تابعوا قناتنا على التلغرام
مقالات مختارة

غاز لبنان: منصّة صوتية مقابل منصّة عائمة !

محمد قواص

قرر حزب الله بيع الرأي العام موقفا لا مصداقية له مفاده الوقوف وراء الدولة اللبنانية في المسألة المتعلقة بقضية حقل كاريش. قرر أيضا أن الدولة صارت ناضجة وتقرر وحدها ما إذا كانت سفينة “انريجين باور”، التي ستقوم بعمليات استخراج الغاز لصالح إسرائيل من حقل كاريش، قد اخترقت خطوط السيادة اللبنانية في المنطقة المتنازع عليها. وعلى ذلك فإن الحزب لن يسير إلا بما تريده الدولة في هذا الملف وما ترتئيه.

لمآرب لن نجهد كثيرا في السعي لفك طلاسمها استيقظ الحزب على وجود دولة في لبنان. لم يفعل ذلك طوال عقود وجوده، لكنه حين لا يكون مطلوبا منه أن يبادر يجد في اختراع الدولة اكتشافا يجوز التستر خلفه.

وفيما يستعرّ جدل هندسي-سياسي لبناني حول الخط 29 أو الخط 23 كمرجعية للتفاوض حول حقوق البلد المائية، فإن حزب الله ينأى بنفسه عن هذا اللغط تاركاً لحليفة الأول رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يساجل في هذا الصدد مع حليفه الثاني رئيس الجمهورية ميشال عون. وللصدفة فإن الحليفين معنيان سويا أو بالتناوب على إدارة هذا الملف.

وعلى الرغم من أن إنتاج ثروات الطاقة من الحقول اللبنانية هو مصلحة وضرورة ملحّة في عزّ الكارثة الاقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها البلد، فإن الدولة التي يعلن الحزب اكتشافها والتموضع خلفها لم تحسم أمرها لتقديم رواية تقنية قانونية موحّدة للوسيط الأميركي.

الأمر يطرح أسئلة حول الأسباب التي منعت رئيس الجمهورية من التوقيع على مرسومٍ أحالتُه الحكومة يتبنى إحداثيات الجيش اللبناني التي تنطلق من الخط 29 الذي يرفع مساحة النزاع من 860 كيلومتراً حسب مرجعية الخط 23 إلى 2290 كيلومتراً. فمن شأن توقيع المرسوم أن يصبح وثيقة رسمية لبنانية تودَع لدى الأمم المتحدة كما حال الوثائق المتعلقة بالخط 23 التي تم إيداعها عام 2011.

قد يتعلق تراجع رئيس الجمهورية عن توقيع المرسوم برفض أميركي لمبدأ الخط 29. وقد يتعلق أيضا بالسعي لاسترضاء واشنطن لعلّ في ذلك ما يؤدي إلى مراجعة للعقوبات الأميركية المفروضة على صهره رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. وفي الحالتين فإن حزب الله المتفهم لأسباب حليفه في قصر بعبدا لا يهمّه تلك التفاصيل اللبنانية طالما أن قرار ذلك الترسيم لن يمر إلا وفق توقيت إيراني أياً كان خطّ التفاوض المعتمد. والأرجح أن حزب الله ومن ورائه إيران معنية بهذه الحيرة بين الخطين للمساومة على مصيرهما مقابل ملفات أخرى إيرانية خالصة لا شأن للبنان بها.

بكلمة أخرى يتمسك حزب الله، سواء بالزعم بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أو بالدفاع عن ثروات لبنان المائية، بشكل النزاع وليس بمضمونه. ففي الحالة الأولى لا يهمّ أن النظام السوري في دمشق لم يعترف بلبنانية الأراضي المتنازع عليها ولم يوفّر لبيروت خرائط تؤكد عدم سوريتها، وفي الحالة الثانية فإن الحزب غير معني بحرب الخطوط المتعددة في بيروت والتي لا تجد لها مشترٍ في الولايات المتحدة وإسرائيل.

يزعم الحزب الوقوف خلف الدولة اللبنانية، لكنه مع ذلك، في تهديده بالقوة النارية لمنع إسرائيل من نهب ثروات لبنان من الطاقة، يذكّر اللبنانيين ودولتهم العتيدة أنه صاحب قرار السلم والحرب وهو المقرر الوحيد لتوقيتها. والصحيح أن لكرِّ الحزب وفرِّه مواقيتا إيرانية خالصة ترتبطُ بأجندات ما فوق لبنانية تتعلق بمصالح طهران واستراتيجياتها الشاملة في التعاطي مع المجموعة الدولية في موسم كرٍّ وفرٍّ آخر في جنيف.

يؤكد زعيم الحزب أن إسرائيل ستخسر أكثر من لبنان في أي حرب مقبلة. هي وجهة النظر نفسها التي تزعمُ النصر الدائم أيا كان حجم الخراب الذي يطال البلد. ومع ذلك فإن حزب الله لن يخوض حربا دفاعا عن مصالح لبنان وكرمى لعيون اللبنانيين. فإذا ما كانت لحروبه في سوريا واليمن والكويت وبلغاريا والارجنتين .. إلخ حيثيات ودوافع توحي بها طهران، فإن الحزب لن يحرّك عسكره قيد أنملة إلا للدفاع عن أي خطر يهدد إيران ونظامها وحكم وليّها. أما أمر كاريش فليس إلا حجةّ تتقدم وتتأخر وقد تختفي وفق قرار طهران.

يأتي آموس هوكشتاين هذه المرة تلبية لاستنجاد لبناني بالوساطة الأميركية. لم تكن السفينة “انيرجين باور” سراً مفاجئا. حكايتها معلنة منذ قرار بنائها في سنغافورة بمشاركة تقنيات من الصين مرورا بجرّها عبر قناة السويس انتهاء بتحوّلها إلى منصة عائمة فوق حقل كاريش.

بدا أن قرار استخراج الغاز من كاريش أصبح نافذاً يستفيد من غطاء دولي عام سيصعب على حزب الله وطهران معاندته. أبحرت المنصّة مستقوية بضمانات دولية تحيطها بالأمان والحماية. وإذا ما أعلن بري حليف حزب الله موعد وصول المبعوث الأميركي الذي استنجدت به بيروت، فإن ضجيج حزب الله هو من عدّة شغل قديمة تفرش منصّة صوتية شكلية (لا يريد مريديه أكثر منها) فوق تنازلات محتملة بات لبنان وحزبه المهيمن مجبران على الخضوع لها مهما تعددت خطوط الخرائط ومرجعياتها.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى