الموساد “يجتاح” لبنان(2): We will Take Beirut Soon
“We will take Beirut soon”، جملة نطق بها أحد العملاء أثناء التحقيق معه، نقلاً عن لسان مشغّله في الموساد الإسرائيلي. هذا ما يخطّط له المستوى الإستخباراتي الإسرائيلي، على مشارف حرب باتت توقّعاتها أكثر من توقّعات السلم. وهي جملة تختصر واقع الأمن في لبنان بمواجهة العدوّ الإسرائيلي.
مصدر أمني، وفي سياق شرحه كيف باتت العمالة “وجهة نظر” عند عدد كبير من اللبنانيين، يقول إنّ أحد الموقوفين بجرم التعامل، ولدى استيضاحه عن سبب استمراره بالتعامل مع الإسرائيليين برغم علمه بذلك، كان جوابه بأنّه لا يعتبر ذلك مخالفاً للقانون (الموقوف من آل خيّاط)، وبرغم ذلك كلّه، أخلت المحكمة العسكرية سبيله بعد أسبوع من توقيفه.
فإلى هذا الحدّ بات جرمُ العمالة في نظر بعض اللبنانيين سخيفاً وعَرَضيّاً، وتحوّل من تهمة يعاقب عليها القانون بالسّجن وصولاً إلى حدّ الإعدام، إلى تهمة عابرة يمكن النّظر بأمرها. كلّ هذا هو نتيجة طبيعيّة لـ”البهدلة” التي ألمّت بالتعامل مع ملفّات الموقوفين بهذا الجرم، وما رافقه من فوضى وإهمال وتصفية حسابات سياسية وشخصية وكيدية، ظهرت كلّها في عدد من الملفّات ذات الشأن، وثمّة شواهد على ذلك كثيرة، منها تركيب ملفّ للمسرحيّ زياد عيتاني، وتركيب ملفّ للناشطة جنى بو دياب… وغيرهما.
ناهيك عن دخول حسابات الانتخابات النيابية على الخط، التي أمست أكثر أهمية من فعل العمالة، فأدت هذه الحسابات إلى إخلاء سبيل عدد كبير من العملاء… صودف أنّهم يصوتون في دوائر المتن والبترون. أبرز هؤلاء الصحافي محمد شعيب، الذي خصّصت له قناة “المنار” تقارير عدة للإشارة إلى تورّطه في العمالة، كما تناول سيرته الأمين العام للحزب شخصياً في واحد من خطاباته. لكن شاء حظّ أنّ عائلته تنتخب في قضاء جزين، فخرج كأن لم يكن عليه أيّ ذنب.
أين الحزب من كلّ هذا؟
أداء القضاء العسكري في التعاطي مع “العمالة” شكّل مفاجأة كبرى. إذ لا يعقل أن يتم توقيف شبكات وتثبّت عمالتهم مع الاستخبارات الاسرائيلية بالاعترافات والأدلة التقنية، ثمّ يتم الادّعاء عليهم، وإصدار قرارات ظنية بحقّهم وتعيين جلسات لهم في المحكمة العسكرية، لتسريع إخلاء سبيلهم خلال أقل من شهر أحياناً، إمّا وفق قرينة “البراءة” أو بسبب “عدم كفاية الأدلة”… وهنا الطامة الكبرى. إذ لم يعد مفهوماً حقيقة السبب الذي يكمن خلف تبرئتهم وإقفال ملفاتهم بهذه السرعة. في حين أنّه يمكن إخلاء سبيلهم بكفالات ومتابعة محاكمتهم في أقلّ تقدير (الجلسات في المحكمة العسكرية يمكن أن تمتد إلى أشهر وفي بعض الحالات إلى سنة كاملة).
إذاً تبقى القطبة المخفيّة عند “حزب الله”، الذي لا يسعه القول إنّه لا يعلم بتلك التجاوزات. فالحزب لديه مندوبٌ دائمٌ يتجوّل بين مكاتب المحكمة العسكرية وقاعاتها ويهتمّ بجميع الملفّات ويشرف عليها ويتدخّل بتفاصيلها، موزّعاً التعليمات والتمنّيات هنا وهناك بما يخدم مصلحة الحزب الأمنيّة والسياسيّة.
“الحزب يعلم” إذاً بكلّ هذه التجاوزات. لكنّ سلوكه حيالها بات يطرح الكثير من علامات التعجّب و”لم يعُد مفهوماً”. ولهذا، يغلب التوقّع بأنّ الحزب كان يتساهل أو “يغضّ الطرف” عن تلك الملفّات لاعتبارات تخصّ حلفاءه، وفي مقدَّمهم التيّار الوطنيّ الحرّ، خصوصاً في فترة الانتخابات النيابية. بل أكثر من ذلك، ذهب الحزب إلى اعتماد اسلوب تسخيف تلك الحالات، وخصوصاً يوم قال الامين العام للحزب إنّ إسرائيل باتت سخيفة لدرجة أنّها تجنّد العملاء عبر “فايسبوك”. هذا التسخيف قد يفسّر حال التراخي التي ينتهجها الحزب ويضغط لاعتمادها في أروقة المحكمة العسكرية… فهل يُعقل أن يسخفها ويتشدّد بالتوقيفات؟
هذا التراخي لا يزال مستمرّاً إلى يومنا هذا. مع العلم أنّ التوزيع الطائفي للعملاء، بحسب المصادر، لم يقتصر على طائفة دون أخرى، وإنّما تشعّب وانتشر مثل بقعة الزيت، وطال الطوائف كافّة ولو بنسب متفاوتة.
تذهب التحليلات إلى القول إنّ هذا الملفّ بات يشكّل إحراجاً للحزب، لأنه لا يستطيع القول إنّ “إسرائيل تجتاحنا استخباراتياً”، فاختار “التسخيف” نهجاً واضطر إلى إخراج الناس من السجون للتستر على حجم الفضيحة. ويكشف مصدر قضائي لـ”أساس” إنّ كثير من الموقوفين حالياً بجرم التعامل مع العدوّ ينتمون إلى الطائفة الشيعية. وهذا ليس تفصيلاً. وربما هذا هو سبب التدخلات الكبيرة من الحزب لتسريع المحاكمات وتبرئة العشرات من بيئات حلفائه، ويترك الشيعة من بينهم سجناء.
اختراقات داخل الحزب
صارَ الحزبُ أمام واقعٍ يصعبُ عليه التعامل معه نتيجة “الاجتياح” الاستخباري الإسرائيليّ غير المسبوق والمثبت بالوقائع والتحقيقات والاعترافات. خصوصاً أنّ هذه الاختراقات ما عادت تقف عند حدود الاختراق اللوجستي لأفراد البيئة الحاضنة، واقتربت من المسّ مباشرة بصورة “المقاومة الصّلبة العصيّة على الاختراق” ونجاحاتها في مواجهة العدو.
يؤكّد هذا الواقعَ العمليّةُ التي قامَ بها الموساد ضدّ مستودعٍ للصواريخ في جنوب لبنان أواخر 2021، كما ذكرنا في الجزء الأوّل من هذا التقرير. وقد وصلَ الاختراق الإسرائيليّ، إلى تجنيد ضبّاطٍ في الجيش السّوريّ لمحاولة تطويق الحزب استخباريّاً من بيروت إلى دمشق. وهذا ما كُشِفَ عنه أخيراً في لبنان إثر توقيف طبيبٍ سوريّ جنّد بعض أفراد عائلته، ومنهم ضبّاطُ في الجيش السّوريّ، لجمع معلومات عن الحزب والجيش وأهدافٍ عسكريّة على الأراضي السّوريّة.
تشير المعلومات إلى أنّ الجيشَ السّوريّ يُعاني من حالة استنفار غير مسبوقة جرّاء توقيف شعبة المعلومات العميل السّوريّ. وتشهد صفوف جيش النّظام السّوريّ توقيفات للعديد من الضّباط الذين ظهر ارتباطهم بالموساد.
المصدر : عماد الشدياق – إبراهيم ريحان – أساس ميديا.