تابعوا قناتنا على التلغرام
عربي ودولي

هل عاد بايدن من السعودية بـ “خفيّ حنين” ؟

لم تأتِ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة بالكثير أو بخلاف المتوقّع. ثلاثة أيام أمضاها بين إسرائيل وفلسطين المحتلة والمملكة العربية السعودية، وكان يطمح أن يستطيع تطويق تداعيات العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بلاده مع الدول الغربية على روسيا. حاول بايدن أن يتلافى تبعات هذه العقوبات على اقتصاد بلاده واقتصاد الاتحاد الأوروبي، من خلال الطلب من السعودية زيادة إنتاجها من النفط، لكن لا يبدو أنه سيحصل على ما يريد حتى الآن.

قبل وصول بايدن إلى المملكة كانت “المصادر السعودية” تقول لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إنّ المملكة “أقرب إلى روسيا اليوم” منها إلى والولايات المتحدة، و”لا نية بالابتعاد عنا”.

ما يريده بايدن من الزيارة لم يعد خافياً على أحد، لكنّ وبرغم ذلك يرفض أن يقوله صراحة. يريد بايدن رفع السعودية لإنتاجها النفطي، من أجل ضرب قطاع الطاقة الروسي، وحرمان موسكو من عائدات هذا القطاع. زيادة الإنتاج ستمكّنه من تعويض النقص المفترض بالنفط الروسي، الذي يضغط على الدول الغربية والأوروبية لمنعها من شرائه.

مهمة بايدن تبدو معقدة، وسبب ذلك يعود إلى تنامي العلاقة بين دول الخليج  وبين روسيا بهدوء وصمت، خصوصاً مع تزايد شكوك دول الخليج وعلى رأسها السعودية، في التزام الإدارة الديمقراطية بأمن حلفائها العرب، الذي يزورهم بايدن اليوم من باب إعادة ترميم ثقة يبدو أنه باتت بعيدة.

واشنطن تخشى من أن تؤدّي القطيعة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى اقتراب المملكة أكثر فأكثر من روسيا والصين… ويبدو أن ما تخشاه قد حصل. وعليه، لا ضيم من استعراض مواقف بايدن حيال السعودية منذ ترشحه إلى الرئاسة الأمريكية وثم بعد وصوله إلى البيت الأبيض:

  1. تعهد خلال حملته الانتخابية ثم بعد دخوله البيت الأبيض بممارسة المزيد من التشدّد حيال السعودية بسبب حربها على اليمن، متجاهلاً هجمات جماعة الحوثي المدعومة من إيران ضد المملكة منشآتها النفطية.
  2. حاول بداية عهده الضغط على السعودية من زاوية حقوق الإنسان، فاتحاً باب محاسبتها أمام المجتمع الدولي، بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في العام 2018.
  3. رفض التعامل مع ولي العهد وحصر التواصل مع السعودية بوالده الملك سلمان، وما زال إلى اليوم يتهرّب من أسئلة الصحافة ويطلق الإجابات الرمادية حول عزمه لقاء بن سلمان من عدمه. تارة يقول لن يلتقيه وتارة أخرى يؤكّد أنه سيلتقي بالملك وربّما بحضور ولي العهد.
  4. أعلن عن وقف الدعم العسكري المقدم من واشنطن إلى السعودية في الحرب على اليمن، وحظر حصولها على بعض الأسلحة الدقيقة.
  5. رفع جماعة الحوثي عن قوائم الإرهاب الأمريكية في شباط/ فبراير 2021، والتي كانت إدارة ترامب أدرجت الجماعة عليها.
  6. سحب بطاريات صواريخ “باتريوت” من السعودية، في وقت كانت تتعرّض فيه لهجمات حوثية متكرّرة بصواريخ باليستية وطائرات من دون طيار، وذلك في أيلول/ سبتمبر من العام 2021.
  7. رفع السرّية عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) حول اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الجريمة.
  8. سمح برفع السرّية عن وثائق تعود لمكتب التحقيقات الفدرالي (إف. بي. آي) حول أدلة لمزاعم ضلوع السعودية بأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2011، عازياً ذلك إلى ضغط أقارب الضحايا.

منذ تنصيب بايدن رئيساً، اشتكت الرياض من السياسة الخارجية الأمريكية، على الرغم من محاولات المملكة التحسين من سياساتها وتلبية مطالب واشنطن الكثيرة، إن كان بتكثيف الجهود لإنهاء الحرب في اليمن، أو في محاولة دفع البلاد نحو الحداثة من خلال إضعاف نفوذ رجال الدين ومنح المرأة المزيد من الحقوق، أو كذلك بفتح حوار مع إيران بالتوازي مع المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامجها النووي… لكن إدارة بايدن لم ترَ كل هذا، وتطالب الرياض اليوم بالسير عكس مصالحها الاقتصادية والمالية، وربّما السياسية.

من هذا المنطلق، وبناء على ما تقدّم كلّه، يبقى السؤال: ماذا لو وافقت المملكة العربية السعودية على طلبات بايدن؟ ماذا لو قررت المملكة رفع الانتاج فعلاً من أجل خفض سعر النفط عالمياً؟ الجواب السريع يخبرنا أنّ هذه الموافقة سترتب جملة من النتائج المضرّة على دول الخليج، وخصوصاً على المملكة نفسها. وقد تكون تداعيات ذلك على الشكل التالي:

  1. تنازل بن سلمان والموافقة على زيادة إنتاج النفط، سيعود بالنفع على الولايات المتحدة الأمريكية حصراً، وستقضي على المنافسة العادلة في سوق الطاقة العالمي كلّه.
  2. ستتضرر عائدات الشركات النفطية الحكومية في السعودية، كما ستنخفض قيمة إيراداتها التي لن تستفيد أبداً من رفع الإنتاج الذي سيتسبب حكماً بخفض سعر برميل النفط عالمياً.
  3. الموافقة على طلب بايدن ستضع المملكة في مواجهة حلفائها في “أوبك +” مثل روسيا والإمارات وغيرهما من الدول النفطية، التي  من المرجّح أن ترفض السير بأيّ طرح لا يراعي مصالحها، وهذا لن يكون مفيداً لعلاقات المملكة مع أصدقائها وحلفائها.
  4. موافقة السعودية على مطالب بايدن سيظهره في مظهر المنتصر في الداخل الأمريكي من خلال تحسين حظوظ حزبه بالفوز في الانتخابات النصفية المقبلة بعد أشهر. كما سيظهره منتصراً في الخارج برغم كل سياسات “إدارة الظهر” بحق حلفائه في دول الشرق الأوسط، وخصوصاً السعودية التي أدار لها ظهره منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
  5. بالموافقة على طلباته، يكون بايدن قد حقّق مراده من دون أن يهتم بالفعل لبناء علاقة ثنائية ندية بين بلاده وبين المملكة العربية السعودية مثلما يدّعي، فاهتمامات بايدن لم تعد خفية عن أحد في العالم هي محصورة اليوم بهدفين: تقويض روسيا، ومحاصرة الصين.
  6. رفع الانتاج النفطي سيحسّن من موقع وقدرة الولايات المتحدة في إدارة الصراع الدائر في أوكرانيا، وسيسمح لإدارة بايدن في مواصلة محاولاتها عزل موسكو أكثر وأكثر، وهي الحليف المستجد للسعودية.
  7. الموافقة على مطالب بايدن سوف تطيل من عمر الهيمنة الأمريكية على القرار في منطقة الشرق الأوسط، وسيحقق لإدارة بايدن انتصاراً لسياستها الخارجية في المنطقة، وحتى في العالم.

هذا كلّه يقول صراحة إنّ الموافقة على مطالب رئيس شعبيته تتآكل يوما بعد يوم ومستقبله السياسي قد يكون أيلا إلى الأفول في المستقبل قد لا تكون فكرة صائبة، وهذه الحقيقة تدركها قيادة المملكة ولا يبدو أنّ الرئيس الأمريكي خرج من القمة، أقلّه نفطياً، بأكثر من “خفّي حنين”!

المصدر : عماد الشدياق.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى