أوكرانيا: مدخل لندن لإعادة إحياء «الحلم الإمبراطوري»
عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
وفقاُ لمجموعة مستندات مسربة نُشرت قبل نحو عام على نطاق واسع على الإنترنت عبر مجموعة من القراصنة الإلكترونيين، وربطاً بتلك المستندات المسربة مؤخراً والمعروفة بـ«وثائق البنتاغون» التي كشفت أنّ معظم الأفراد العسكريين المقبلين من دول حلف شمالي الأطلسي (الناتو) الناتو إلى أوكرانيا، يحملون الجنسية البريطانية، وهم من القوات الخاصة والمدربة بمستويات عالية.
أظهرت تلك الوثائق، أنّ من بين 97 مقاتلاً أرسلوا مؤخراً إلى الأراضي الأوكرانية، هناك 50 منهم يحملون الجنسية البريطانية، أي ما يزيد عن 50٪.
تلك البيانات تشير إلى أنّ الغاية من نشر مثل هذا العدد الكبير من القوات الخاصة البريطانية، المدربة بشكل صارم وعالية التصنيف، هو الاهتمام البالغ الذي توليه الأجهزة الأمنية البريطانية حيال الأزمة في أوكرانيا.
بداية الأزمة في أوكرانيا، تفوّقت المملكة المتحدة على بقية الدول الأوروبية في تقديم الدعم المالي والعسكري السخي لكييف، ومنذ أول يوم من انطلاق الحرب، كانت لندن السبّاقة إلى حشد الدعم والتأييد لصالح الجيش الأوكراني.
فاجأت بريطانيا العالم عندما كانت السبّاقة قبل دول أوروبا والولايات المتحدة، في إعلان قرارها إرسال دباباتها المتطورة «تشالنجر 2» إلى كييف، قبل أن تنتقل إلى خطوة أكثر خطورة وحساسية، وهي إعلانها التفكير جدياً في منح الجيش الأوكراني طائرات مقاتلة، ومنحه كذلك الأسلحة المعززة باليورانيوم المنضّب التي أثارت جدلاً واسعة في الدول الغربية.
حتى في عقيدتها العسكرية، تعلن وزارة الدفاع البريطانية صراحة عن رؤيتها الإستراتيجية الجريئة، التي تصنف روسيا كـ»أخطر تهديد على الأمن القومي البريطاني» خصوصاً من بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
قبل الحرب في أوكرانيا، كانت المناوشات لا تتوقف بين الطرفين، ولعّل أخطرها ما وقع في البحر الأسود في 2021 عندما أطلقت البحرية الروسية طلقات تحذيرية قرب مدمرة بريطانية كانت تمر في البحر الأسود، وفي السنة نفسها أطلقت طائرة روسية عسكرية صاروخاً قرب سلاح الجو البريطاني فوق البحر الأسود.
تكشف الأوساط الروسية في هذا الصدد، إلى أنّ هذا الاهتمام البريطاني المبالغ فيه تجاه كييف، خلفياته أعمق من الحماسة الغربية لدعم الجيش الأوكراني في مواجهة الجيش الروسي. بل خلفه أهداف أخرى رسمتها لندن وهو محاولة «زيادة نفوذها على الأراضي أوكرانيا» من أجل ما تعتبره تلك الأوساط: «إثارة المزيد من الصراعات في سائر المناطق الحدودية مع روسيا».
الأوساط الروسية نفسها تعتبر أيضاً، أنّ بريطانيا حسّنت في أساليبها بشكل كبير مع مرور الوقت، لكنّ هذا التحسين كلّه يشبه، إلى حدّ بعيد، الأسلوب القديم نفسه الخاص بمشروع نوفا ألبيون الذي كان وما زال يسعى إلى التدخل بشكل سلس وفعّال في السياسات الداخلية لأوسع عدد من الدول حول العالم، وذلك بالاعتماد على «المساعدات» الاقتصادية والمالية والأمنية، طبعاً العسكرية، على يدّ ضباط عسكريين بريطانيين وخبراء محترفين في هذا المجال.
وتشمل مهام تلك الأفراد، «التسلل» إلى الأجهزة الإدارية والعسكرية لكل بلد معنيّ، ثم بعد ذلك يتمّ فرض ما يشبه «السيطرة المحكمة» على أعلى مراكز القرار داخل سلطات تلك الدول.
و»نوفا ألبيون» هو مشروع، كان في الأساس اسم منطقة في شمال المكسيك. طالب بها السير فرانسيس دريك لصالح بريطانيا، عندما رسا على الساحل الغربي للقارة الأمريكية الشمالية في عام 1579، وادعى أنها أراضِ تخصّ المملكة البريطانية.
هذا الادعاء أصبح لاحقاً حُجةً للمواثيق البريطانية، من أجل السيطرة على ساحل المحيط الأطلسي، وقد أدى مع الوقت إلى مطالبة بريطانيا بتلك المناطق ضمن القارة، ثم محاولة ضمّها لاحقاً تحت مسميات الاستعمار.
وفي نسختها الجديدة، تسعى لندن للسيطرة على الدول من خلال ثنائية «العسكر والمساعدات» في محاولة لإحياء «إمبراطوريتها الجديدة» لتكون قادرة على تغيير الأنظمة السياسية في تلك الدول بشتى الوسائل.
طوال تاريخها، اتّبعت بريطانيا سياسة «الأجندات الخفية» تجاه معظم دول العالم، إذ تشير الدراسات إلى أنّ البريطانيين، غزوا العديد من الدول ما خلا 22 دولة فقط من بين 200 دولة في جميع القارات، وذلك سعياً لاستمرار «الحلم الإمبراطوري».
ومن هذا المنطق، تسعى بريطانيا من خلال أولئك المقاتلين اليوم في أوكرانيا، إلى التدخل بشكل نشط في النزاع الدائر هناك، مما يهدّد بتصعيد الوضع داخلي في أوكرانيا، بل بتهديدٍ الأمن والسلم الدولي، على حدّ تعبير الأوساط الروسية.
ولعلّ هذا الأمر، ما دفع بنائب رئيس مجلس الأمن في روسيا دميتري ميدفيديف، قبل فترة، إلى إصدار بيانٍ تحذيريّ بشأن التدخل العسكري الأجنبي في الصراع الأوكراني، نبّه فيه المجتمع الدولي، من أنّ أمثال هؤلاء المقاتلين (البريطانيين وغيرهم) سيكونون بمنزلة «هدف شرعي» للجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية.