبة إلى ما دون نصف المقيمين.
وأكد المسح الذي قامت به إدارة الإحصاء المركزي انخفاض النشاط الاقتصادي في لبنان الذي يعادل القوى العاملة من 48.8 في المئة إلى 43.3 في المئة، أما معدل البطالة فقد ارتفع ارتفاعاً غير مسبوق من 11.4 في المئة إلى 30 في المئة، ما يعني أن ثلث القوى العاملة عاطل عن العمل، وأظهرت نتائج المسح أن 30 في المئة من العاطلين عن العمل يبحثون عن فرصة عمل لفترة تزيد على سنتين، و19 في المئة لفترة تمتد بين سنة وسنتين، ما يعني أن حوالى نصف العاطلين عن العمل في عام 2022 هم ممن يعانون بطالة طويلة الأمد تزيد على فترة سنة.
كما ارتفعت نسبة العاملين في العمل غير المنظم من 55 في المئة في عامي 2018- 2019 إلى 62.4 في المئة عام 2022، وعلى الرغم من أن معدّل التضخم بين ديسمبر (كانون الأول) 2018، وأكتوبر (تشرين الأول) 2021 سجّل 562 في المئة، إلا أن متوسط الأجور في لبنان الأجور ارتفع أقل من ذلك بكثير، بنسبة 92 في المئة فقط، إذ ارتفع من نحو مليون و200 ألف ليرة بين عامي 2018- 2019 أي ما يقارب 800 دولار (سعر صرف الدولار آنذاك حوالى 1500 ليرة للدولار)، إلى نحو مليونين و300 ألف ليرة لبنانية أي ما يقارب 92 دولاراً في فترة المسح الراهن في 2022، حيث كان يبلغ سعر الدولار 25 ألف ليرة، وبالتأكيد، فإن قيمة الأجور تراجعت حالياً مع مستوى دولار في السوق السوداء يلامس عتبة 30 ألف ليرة لبنانية.
كل هذه المؤشرات وغيرها، تشير إلى تراجع شديد في مستوى المعيشة في لبنان، ما يجعل مستوى التذمر والسخط في ارتفاع، وتراجع مستويات السعادة إلى الحدود الدنيا، الأمر الذي يجعل المقيمين أكثر ميلاً لاتخاذ قرار الهجرة.
المصدر : بشير مصطفى – أندبندنت عربية.