تابعوا قناتنا على التلغرام
عربي ودولي

بالتفاصيل : “مشاهد مأساوية دامية” في إيران !

كان المشهد مأساويا وداميا لدرجة يصعب تصورها, جرحى يزحفون هربا من وابل الرصاص، وآخرون ينزفون حتى الموت فوق سجادات الصلاة، بينما يجاهد مصلون آخرون لجرهم بعيدا في محاولات “انتحارية” لإنقاذهم.

في الوقت ذاته، كان رجال الأمن والقناصة مستمرين في إطلاق النار، رصاصة تلو الأخرى تستهدف الرجال والصبية الصغار في مكان العبادة، حيث تقام صلاة الجمعة.

وقع المشهد المروع في 30 أيلول الماضي في زهدان، وهي مدينة تقع جنوب شرقي إيران، تضم أقلية البلوش العرقية، أما بدايته فكانت خروج مجموعة صغيرة من المصلى الكبير بالمدينة لمواجهة قوات أمنية تتواجد في مركز للشرطة، يقع في الجهة المقابلة من الطريق.

 

ردد المتظاهرون هتافات مناهضة للنظام، ورشقوا الضباط بالحجارة ، فأقدمت قوات الأمن، بحسب شهود العيان، على إطلاق النار بشكل عشوائي صوب الحشد، ورغم تفرق المتظاهرين، طاردت الطلقات النارية المنسحبين نحو المسجد الكبير، حيث كان الآلاف لا يزالون يؤدون الصلاة.

“كانت مذبحة لم أشاهدها إلا في الأفلام السينمائية”، يقول جمشيد، 28 عاما، أحد المصلين الذين اتصلت بهم صحيفة “نيويورك تايمز الأميركية”.

عرف جمشيد نفسه باسمه الأول فقط، خوفا من الانتقام، ثم أدلى بمزيد من التفاصيل المروعة: “بدأوا في إطلاق النار والمصلون ما زالوا ساجدين”.

وأشار إلى أنه لم يكن هناك مكان يمكن الهروب إليه، فيما راح رجال يلقون بأجسامهم أمام الأطفال وكبار السن لحمايتهم من الرصاص.

وتمثل المذبحة، التي أطلق عليها السكان اسم “الجمعة الدامية”، الرد الأمني الأكثر عنفا منذ بدء حملة القمع ضد المظاهرات التي نشبت في جميع أنحاء البلاد منذ شهر، وقد قُتل خلالها بين 66 إلى 96 شخصًا، وفقًا لجماعات حقوق إنسان محلية ودولية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية.

وأظهرت مقاطع فيديو، حصلت عليها نيويورك تايمز، وتحققت منها، وحشية الرد الأمني الذي استمر لساعات، وفي أحد مقاطع الفيديو، شوهد رجال يبدو أنهم قناصة بملابس مدنية على سطح مركز الشرطة، وهم يطلقون النار.

وانطلقت الاحتجاجات على مستوى البلاد في سبتمبر الماضي بعدما توفيت الشابة مهسا أميني، بعدما بقيت 3 أيام في غيبوبة، إثر توقيفها بزعم أن “لباسها غير محتشم”، وهي تهمة تتعلق بانتهاك القانون الصارم لارتداء حجاب الرأس، ثم توسعت التظاهرات لتشمل دعوات لإنهاء حكم الجمهورية الإسلامية.

أما في زهدان، فقد تفاقم الغضب الشعبي بعد رواج اتهامات لضابط شرطة، في مدينة أخرى، باغتصاب مراهقه من البلوش، مما أدى لحالة من الغضب بين الأقلية البلوشية، ومعظمهما من المسلمين السنة.

وتعد زهدان عاصمة سيستان وبلوشستان، وهي مقاطعة قاحلة في الركن الجنوبي الشرقي من البلاد، تمثل واحدة من أقل المناطق تطوراً واستقراراً في إيران.

بعد أسبوعين على حملة القمع، التي أخفيت إلى حد كبير عن الإيرانيين بسبب قطع خدمات الإنترنت في البلاد، بدأ ظهور تفاصيل تفضح نطاق عمليات القتل في زهدان.

تواصلت “نيويورك تايمز” مع 10 من سكان المدينة، بينهم شهود وناشطون، وأفراد من عائلات الضحايا، بالإضافة إلى طبيب ساعد في علاج أكثر من 150 شخصًا.

وتحدث الجميع بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، خوفًا من الانتقام، وأكدوا إطلاق قوات الأمن النار والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي على المتظاهرين العزل.

وتدعم العشرات من مقاطع الفيديو، التي حصلت عليها وتحققت منها الصحيفة الأميركية الأجزاء الرئيسية من أقوال الشهود.

وقد اعترف “الحرس الثوري”، أحد أفرع النخبة في القوات المسلحة الإيرانية، تواجد قواته في مدينة زهدان، وأعلن مقتل ستة من عناصره في ذلك اليوم، بمن فيهم رئيس استخباراته الإقليمية، العقيد علي موسوي، وضباط من “الباسيج”، بينما تم نفي إطلاق النار على المدنيين.

تشكل الاضطرابات في منطقة البلوش تحديًا خطيرًا آخر لرجال الدين في طهران، الذين يسعون جاهدين لاحتواء أخطر الاحتجاجات المناهضة للنظام منذ سنوات.

وفي المقابل، قال شهود العيان إن عددا من ضباط الأمن الإيرانيين قتلوا، لكنهم أشاروا إلى حدوث ذلك لاحقا خلال اشتباكات في الشوارع.

وبعد أيام من الوقائع الدامية، تحدث وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في بيان عن أحداث زهدان، مشيرا إلى من وصفهم بـ”عناصر منظمة” عمدوا إلى “تحويل الاحتجاجات إلى عنف وفوضى ومذبحة للمدنيين الأبرياء وقوات الشرطة”.

وبحسب سكان، فإن أحداث العنف التي وقعت في 30 سبتمبر، سبقتها مظاهرة أصغر قبل يومين، شهدتها تشابهار، وهي مدينة أخرى في نفس الإقليم.

وخلال اليوم السابق على إطلاق النار في زاهدان، بدأ المتظاهرون يدعون إلى “انتفاضة واسعة” في “جميع مدن بلوشستان”، “للتضامن مع كردستان واحتجاجًا على اغتصاب الفتاة البلوشية”، وذلك وفقًا لملصقات إعلانية دعت للمظاهرات.

“لقد كان الدمج بين القضيتين ما دفع الناس إلى النزول إلى الشوارع”، وفق ما يؤكد هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، وهو منظمة مستقلة مقرها نيويورك، الذي أكد أن اغتصاب الفتاة المراهقة فاقم مشاعر الغضب والاحتقان.

وبحلول الساعة الواحدة ظهرًا، كان الآلاف قد وصلوا إلى المسجد الكبير لأداء صلاة الجمعة.

كان المشهد هادئًا في البداية، وفقًا لإمام المسجد مولاوي عبدالحميد، الذي قدم سرداً مفصلاً عن اليوم في فيديو نشره على تطبيق تليغرام.

قال عبدالحميد، أنه طالب المصلين، في خطبة الجمعة، بـ”الحفاظ على السلام” و”التحكم في عواطفهم” حتى يتم الانتهاء من التحقيق في اتهام الاغتصاب.

ولكن، وفقًا لرجل الدين وشاهدين آخرين، فقد غادرت مجموعة تضم بين 10 إلى 15 شابًا المكان قبل انتهاء الصلاة، وتجمعت خارج مركز الشرطة.

وأظهر مقطع فيديو متظاهرين يلقون الحجارة على مركز الشرطة ، حيث كانت قوات الأمن تقف على السطح، بينما تسمع أصوات طلقات نارية، فيما قال شهود إن متظاهرين ألقوا زجاجات حارقة.

وقال الشهود إن القوات ردت بإطلاق النار، حيث ظهر رجلان يرتديان الزي العسكري، يقفان إلى جانب رجل آخر على سطح مركز الشرطة، راحا يطلقان النيران في اتجاه المسجد.

ويُظهر مقطع فيديو، تم التحقق منه، شبان يحملون الجرحى داخل المسجد.

وقال أحد السكان: “لقد اعتقدوا (المتظاهرون) أنها ستكون منطقة آمنة – أقدس مكان في المدينة (..) لم يعرفوا أنهم كانوا يسيرون عائدين إلى فخ الموت.”

ويظهر مقطع فيديو آخر، من داخل المسجد، رجالا مازالوا يؤدون الصلاة، بينما تسمع أصوات نيران بندقية نصف آلية، وأسلحة أخرى.

وحسب أحد المصلين “بدأ الناس في حمل الجثث..” وفي غضون دقائق، تحولت المكان إلى مسرح رعب، بينما تطلق قوات الأمن الرصاص والغاز المسيل للدموع.

وقال شهود آخرون إن الناجين بدأوا في تكديس الجثث في السيارات وعلى سجادات الصلاة، التي استخدمت كنقالات، وتم استهدافها كذلك بالنيران في الشوارع.

بينما قال الإمام عبد الحميد: “معظم هذه الرصاصات أطلقت على رؤوس المصلين وقلوبهم وهو ما تبين أنه من فعل القناصين”.

وقد تمكن الكثيرون من الفرار إلى المسجد الرئيسي في المدينة، الواقع على بعد نصف ميل، وقال مسعف، عرّف نفسه باسم أحمد عبر الهاتف، إنه، مع ممرض آخر، أسعفا أكثر من 100 جريح هناك.

وقدر أحمد عدد القتلى والجرحى الذين تم إنزالهم عند البوابة الأمامية للمسجد بمئات الأشخاص، واصفا المشهد بـ”فوضى تامة”، إذ “كان الكثير ينزفون أو يصرخون، هذا شخص يموت، وهذا الشخص أصيب في بطنه”.

وأكّد أحمد إن العديد من الضحايا تجنبوا الذهاب إلى المستشفى خشية أن تعتقلهم قوات الأمن المحلية, وقد جعله ذلك يعمل مع زميله بمفردهما، غارقين في دماء ضحايا المذبحة.

وقال: “لم نكن نعرف لمن نعطي الأولوية أولاً, بدأ الناس يموتون أمام عيني”.

وأضاف أن 30 جثة، بعضها لأطفال، تكدست في مصلى أطفال في المسجد، بينما نُقل جرحى في حالة حرجة إلى الطابق السفلي، الذي تحول إلى قسم طوارئ مؤقت.

من بين الجرحى تعرف أحمد على أحد جيرانه، وهو شاب متزوج حديثا يبلغ من العمر 26 عاما كانت امرأته تننتظر طفلا, قال أحمد: “كان كبده يتساقط من جسده, لم أقم بخياطة جرح أي شخص من قبل, لم أكن سريعًا بما يكفي – أمسكت بيده وكلمته”، لكن الجار لفظ أنفاسه الأخيرة بعد فترة وجيزة.

ومع مرور الساعات، تدفق المزيد من المدنيين إلى الشوارع بعدما باتوا على دراية بالعنف الدائر في المدينة، وقد واجهتم قوات الأمن الناطقة بالفارسية، بملابسها البلوشية التقليدية، حيث خرج أفرادها من السيارات ليطلقوا النار على المتظاهرين، بينما رد بعضهم بقذف زجاجات المولوتوف، والرصاص أيضا، بحسب شهود.

وقتل رفح ناروحي، 25 عاما، عامل في البازار، بعدة طلقات في صدره، بينما قال أحد أفراد أسرته: “لم يرتكب أي خطأ”، واصفًا إياه بأنه كان حسن النية وجذاب، وأنه “كان بريئا تماما.”

وأكّد محللون أن الطبيعة المميتة لحملة القمع الحكومية تشبه العنف الذي شهدته المنطقة في سنوات سابقة، عندما استهدفت قوات الأمن الأقليات خلال موجات الاضطرابات التي عمت البلاد.

بينما يقول غيمي: “عندما تكون هناك انتفاضة وطنية ، فإنهم يرتكبون معظم عمليات القتل في مناطق الأقليات العرقية لإضفاء مظهر الدفاع عن الوطن”.

المصدر : الحرة.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى