“بسطات الحلوى” الطرابلسية بطعم المخيلة ونكهة الإبداع
أينما تجولت في مدينة طرابلس اللبنانية يقع بصرك على “بسطات الحلوى” ذات الهوية الخاصة بأصحابها، فلكل واحدة منها قصة وحكاية تشهد على مسيرة نجاح الحرفي الطرابلسي في تحقيق التوازن بين الحفاظ على تراث مطبخه الشعبي، وتأمين الاستمرارية في ظل التحديات التي فرضتها الحداثة على الذوق العام، وهي بسطات بلون المخيلة ونكهة الإبداع، تحولت مع الزمن إلى معالم أساسية في المدينة العريقة.
“يلي بيدوق بيعرف”
منذ 40 عاماً، وفي آخر شارع البلدية، تنتصب بسطة جلال طالب أبو حسن لتشهد على تاريخ “اللقمة الحلوة” في الفيحاء التي يفترش فيها “ما لذ وطاب” من أنواع الحلويات المصنوعة من مختلف أنواع المكسرات. ويعتبر طالب هذه الحرفة جزءاً من التراث اللبناني، فهو ورثها من جده “وهيب اللون” أشهر بائع “قضامية” في طرابلس.
ومنذ صغره رافق جلال جده كان يمسك بطرف العربة التي يجرها الرجل وينطلق من حي زقاق البلاط في طرابلس إلى الزاهرية، إذ ينتظره أبناء المدينة.
وورث طالب عن جده شغف “صناعة الطيبات” كما حافظ على عربته التقليدية، وكذلك سحر النكهات وسر الوصفات التي تختلف مقاديرها وقوة النار بين الفصول والمناخ “المدس الصيفي، المدس الوسط، المدس الشتوي”.
ويؤكد جلال تمسكه بمعايير النجاح وفي مقدمها تأمين أجود المكونات من “لوز وجوز وبندق وسمسم وجوز الهند وكاجو” لأن الأخطاء لا تغتفر، ويجزم أن “من يتذوق منتجاته لمرة سيعود إليه بالتأكيد”. لذلك يلاحظ خلال زيارته تعدد مشارب الزبائن من مختلف المناطق اللبنانية.
ويتمسك طالب بهذه الحرفة فهي التي سترت عائلته وحققت لهم التربية الرشيدة والتعليم الجيد، كما تولى مهمة نقل أسرارها إلى ابنه الذي تعهد تطويرها وأدخل مكونات جديدة وانتقل إلى صناعة الجزرية من جوز الهند وشوكولا بالبندق واللوز التي تحتاج جهداً ووقتاً.
ويقارن أبو حسن بين أسعار الحلوى التي يقدمها وتلك التي تباع في المحال الفاخرة، فهي لم تعد ضمن إمكانات العامة من الناس. ويؤكد أن “بعض محال الحلويات حاولت تقليده لكنها فشلت بسبب التلاعب ببعض المكونات، إذ استخدموا الألوان والنكهات بدلاً من المكسرات من أجل التوفير”.
ولا يخشى الحاج جلال المنافسة، “لا يوجد منافس لي وإن حاولوا سيفشلون لأنني واثق من عملي ومن صدقي. وقد علمت ابني أهمية الحفاظ على المكونات الفاخرة وأماكن الحصول عليها، لأن الزبائن لن يصبروا على الجودة السيئة”.
حلاوة الشميسة الطرابلسية
ليس بعيداً من بسطة أبو حسن يقع معلم آخر من معالم “اللقمة الطيبة الطرابلسية” العائدة لآل الحداد، فمنذ قرابة سبعة عقود يتوارث رجال العائلة أسرار صناعة “حلاوة الشميسة” وهي نوع من أنواع الحلوى مصنوع من الرز والسكر ذات المظهر الجيلاتيني الشفاف الذي لا يمكن أن يجده الزائر إلا في طرابلس.
ويتناوب على البسطة شبان العائلة ليقدموا هذا النوع من الحلوى الذي تنفرد به عائلة الحداد التي تدعي امتلاكها أصول صناعة حلاوة الشميسة، وقد أخذوها عن شركائهم الأقدمين “آل الشميسة”. ويروي أحمد أنه منذ سن السابعة بدأت مسيرته إلى جانب والده، وبعد أربع سنوات من التدريب طبخ أول طبخة مكتملة الشروط والمواصفات. ويروي أنه “استغل ذهاب والده إلى العمرة وخرج لبيع حلاوة الشميسة على العربة”، ومنذ ذلك الحين استمر في الحرفة العائلية التي ذاعت شهرتها وانفتحت أمامها أبواب مختلف المناطق اللبنانية وصولاً إلى أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة.
وعند سؤاله عن مدى استعداده لكشف سر المهنة وتعليمها لآخرين يجيب، “بالتأكيد لا لأنها من جهة تؤمن لي معيشتي ومن ناحية أخرى تحافظ على اسم العائلة وسمعتها، لأن المتعلم قد يتلاعب بالمكونات وبالتالي يشوه السلعة”.
“حاول كثيرون تقليدها لكنهم فشلوا”
ويقول الحداد “هناك تفاصيل بسيطة تصنع فرقاً كبيراً، فهي تحتاج إلى نفس طويل ووقت على النار، ولا بد من طبخها قبل يوم من بيعها لأنه لا يمكن تناولها ساخنة، إذ يمدها الشاب بواسطة الشوبك بعد أن تصبح قطعاً رقيقة، ويملؤها بالقشطة الحيوانية الطازجة قبل إغلاقها من الأطراف وتغطيتها بالسكر الناعم”.
ويقول أحمد الحداد، “ما زال سعر حلاوة الشميسة مع القشطة مقبولاً مقارنة مع باقي الحلويات، فالكيلو الواحد مع القشطة بـ 100 ألف ليرة لبنانية على البسطة”، أي حوالى أربعة دولارات أميركية، فيما يتضاعف سعرها في بعض المحال التي تشتريها من مصنع آل الحداد”.
ويشير إلى وجود أنواع مختلفة منها محشوة بالمكسرات من جوز ولوز وكاجو، وإلى جانب هذا يبيع أحمد حلاوة الرز وهو صنف طرابلسي يصنع من الرز، والسكر ويضاف إليهما الجبن.
بسطات بألوان مختلفة
وبين هذا وذاك تنتشر في زوايا طرابلس مجموعة من البسطات التي تحولت إلى مورد رزق دائم لأبناء المدينة، ومنها على سبيل المثال بسطة أبو بدر الطرابلسي المتخصصة بالمهلبية، وهي نوع من الحلويات البيتية التي تصنع من الحليب والنشاء والسكر وتغطى بالقطر وجوز الهند والزبيب والفستق الحلبي.
ويشهد شهر رمضان انتشار عربات مختلفة لبيع الكربوج والكنافة والمشبك وغيرها من الحلويات العربية التي تنفرد طرابلس بنكهاتها وجودتها عن باقي المناطق، إضافة إلى حلوى الجيلي التي تجذب ألوانها المارة في الأسواق التجارية الرئيسة.
المصدر :
اندبندنت عربية.