كلامٌ يخشى باسيل قوله عن “حزب الله”.. !!
شاءَ رئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل، أمس الثلاثاء، اختيار درب التصعيد بوجهِ “حزب الله” الذي كاد يصفهُ بـ”الخائن” للتحالف الذي يجمع بينهما، وذلك بسبب “الجُرم الكبير والعظيم” الذي ارتكبه الأخير عبر مشاركته في جلسة الحكومة التي عقدت، الإثنين، بهدفِ إنقاذ المُستشفيات ومرضاها. حقاً، حاول باسيل ضبط غضبه المُتصاعد تجاه حليفه، إلا أنه لم ينجح بشكل كامل.
فمن يرصدُ تعابير وجهه سيكتشف أن رئيس التيار “البرتقالي” فقد صوابه بالكامل وباتَ مُجابهاً من أقرب الأقربين إليه. وفي زحمةِ الصّدمة والإنتكاسة، حاول باسيل إثبات عدم تعرضه للخرق من قبل حليفٍ قريب، فأبى إلا أن يكون رئيس حزب “الطاشناق” هاغوب بقردونيان إلى جانبه في مؤتمره الصحفي العلني، من أجل إظهار أن الأخير لم يُخالف قراره المرتبط بمقاطعة جلسات الحكومة، وأن ما فعله وزير الصناعة جورج بوشكيان (المحسوب على الطاشناق)، على صعيد المشاركة بالجلسة الأخيرة، هو قرارٌ فرديّ. وبسبب ذلك، وفي أسلوب انتقامي، فعل باسيل فعلته وأقحم “الطاشناق” في لعبته، ودفع الأخير في قرار ليليّ لفصلِ بوشكيان عن كتلة نواب الأرمن. وبمعزلٍ عن “التلطيش” واتهامات التخوين التي أسداها باتجاه حليفه الأوحد، فإنّ باسيل لم يقل أشياء كثيرة في خطابهِ التصعيدي، فهو لم ينخرط في أي تفصيلٍ يؤكد على أهمية حماية صحة الناس التي كانت تحتاجُ إلى قراراتٍ حكوميّة حاسمة.
كذلك، تجنّب باسيل الاستفاضة في رسائل “مخاصمة” الحلفاء، لكنه في الوقت ذاتهِ نأى بنفسه قليلاً عن مُجابهة الأطراف الأخرى غير “حزب الله”. ما بدا واضحاً هو أن رئيس “التيار” فضّل عدم الانخراط في أيّ تصعيدٍ كلامي ضدّ الحزب “التقدمي الإشتراكي” الذي شارك في الجلسة، كما أنّه أبى أيضاً التدليل على مُشاركة تيار “المرده” وكذلك “حركة أمل”. أمّا الأمر الأهم فهو أنّ باسيل لم يُعلن “فكّ الإرتباط” مع “حزب الله” ولم يكشف عن أي خطواتٍ تصعيدية مُقبلة، في حين أنّه لم يُفصح عمّا إذا كان “الوطني الحر” سيتحرّك رئاسياً بعكسِ ما يريدهُ “حزب الله”.
وسط كل ذلك، لم يتجرأ باسيل على إسداء رسالة مباشرة باتجاه أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، بل تجنّب الكلام في هذا الإطار حاصراً “استياءه” بشقّ عام وبمعزل عن الرسائل المحددة باتجاه أشخاص. ولو حصل ذلك فعلاً، لكان باسيل أقحم نفسه في خانة “التطاول” لاسيما أنه تحدث عن “نكث بالوعود والضمانات”، وهي أمورٌ يقصد بها “حزب الله” كتنظيم سياسي داعم لوزراء، ولا يتجرأ على الإشارة إلى شخص أمينه العام الذي لديه الكلمة الفصل في أغلب الأمور. عملياً، فإنّ باسيل تركَ الأمور في خانة “العتب التصعيدي”، وقد تكونُ رسالته أمس بمثابة جرس إنذار بينه وبين الحزب للإشارة إلى أنّ الأمور ليست على ما يُرام. في الوقتِ نفسه، قد يكونُ باسيل نفسه عاجزاً حالياً عن “كسر الجرة” مع أي طرف قريب منه، فلا مصلحة له في ذلك لأن الخسارة ستكون أكبر والإنعزال سيكونُ أشمل.
فمن دون “حزب الله”، قد لا يضمنُ باسيل أي مسارٍ مقبل نحو رئاسة الجمهورية، وبعيداً عن حارة حريك سيُصبح باسيل مُجرداً من حلفاء انتخابيين وسياسيين، وبمنأى عن الطائفة الشيعية سيكون باسيل أقرب إلى الفئوية والإنعزال بعدما خسر الطائفة السنية بقياداتها. كذلك، فإنّ باسيل لا يستطيعُ المضيّ قدماً في أي طلاقٍ مع الحزب لأنّه يدرك تماماً أن الأخير أقوى منه في التحالفات وأعمق في التأثير وأبلغ منه في التقارب وقد تجاوزه عبر الانفتاح المستجد على الخصوم. ما لم يستطع باسيل قوله بالأمس يُخفي عجزاً كبيراً عن أي مواجهة فعلية، وما يمكن تثبيته إذاً هو أن معارك “التيار” تبقى كلاميّة وتنحصرُ في هذا الإطار. أما على أرض الواقع، فلا حيلة لباسيل، فالتكتلات التي يسعى لمجابهتها كبيرة وأي سجالٍ جديد مع “حزب الله” قد يهدم العلاقة أكثر. ولهذا، فإنّ نطاق تحرّك باسيل سيكونُ محدوداً ومن الممكن أن تكون جلسة يوم الخميس الرئاسية السبيل الأخير لـ”تنفيس الغضب”، وبعدها سيعودُ رئيس “التيار البرتقالي” إلى قواعد اتفاقه مع “حزب الله” سالماً ولكن ليس غانماً، بل خاسراً ثقة المقربين وقوة البعيدين.