تابعوا قناتنا على التلغرام
سياسة

حكومة ميقاتي واستمرارية الأمر الواقع…!

فشلت كل المساعي لتشكيل حكومة لبنانية جديدة خلفاً لتلك المستقيلة، بفعل الانتخابات النيابية الأخير في شهر أيار/ مايو الماضي. وباءت بالفشل جميع الوساطات التي دارها “حزب الله” في الأسابيع الماضية من أجل التوفيق بين رئيس الجمهورية ميشال عون (انتهت ولايته مساء يوم الاثنين) وبين الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، باءت كلها بالفشل.

فشل يحتسب على حزب الله

والفشل في تشكيل حكومة جديدة يحتسب على “حزب الله” الذي كان سلوكه يؤكد أنّه الأكثر حرصاً بين الفرقاء اللبنانيين (بعد الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي) بولادة حكومة جديدة للبلاد، وذلك للأسباب التالية:

  1. الظروف السياسية والاقتصادية المتردية في لبنان منذ 3 سنوات (عمر الأزمة الاقتصادية في 19 تشرين الأول/نوفمبر 2019) ما عادت تسمح في تمييع الحلول، وخصوصاً أنّ الحزب كان يدفع تبعات الفراغ الحكومي في أوساط بيئته الحاضنة من رصيده الشعبي، تلك البيئة التي لم تتردّد في التعبير عن غضبها مما وصلت إليه الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في البلد. فصحيح أنّ الحزب يملك ما يشبه “دولة ضمن الدولة” غنية بالمؤسسات وذاخرة بالخدمات، لكن تلك التقديمات كلّها محصورة بأعداد ضئيلة من بين المحازبين ضمن الطائفة الشيعية، وليست للشيعة كلّهم. وبالتالي بدأ الحزب يعترف ضمناً بأنّ لا بديل عن الدولة، ولا بدي عن حكومة نظامية وشرعية من أجل تقيدم تلك الخدمات وتحمّل المسؤوليات.
  2. بحكم الأمر الواقع، فإن “حزب الله” بات المسؤول المباشر والأول عن كل ما يجري في لبنان اليوم، حتى لو لم يعترف هو بذلك. فالظروف السياسية لم تعد كما كانت في السابق؛ أيام انقسام الأحزاب السياسية بين معسكري 14 و8 آذار؛ إذ يومها كانت المسؤولية موزعة على الطرفين: الأول يصطف خلف محور الولايات المتحدة – السعودية، والثاني ضمن محور إيران – النظام السوري، وهما يتقاسمان مسؤوليات السلطة معاً، فيتقاذفان التُهم ويتنافسان من أجل أن “يهضم” الطرف الأول مكتسبات الطرف الآخر والعكس بالعكس.
  3. حاول “حزب الله” الدفع لولادة حكومة جديدة من أجل التفرّغ للملف الرئاسي الذي أوجد، ولا يزال، الكثير من الخلافات في صفوف حلفائه. فرئيس مجلس النواب نبيه برّي يرفض وصول صهر عون الوزير جبران باسيل إلى سدّة الرئاسة، بينما يصرّ باسيل على أن يكون مرشّح الحزب الذي يقول عند كل مناسبة إنّه لا يملك مع حلفائه الأغلبية داخل مجلس النواب من أجل فرض مرشحهم للرئاسة، وفي ظل هذا المناخ، يراهن حزب الله على أن يأخذ الفراغ الرئاسي مداه، لكي يفرض المرشح الذي يرضيه، أو في أقل تقدير، لوصول رئيس توافقي يستطيع أن يسوّق اسمه مع المجتمع الدولي ضمن صفقة تعيد المساعدات إلى لبنان. لكن الحزب كان يعي أنه سوف يكون عاجزاً عن تحمّل تبعات فراغين في مؤسستين دستوريتين في آن، ولهذا كان يصرّ على ولادة الحكومة.

مصير الحكومة المستقيلة

إزاء هذا الواقع، ما الذي سيحصل؟ وما هو مصير حكومة ميقاتي المستقيلة؟ هل ستستطيع الاستمرار في تصريف الأعمال بعد توقيع عون مرسوم استقالتها؟ وهل الخلاف حولها سيفضي إلى فوضى دستورية إضافية عن تلك الفوضى السائدة أصلاً؟

عملياً يمكن الاستنتاج أنّ هذه الحكومة مستمرة حتى انتخاب رئيس جديد، على الرغم من الضربات التي حاول “التيار الوطني الحر” تسديدها لها في أواخر أيام عهد ميشال عون، وخصوصاً بعد توقيع مرسوم استقالتها قبل يوم من نهاية عهده، وإشاعة معلومات عن رفض وزرائه الالتزام بتصريف الأعمال، وذلك من أجل شلّ حركتها.

هذا المرسوم خلق نوعاً من الانقسام بين خبراء دستوريين، فذهب فريق صوب اعتبار الحكومة غير مخوّلة، كونها مستقيلة، بتصريف الأعمال بما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية أو بعقد جلسات. في حين أنّ فريقاً آخراً من الخبراء الدستوريين، اعتبر أنّ توقيع المرسوم هو “لزوم ما لا يلزم” لأن الدستور يذكر صراحة الحالات التي تستقيل بها الحكومة، وبالتالي فإن الإجراء الذي اتخذه عون إداري صرف ولا يزيد على استقالة الحكومة أي استقالة.

وعليه، فإن ما يمكن استخلاصه من هذا الواقع الجديد، هو التالي:

  1. الحكومة مستمرة في تصريف الأعمال بحكم الأمر الواقع، وعملاً بمبدأ “استمرارية المرفق العام”، لكن هذا الأمر سيتم وفق شروط، جرى التوافق عليها بشكل غير معلن بين “حزب الله” والرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، بوفق ما نقلته صحف لبنانية عن مصادرها. تلك الشروط تقضي: بـ “عدم دعوة الحكومة إلى الاجتماع إلاّ في الحالات الطارئة” وكذلك “بعد موافقة جميع الأطراف المشاركة فيها”. وبهذا المعنى، فإن الحكومة لن تستخدم صلاحيات رئيس الجمهورية وستلتزم بالحدود الضيقة لتصريف الأعمال، المنصوص عليها صراحة في الدستور.
  2. اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحكومة وإبداء استعداده للتعاطي معها، سيكسبها الشرعية المطلوبة من أجل الاستمرار، وخصوصاً أن الدول الغربية المهتمة بلبنان مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكذلك الدول العربية، تفضّل وجود حكومة ولو مستقيلة، على أن يستسلم لبنان لـ “الفراغَين”. لقد بدا هذا الموقف واضحاً من خلال ما نقلته صحيفة “النهار” اللبنانية عن “مرجع فرنسي رفيع”، أكد أن “حكومة ميقاتي هي حكومة تصريف أعمال، ويتعين عليها إجراء الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد، وهي وحدها قادرة على إخراج لبنان من أزمته.” وأنّ المجلس النيابي مطالب بـ “الاسراع في انتخاب رئيس، وهذا ضروري مثل الإصلاحات، وهو ما تركز عليه الرئاسة الفرنسية.” وقد تكون تلك إشارة كافية لرصد موقف الفرنسيين وربما المجتمع الدولي من الحكومة مستقبلاً.
  3. إذا ما اعترف المجتمع الدولي بالحكومة وواصل التعاون معها، فإن ذلك سيدفع جميع الوزراء من كل الأحزاب والمشارب للاستمرار في تحمّل مسؤولياتهم، على الرغم من تهديد وزراء “التيار الوطني الحرّ” بمقاطعة الجلسات والامتناع عن تصريف الأعمال، لأنّ ذلك قد يعرّضهم إلى أزمات مباشرة مع الدول الغربية ولا يُستبعد أن يصل الأمر بالمجتمع الدولي إلى حدود تهديد المقاطعين بالعقوبات نظراً لحساسية الوضع اللبناني، وخصوصاً إذا استمر الفراغ الرئاسي طويلاً، الأمر الذي قد يكون سبباً في موافقة بعض وزراء “التيار الوطني الحرّ” على مشاركة الرئيس ميقاتي في أعمال القمة العربية في الجزائر، وهو قد يكون مؤشراً إلى عدم الذهاب بعيداً في مقاطعة الحكومة مثلما يريد تيارهم السياسي، علماً بأن ميقاتي لطالما تحدث عن ثقته بأن عدداً قليلاً جداً من وزراء “التيار الوطني الحر” سوف يتجاوبون مع أوامر زعيم التيار بمقاطعة الحكومة.

المصدر : التقرير العربي – عماد الشدياق.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى