“حرب الرعايا”… أزمة جديدة بين الغرب وروسيا !
عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
تدخل العلاقة بين روسيا والدول الغربية عموماً منعطفاً جديداً، يتخذ شكلَ صراعٍ جديد بين الطرفين، عنوانه “حرب الرعايا”. هذه الحرب المفترضة يقودها الغرب ضد الروس على مستويين:
– الأول، على مستوى الرعايا الموالين لدولتهم الروسية والموجودين خارج البلاد.
– الثاني،على مستوى الرعايا الروس “المعارضين” الذين يتخذون من الدول الغربية أيضاً، حصوناً ومتاريس للضغط على الكرملين ونقد سلوك الدولة الروسية.
البعثة الدبلوماسية
قبل أيام كشفت البعثة الدبلوماسية الروسية في العاصمة الألمانية برلين، أنّ السلطات الألمانية اعتقلت مواطناً روسياً على أراضيها من دون إخطارها، مشيرة إلى أنّ هذا المواطن المعتقل لم يتقدم إلى سفارة بلاده من أجل الحصول على مساعدة قنصلية وقانونية.
يأتي هذا التوقيف، على خلفية إعلان أطلقته وزارة العدل الأمريكية يتّهم خمسة مواطنين روس، بالتهرب من العقوبات وغسيل الأموال، أحدهم هو يوري أوريخوف، المحتجز في ألمانيا وربّما يخضع لإجراءات تسليمه إلى واشنطن.
هذا الأمر لم يتوقف على ألمانيا. فإيطاليا هي الأخرى، اعتقلت نهاية شهر آب/أغسطس الفائت أيضاً، مواطناً روسياً آخر (اسمه أرتيوم أوس) بناءً لطلب واشنطن، التي تتهمه بـ”التآمر لسرقة أسرار تجارية”، وهو الأمر الذي دفع بالسفارة الروسية في إيطاليا إلى رفض سلوك الولايات المتحدة “المسيء والمرفوض، والمخالف للقانون الدولي”، مؤكدة أنّ هذا السلوك سيؤدي حتماً إلى “مزيد من تدهور العلاقات”، فيما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا إنّ موسكو “تنظر إلى احتجاز مواطنيها في إيطاليا وألمانيا على اعتباره “جزءاً من حملة تهدف إلى سجن هؤلاء في الولايات المتحدة”.
التكنولوجيا العسكرية
وتقول وزارة العدل الأمريكية إنّ المدعى عليهم قاموا بـ”تنظيم مخطط معقّد للحصول بشكل غير قانوني على التكنولوجيا العسكرية الأميركية، وعلى نفط من فنزويلي الخاضع للعقوبات الأمريكية”، وذلك من خلال “عدد لا يحصى من المعاملات لشركات وهمية وعملات مشفرة” وقد يواجهان أحكاماً بالسجن لمدة قد تصل إلى نحو 30 عاماً داخل الولايات المتحدة.
وعلى ما يبدو، فإنّ هذه الإجراءات التي بدأت تعتمدها الدول الأوروبية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تأتي تزامناً مع توصّل المفوضية الأوروبية، في الأسابيع الماضية، إلى توافق في ما بينها، على إقرار حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا، وذلك بعد شدّ وجذب نتيجة تردّد بعض الدول الأوروبية من السير بالعقوبات. عقوبات لم تُثبت في نظر بعض الدول الأوروبية، جدواها ضد موسكو حتى الآن. بل ارتدّ جزء كبير من تبعاتها على الداخل الأوروبي.
وتضمّنت العقوبات الجديدة، إلى جانب فرض حظر على الواردات الروسية والصادرات الأوروبية إلى روسيا والتعاملات الشحن البحري والتأمين، حظر امتلاك المواطنين الروس العملات الرقمية المشفرة، التي يرى فيها الغرب مجتمعة، “ثغرة” كبيرة تتيح لروسيا والشركات الروسية التسرّب من العقوبات، ويبدو أنّ التوقيفات في أوروبا كانت من هذا الباب.
أمّا الروس المعارضون، فيستخدمهم الغرب ورقة ضغط إضافية ضد الكرملين. هؤلاء الرعايا المعارضون عددهم ليس قليلاً، ومن بينهم فنانون وممثلون معروفون، يُغالون في إدانة تصرفات السلطات الروسية، ويتحدثون بشكل سلبي عن سلوك روسيا الحربيّ، فيدعون الجماهير إلى “تنظيم احتجاجات وافتعال الأعمال الشغب والتخريب”، وذلك حسب ما تؤكد الأوساط الروسية.
ممثلون للمعارضة
ومنذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية غادر جزء كبير من بين هؤلاء الأراضي الروسية، وباتوا يصورون أنفسهم على أنهم “ممثلون للمعارضة” خارج روسيا، ومن بين نخبِ المجتمع المدني والشخصيات العامة في مجال السياسة والثقافة والفن، التي تبدي حرصاً وقلقاً على مصير روسيا الاتحادية، وتراه موسكو سلوكاً مبالغا فيه ويستهدفها.
وفي هذا الصدد، تعتبر هذه الأوساط أنّ سلوك هؤلاء الرعايا الروس داخل القارة الأوروبية والدول الغربية عموماً، سببه الدعم الذي يتلقونه من المنظمات الغربية التي تصفها تلك الأوساط بـ”المدمرة للروابط الروسية”، وتقول إنّها المدعومة تتلقى الدعم من أجهزة الاستخبارات الغربية وعلى رأسها تلك الأمريكية، التي تسعى إلى “زعزعة استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي في الداخل الروسي”.
لكن بعد مضي ما يزيد على 8 أشهر من عمر الحرب الروسية – الأوكرانية، لم تعد الأمور كما ذي قبل. فقد أصبح هؤلاء الروس الذين يعتبرون أنفسهم ممثلي “المعارضة الروسية في الخارج”، يمثّلون عبئاً على الدول الغربية، التي تتحمل اليوم الكثير من تبعات العقوبات من تردٍ اقتصاديّ وارتفاع منسوب التضخم، وهي تفاضل اليوم بين ضرورة إيلاء كامل اهتمامها لمواطنيها، وبين جدوى تقديم الدعم المالي والمساندة السياسية لـ”اللاجئين السياسيين” الروس، خصوصاً مع ازدياد حركة الهجرة للأوكران من الداخل الأوكراني، إذ تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أنّ أعدادهم تخطت الـ7 ملايين لاجئ… وهذا كلّه يرفع من منسوب التحديدات التي تواجهها الدول الأوروبية.
مصادرة الأملاك
أمّا في المقلب الآخر، فتعتبر موسكو أنّ هؤلاء قدموا أنفسهم “أضاحي” للغرب، واصطفوا خلف دولٍ “تهدّد الاتحاد الروسي، وتزود أوكرانيا وغيرها بالأسلحة من أجل تدمير جيش بلادهم”، كما تضع موسكو هؤلاء في مصاف “الخونة” و”الخائفين على مصالحهم”، ومغالاتهم في الهجوم على سياساتها مردّه إلى الرعب الذي ينتابهم من فكرة حظر دخولهم إلى القارة أوروبا، أو من مصادرة أملاكهم داخل الدول الغربية، حيث يتوجسون من فرض العقوبات ضدهم أو حجب حساباتهم المصرفية.
المجموعتان، المعارِضة والموالية، باتتا سلاحاً إضافياً تحاول الدول الغربية استخدامه ضد موسكو. وهذا كلّه ينبئ باحتمال نشوب حرب جديدة بين الطرفين، ربّما يكون عنوانها “الرعايا” إذ لا يُستبعد أن تلجأ موسكو لإجراءات مماثلة للردّ على ما تعتبره استغلالاً لمواطنيها لأهدافٍ غير بريئة!