هل يصبح قمح لبنان علف للحيوانات وهو من أجود أنواع القمح في العالم !
لا تزال أزمة الخبز تراوح مكانها على أمل ان تشهد انفراجاً اعتباراً من هذا الاسبوع مع تأمين الطحين لكل الافران. وسط هذه الأزمة، بدأ مزارعو القمح اللبنانيون موسم الحصاد فيما يغيب الاهتمام الحكومي والوزاري بشراء المحاصيل رغم الحاجة الملحّة إليه.
صرّح وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان أن «القمح القاسي اللبناني هو من أجود أنواع القمح في العالم ومطلوب بشكل كبير»، مؤكداً أن «الكميات تؤمن الاكتفاء الذاتي»، لكن في مقابل هذه النفحة الايجابية يهمل المعنيون موضوع شراء القمح المحلي من المزارعين الذين بدأوا موسم الحصاد متسائلين لمَن نبيعه؟ ويكتسب التحرك بهذا الموضوع أهمية كبيرة هذا العام في ظل أزمة الامن الغذائي العالمية من جهة ومعاناة لبنان من جهة أخرى بتأمين العملة الصعبة لشراء القمح التي هي أحد أبرز أسباب الازمة.
في هذا السياق، يقول رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم الترشيشي لـ«الجمهورية» ان موسم حصاد القمح بدأ في لبنان منذ حوالى الاسبوع ويستمر لغاية منتصف شهر آب. وأشار الى ان المحصول هذا العام جيد وكمياته مقبولة جداً رغم عدم تشجيع الدولة على زراعته، متوقعاً إنتاج ما بين 50 الى 60 الف طن هذا العام مؤكدا على قدرة لبنان على رفع الكمية الى 100 الف طن سنويا. وأكد ان المزارعين زرعوا نوعَي القمح القاسي (يستعمل لصناعة المعكرونة والحلويات والبرغل البسكويت…) والطري (يستعمل لصناعة الخبز والمطاحن) ومن المتوقع ان تكون كمية المحاصيل مناصفة بين النوعين.
وكشف الترشيشي انّ موسم الحصاد بدأ وأتت معه خيبة الامل نتيجة غياب الدولة نهائيا عن السمع بحيث لم تتشكّل لجان لاستلام القمح، كما لم يسعّر مجلس الوزراء القمح كما يحصل عادة في كل عام، اي بمعنى آخر لم يؤخذ بعد اي قرار رسمي حتى اليوم باستلام الدولة للقمح من المزارعين، إنما اكتفوا بإصدار قرار يقضي بمنع تصدير القمح اي انهم منعونا من بيعه الى الخارج وفي الوقت عينه لم يُبدوا رغبة بشرائه حتى الساعة. هذا الواقع يفرض على المزارع حَلّين لتصريف الانتاج: إمّا بيعه علفاً للحيوانات، وإما بيعه لبعض التجار الذين يشترون المحاصيل ويعمدون الى احتكار المادة وبيعها لاحقاً إما في السوق السوداء او تصديرها الى الخارج بالتحايُل حارمين المواطن اللبناني من الامن الغذائي.
ويقول الترشيشي: علامات استفهام عدة تطرح حالياً: فكيف يمكن لدولة تتوسّل شراء القمح وتدفع ثمنه بالعملات الصعبة حتى قبل تفريغه في المرفأ في حين انّ القمح اللبناني موجود ولا من يسأل ولا من يشتري؟
وأكد ان المزارع اللبناني امام أزمة كبيرة وتوجّه الى المسؤولين بالسؤال التالي: لمن نبيع محاصيل القمح الوطني المحلي اللبناني الذي هو من الاجود عالمياً؟ لافتاً الى ان استمرار اهمال معالجة هذا الملف من قبل وزيري الزراعة والاقتصاد سيُجبر المزارعين على تصديره وبيعه خارج لبنان بطرق شرعية او غير شرعية. ودعا الدولة الى استلام المحاصيل او جعل المطاحن يستلمونها من المزارع اللبناني مباشرة، وبدلاً من فتح الاعتمادات للخارج فليفتحوها لمصلحة المزارع اللبناني.
الاذلال مستمر
الى ذلك، استمر أمس تهافت المواطنين على الافران خلال عطلة نهاية الاسبوع للحصول على ربطة خبز في استمرارٍ لمشهد الطوابير المذّلة امام الافران. في هذا السياق، دعا أمين سر نقابة أصحاب الأفران ناصر سرور، في بيان، المطاحن العاملة إلى «إعارة المتوقفة عن العمل القمح المدعوم من مخزونها لتُعاود عملها، وإلى رفع إنتاجها إلى الحد الأقصى واستقبال كل قسائم الطحين مع أصحاب الأفران والتي لم تتسلّمها بسبب إقفال المطاحن التي كانت تسلمها وهي الباقليان والتاج والبقاع».
الى ذلك، أسف نائب رئيس اتحاد نقابات المخابز والافران في لبنان علي ابراهيم، لاستمرار «تهافت المواطنين على الافران للحصول على ربطة خبز بسبب الأزمات المتكررة في هذا القطاع والتي لا علاقة لأصحاب المخابز والافران بها». وقال: «انّ هذا التهافت يعرّض المواطن الى إذلال وصاحب الفرن الى مشاكل نحن بغنى عنها في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها لبنان، لذلك ندعو البلديات، كلّ واحدة في نطاقها، الى حماية الافران ومنع حصول اشكالات بين المواطنين أنفسهم وبينهم وبين العاملين في الافران والمخابز». وأشار في بيان الى أن «الاجتماع الذي عقده أصحاب الافران والمخابز مع وزير الاقتصاد والتجارة كان لوضع الامور في نصابها وكان ناجحاً، إلا أننا لم نلمس بعد أي ايجابية على صعيد تأمين الطحين لكل الافران، آملاً في ان تحل هذه المسألة هذا الاسبوع.
إعادة الدعم الكامل
من جهة أخرى، اعتبر تجمع أفران المناقيش ومخابز المرقوق في الجنوب أنّ «انتهاء أزمة الخبز لا تنتهي إلا بإعادة الدعم الكامل على القمح والاستفادة كأفران صغيرة من الدعم المخصص على القمح، لأننا أصبحنا نشتري الطحين المدعوم والموحّد بسعر المرفوع عنه الدعم».
وأضاف في بيان: «إحدى المطاحن تدخل عشرات الأطنان من الطحين المدعوم الى قرية جنوبية عبر مدير مبيعاتها وبحضوره شخصياً وفي بلدته، وتقوم ببيعها في السوق السوداء وأمام الناس ومن دون حسيب أو رقيب»، سائلاً: «من يغطي هذه المطاحن وهؤلاء الأشخاص الفاسدين الذين يبيعون الطحين المدعوم والمخصص للخبز العربي بسعر يتخطى 700 دولار ويضعونه في أكياس لا تحمل أي علامة أو تاريخ في محاولة لتضليل الملاحقة القانونية؟».
وتطرّق الى موضوع الطحين المنتهي الصلاحية والفاسد، وقال: «لم نرَ سوى مداهمات خجولة لبعض المستودعات في حين أنّ الأفران ممتلئة بالطحين الفاسد والمنتهي الصلاحية».
وختم البيان بدعوة الحكومة الى «تصحيح مسار الأمور واتخاذ اجراءات قاسية وصارمة ومحاسبة جادة بحق المرتكبين».