تابعوا قناتنا على التلغرام
سياسة

مكالمة من “حزب الله” للصدر أنهت كل شيء !

عاش العراقيون يوم الإثنين 29 آب 2022، يوماً دامياً بعد مواجهة مسلحة بين أنصار رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر، وقوات الأمن العراقية الحكومية، ومقاتلي بعض فصائل الحشد الشعبي العراقي.

وعلى مدار 8 أشهر، كانت الأزمة السياسية العراقية التي خلقتها الانتخابات البرلمانية، تبدو هادئة إلى حد ما، إلى أن قرر مقتدى الصدر حشد أنصاره للتظاهر واقتحام مبنى البرلمان والاعتصام في محيط المنطقة الخضراء.

وطوال شهر كامل، كان العراقيون والسياسيون والمسؤولون يتوقعون أن تحدث المواجهة المسلحة بين أنصار الصدر والفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران والمنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي، في أي وقت، لكن لجأت جميع الأطراف إلى ضبط النفس.

صباح يوم الثلاثاء، وبشكل مفاجئ وفي مؤتمر صحفي متلفز تم الإعلان عنه قبل بدئه بدقائق، خرج مقتدى الصدر بشكل غاضب وبمظاهر مرض لا نعلم ما إذا كانت بسبب إضرابه عن الطعام أو إصابته بفيروس كورونا، كما قال أحد المسؤولين العراقيين لـ”عربي بوست”.

وجّه مقتدى الصدر كلمات مقتضبة وغاضبة لأنصاره في الشوارع، وطلب منهم الانسحاب فوراً، وإلا فسيتبرأ منهم ويتخذ إجراءات صارمة ضدهم، ولعن الثورة التي دعا إليها، إذا كانت ستنتهي بإراقة الدماء. وعلى الفور بدأ أنصار مقتدى الصدر بالانسحاب، فما الذي حصل؟

في البداية، أخبر مصدر صحفي مقرب من التيار الصدري، “عربي بوست”، بأن الأوامر بانسحاب التيار الصدري من الشوارع جاءت من إيران، الأمر الذي أكده مصدر مسؤول في وزارة المخابرات الإيرانية التي تتعاون بشكل قوي مع الحرس الثوري الإيراني بإدارة ملف العراق في طهران.

وقال المصدر: “حاولنا التواصل مع مقتدى الصدر، سواء نحن في المخابرات أو القادة بالحرس الثوري، ومن بين عشرات المكالمات رد مرة واحدة، وأبلغنا أنه غير مسؤول عن العنف في الشوارع، ولم يأمر أحداً من أنصاره بالمواجهة المسلحة، وأنه يريد حل الأزمة”.

وبحسب مصدر إيراني تحدث لـ”عربي بوست”، فإن مقتدى الصدر رفض محاولة إيران الوساطة في البداية، قائلاً: “قمنا بإيصال رسالة خامنئي المباشرة لمقتدى الصدر، بضرورة وقف العنف بشكل سريع وحاسم، لكنه لم يعطنا جواباً واضحاً ويقينياً بالموافقة”.

وبحسب مصدر مقرب من الحرس الثوري الايراني، تحدث لـ”عربي بوست”، فإن إيران لجأت إلى حزب الله اللبناني؛ في محاولة لإقناع الصدر بوقف أعمال المواجهة المسلحة في شوارع العراق.

يقول المصدر الإيراني المقرب من “فيلق القدس” المعني بالشؤون العراقية في إيران منذ سنوات طويلة، لـ”عربي بوست”: “الصدر على علاقة قوية بحسن نصر الله، ومنذ أسابيع كان الصدر في لبنان والتقى حسن نصر الله، لذلك لم نجد أمامنا سوى اللجوء إلى حزب الله”.

وبحسب المصدر ذاته، فإن مقتدى الصدر تلقى مكالمة هاتفية من بيروت، وأنهى بعدها على الفور أعمال العنف، وأمر أنصاره بالانسحاب من الشوارع، يقول المصدر لـ”عربي بوست”: “تلقى الصدر مكالمة هاتفية من حزب الله اللبناني، واقتنع على الفور”.

لم يرد المصدر الإفصاح عما جاء في المكالمة الهاتفية التي تلقاها مقتدى الصدر من حزب الله اللبناني، كما أنه فضّل عدم الخوض في تفاصيل من هو المسؤول بالتحديد في حزب الله اللبناني الذي تحدث لمقتدى الصدر.

من الممكن التكهن بأن من تواصل مع مقتدى الصدر من لبنان وأقنعه بسحب أنصاره من الشوارع، شخصان: الأول الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أو رجل الدين الشيعي محمد حسين الكوثراني، الذي يعمل وسيطاً بين حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران في العراق.

مسألة المكالمة الهاتفية من حزب الله اللبناني لمقتدى الصدر، والتي أنهت الأمر أكدها بجانب المصادر الإيرانية، زعيم سياسي بارز في “الإطار التنسيقي”، ومصدر مقرب من مقتدى الصدر، لكن الاثنين تحفظا على الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.

بعد أن استطاع مقتدى الصدر الفوز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، فشل في تشكيل حكومة أغلبية وطنية كما أصر منذ البداية، وفشل أيضاً في إقصاء خصومه من الشيعة الموالين لإيران وهم الأحزاب المنضوية تحت مظلة “الإطار التنسيقي الشيعي”.

عكس ذلك نجح خصوم الصدر، في تفكيك تحالفه مع الأكراد والسُّنة، بمساعدة إيرانية، بحسب قادة ومسؤولين تحدثوا لـ”عربي بوست”، كما نجحوا في منعه من اختيار رئيس العراق الجديد.

بعدها قرر مقتدى الصدر ونوابه الـ73 الانسحاب الكامل من البرلمان في منتصف شهر حزيران الماضي، ومنذ ذلك اليوم بدأ طريقه في الخسارة وارتكاب الأخطاء التي أوصلت العراق إلى يوم الإثنين الدامي.

يقول أحد قادة التيار الصدري لـ”عربي بوست”: “كان الصدر محبطاً من أفعال خصومه، اعتقد بفوزه الكبير في الانتخابات أنه يستطيع تحقيق حلمه بالإصلاح في العراق، لكن المكائد التي دبرها الإطار التنسيقي له ولحلفائه، أحبطته وأثرت على رؤيته وقراءته، فانسحب من البرلمان”.

وبحسب المصدر ذاته، فإن عدداً كبيراً من القادة في التيار والمستشارين السياسيين للصدر، كانوا ضد مسألة الانسحاب من البرلمان: “اعترف بأن قرار الاستقالة كان خطأً فادحاً، حاولنا إقناع مقتدى بالعدول عنه، لكنه أصر، وكان علينا التخطيط للبدء في التعامل مع تداعيات هذا الخطأ”.

بعد انسحاب مقتدى الصدر من البرلمان، قرر خصومه من الإطار التنسيقي الشيعي، البدء في التحرك لتشكيل الحكومة بعيداً عن الصدر، فتوصلوا بالإجماع إلى ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء، قبل أن يتعقد الوضع.

في هذا الصدد، يقول زعيم سياسي من “الاطار التنسيقي” لـ”عربي بوست”: “كنا نعلم أن مقتدى الصدر يخطط لاستخدام الشارع وإحداث الفوضى، لذلك وافق الجميع في (الإطار) على قرار الإسراع بتسمية رئيس الوزراء”.

توصل قادة “الإطار التنسيقي” إلى ترشيح محمد شياع السوداني المقرب من نوري المالكي، مما أثار غضب مقتدى الصدر، وأمر أنصاره بالاعتصام داخل البرلمان؛ لمنع “الإطار التنسيقي” من عقد الجلسات البرلمانية.

يقول مصدر مقرب من مقتدى الصدر لـ”عربي بوست”: “بعد توصل (الإطار) إلى مرشح لرئاسة الحكومة، شعر الصدر بأنه قد تعرض للخيانة والغدر، وأنه يتم التخطيط من قبل خصومه للإطاحة به من الحياة السياسية”.

وبحسب المصدر ذاته، فإن مقتدى الصدر قرر تعطيل العملية السياسية بأكملها من خلال نزول أنصاره إلى الشارع، فيقول لـ”عربي بوست”: “بعض القادة في التيار الصدري كانوا معارضين لهذه المسألة، وأشاروا إلى أنها خطوة محفوفة بالمخاطر، لكن الصدر أصر عليها”.

مع إصرار الإطار التنسيقي الشيعي على استكمال عملية تشكيل الحكومة الجديدة من دونه، واستمرار الصدر في عناده ومحاصرة أنصاره للبرلمان العراقي، وجد مقتدى الصدر نفسه في مأزق كبير، بحسب مصادر مقربة من الرجل.

يقول أحد مستشاري مقتدى الصدر والذي استقال قبل يوم الإثنين الدامي، لـ”عربي بوست”: “قبل يوم الإثنين والاشتباكات المسلحة، أدرك الصدر أنه لم يعد أمامه كثير من الخيارات، الجميع كان يؤجل خطوة المواجهة المسلحة، لكنه وجد نفسه أمامها ولا خيار ثانياً”.

دفع مقتدى الصدر أنصاره إلى التظاهر أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء ببغداد، بعد أن علم أن المحكمة الاتحادية العليا ستصدر قراراً بردّ الدعوى التى رفعها من أجل تدخّل القضاء لحل البرلمان.

في السياق نفسه، قال مصدر قضائي عراقي لـ”عربي بوست”: “قبل مظاهرة أنصار الصدر أمام مجلس القضاء، وصلت العديد من التهديدات لعدد كبير من القضاة؛ مما دفع القضاء إلى تعليق عمله؛ خشية الانتقام الصدري”.

أثارت مظاهرات القضاء ردود فعل غاضبة من داخل العراق وخارجه، يقول قائد في عصائب أهل الحق المنضوية داخل الإطار التنسيقي الشيعي: “كانت مظاهرات أنصار الصدر أمام القضاء هي الخطأ الأكبر، حينها أدركنا جميعاً أن الصدر يسعى إلى المواجهة المسلحة، وبدأنا في التجهيز لهذه المسألة”.

على الرغم من أن أنصار مقتدى الصدر لم يقتحموا مبنى مجلس القضاء الأعلى العراقي، فإن هيئة وحدات الحشد الشعبي، التي ينضوي تحتها عدد كبير من الفصائل المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران، والتي هي في خصومة مع الصدر منذ سنوات، قررت رفع جاهزيتها لمواجهة مقتدى الصدر.

وعُقد اجتماع تم فيه الاستعداد لمواجهة أنصار مقتدى الصدر في الشوارع، يقول أحد قادة الحشد الشعبي العراقي: “من خلال استخباراتنا والمعلومات التي حصلنا عليها، علمنا أن هناك عدداً كبيراً من مقاتلي سرايا السلام موجودين في محيط المنطقة الخضراء وأمام مبنى مجلس القضاء”.

وأضاف المصدر نفسه: “رصدنا كثيراً من الأسلحة في اعتصام أنصار الصدر، كما رصدنا تحركات مفاجئة لقادة سرايا السلام في المنطقة الخضراء، لكن قررنا عدم التدخل في ذلك الوقت، لكن في الوقت نفسه أطلعنا القوات الأمنية الحكومية على المستجدات؛ لكي تبدأ في التعامل مع المتظاهرين المسلحين”.

قائد آخر في الحشد الشعبي قال لـ”عربي بوست”، إن “اجتماعاً عُقد يوم مظاهرات أنصار الصدر، بعض القادة كانت لديهم آراء بالتدخل لتفكيك المظاهرات والحفاظ على هيبة مؤسسات الدولة، لأن الصدر هو من بدأ، وهو من أحضر أنصاره المسلحين إلى الاعتصام، الذي قال إنه ثورة سلمية من أجل الإصلاح، لكن في النهاية قررنا عدم التدخل”.

أوامر عدم التدخل جاءت من طهران، يقول مصدر إيراني مقرب من الحرس الثوري لـ”عربي بوست”: “كان قادة فيلق القدس على اتصال دائم بقادة الحشد الشعبي، وطلبوا منهم عدم التهور والانجرار إلى مواجهة أنصار الصدر؛ لعدم وقوع اقتتال شيعي وجر البلاد إلى حرب أهلية”.

وعلى الرغم من الأوامر الإيرانية لحلفاء طهران في العراق، فإن مصدراً مقرباً من هادي العامري قال إن “العامري غضب من قرار قادة الحشد عدم التدخل والتعامل مع المتظاهرين السوريين الموجودين أمام مجلس القضاء، خاصة بعد العلم بوجود قادة لسرايا السلام مسلحين في المظاهرات”.

من جهته قال مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى لـ”عربي بوست”، إن “كثيراً من الأسلحة كانت موجودة في مظاهرات أنصار الصدر، ورصدنا تحركات كثيفة لقادة سرايا السلام، في شوارع بغداد بالأسلحة وسيارات الحشد التابعة لهم، وخلال يومين قبل الاشتباكات المباشرة، دخلت مئات السيارات المحملة بالأسلحة إلى المنطقة الخضراء”.

وأضاف المتحدث أن “سيارات التيار الصدري، التابعة لسرايا السلام، كانت لا تخضع للتفتيش على بوابات المنطقة الخضراء، كانوا يهددون قوات الأمن لكيلا تقوم بتفتيش السيارات التي كانت تحمل الطعام للمتظاهرين بالداخل، لكن تحت الطعام كانت الأسلحة بكثرة”.

في خطوة مفاجئة ولكنها متكررة، أعلن مقتدى الصدر في بيان له نشره على منصة تويتر، اعتزاله الكامل للعمل السياسي، وإغلاق جميع مكاتبه السياسية، والإبقاء فقط على المكاتب والمؤسسات الدينية التابعة لعائلته.

هذه ليست المرة الأولى التى يعلن فيها مقتدى الصدر اعتزاله للسياسة، ربما تكون المرة العاشرة منذ عام 2003 بعد الغزو الامريكي والإطاحة بنظام صدام حسين، وربما أيضاً لن تكون المرة الأخيرة.

يقول أحد مستشاري مقتدى الصدر، والذي قدم استقالته، لـ”عربي بوست”: “كان الصدر يعلم جيداً أن إعلانه اعتزال السياسية سيدفع أنصاره إلى اللجوء إلى استخدام السلاح، لكنه أراد تبرئة نفسه والحفاظ على صورته، فجعل الأمر يبدو كأنه غضب مفاجئ من أنصاره لا دخل له فيه”.

وبالفعل، وعلى الفور من إعلان مقتدى الصدر اعتكافه واعتزاله الحياة السياسية، بدأ أنصاره الموجودين في المنطقة الخضراء والذين كانوا قد اقتحموا القصر الجمهوري وبدأوا في تصوير أنفسهم وهم يسبحون بحمام السباحة الخاص بالقصر، في الاشتباك مع قوات الأمن الموجودة.

يقول مصدر أمني عراقي، وأحد المسؤولين عن تأمين المنطقة الخضراء، لـ”عربي بوست”: “بعد إعلان الصدر اعتزال السياسة، بدأ أنصاره في محاولات مهاجمة المؤسسات الحكومية الموجودة في المنطقة الخضراء، واقتربوا من مكتب نوري المالكي، راغبين في اقتحامه، فما كان أمام القوات الأمنية إلا أن حاولت دفعهم للخلف، فانطلقت أول رصاصة”.

باطلاق أول رصاصة بحسب المسؤول الأمني، بدأت المواجهة الفعلية، وتحرك مقاتلو سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لمواجهة القوات الأمنية، لكن حتى تلك اللحظة، كانت فصائل الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران، مصممة على عدم التدخل.

يقول قائد في فصيل كتائب حزب الله العراقي، وواحد من خصوم مقتدى الصدر، لـ”عربي بوست”: “قررنا عدم التدخل لآخر الوقت، على الرغم من أننا أصبحنا متأكدين من أن الصدر يريد المواجهة المسلحة، ونحن أيضاً كنا نريدها لإنهاء هذه الأزمة.”

في مساء يوم الإثنين، قررت الفصائل المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران، مواجهة أنصار الصدر، يقول قائد في كتائب حزب الله العراقي لـ”عربي بوست”: “الحشد الشعبي ضمن القوات الأمنية الحكومية، ومن واجبنا حماية الدولة، لذلك تم اتخاذ القرار بالإجماع للمواجهة”.

من جهته كشف مسؤول أمني أن “الصدريين كانوا متأهبين لهذه المواجهة، فعدد كبير من مقاتلي سرايا السلام وصل إلى مدينة النجف؛ لحماية منزل مقتدى الصدر، والآخرون جاؤوا إلى بغداد وانتشرت البقية في المحافظات الجنوبية”.

ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ”عربي بوست”: “بصراحة، لن تستطيع القوات الأمنية الحكومية مواجهة الصدريين، الذين كانوا يختطفون الجنود، طلبنا صراحة من الحشد الشعبي دعمنا”.

قال مصدر إنه “عندما بدأت الاشتباكات في الوصول إلى الذروة، طلب العديد من قادة التيار الصدري من الصدر التدخل؛ لمنع أنصاره من الاستمرار في الاشتباكات المسلحة، فانقسم التيار الصدري، جزء كان يريد استكمال الاشتباكات وعلى رأسهم الصدر، وجزء آخر كان مع وقف المواجهة”.

على الرغم من تأكيد عديد من المصادر، سواءٌ المقربة من مقتدى الصدر أو من خصومه، أن المواجهة المسلحة كانت حتمية لإنهاء هذه الأزمة فإن هناك أمراً دفع الصدر نحو الهاوية، ألا وهو استقالة آية الله العظمى كاظم الحائري، المرجعية الدينية للتيار الصدري منذ سنوات كثيرة.

عندما توفي كل من عم ووالد مقتدى الصدر، اللذين كانا من كبار رجال الدين الشيعة في العراق، والمرجعية الدينية التي يتبعها أنصار التيار الصدري وآخرون، كان لابد من أن يتولى أحد من عائلة الصدر منصب المرجعية الدينية.

ولأن الصدر لم يكمل تعليمه الديني اللازم لتمكينه من قيادة منصب المرجعية الدينية لأنصاره، ولم يحصل على درجة الاجتهاد العلمية المطلوبة في الفقيه الشيعي، فكان آية الله العظمى محمد كاظم الحائري هو المرجعية الدينية لأنصار التيار الصدري، وآخرين من المسلمين الشيعة.

وقبل ساعات من إعلان مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية، أعلن آية الله العظمى محمد كاظم الحائري، المقيم في إيران، اعتزاله منصبه الديني، بسبب تقدمه في العمر وحالته الصحية الصعبة، كما وجّه لوماً وانتقاداً لمقتدى الصدر؛ لعمله في السياسة وإثارة الفتنة في البلاد.

وعلى الرغم من أن العلاقة بين الصدر والحائري متوترة منذ سنوات، فإن استقالة الأخير كانت بمثابة ضربة قوية لمقتدى الصدر، وسحب الشرعية الدينية عنه وعن تياره السياسي، خاصة أن الحائري في بيان استقالته أوصى أتباعه في التيار باتباع آية الله علي خامنئي، المرشد في إيران.

في ضوء هذه الخلفية، يقول رجل دين بارز بالحوزة الدينية في مدينة النجف العراقية لـ”عربي بوست”: إن “استقالة الحائري محيرة وغريبة، ونادرة أيضاً في المجال الديني، لأن هناك مرجعيات دينية مازالت في مناصبهم بسن التسعين في العراق وإيران”.

يقول مصدر مقرب من مقتدى الصدر، لـ”عربي بوست”: “بعد استقالة الحائري، قال مقتدى إن الأمر مدبر من قبل الإيرانيين، وغضِب بشدة”.

رجل دين بارز في الحوزة الدينية بمدينة قم الإيرانية، ومقرب من الحائري، قال لـ”عربي بوست”: “لا أستطيع القول صراحة إن استقالة الحائري مدبرة، إنها مفاجئة بالطبع، والرجل على خلاف منذ سنوات مع مقتدى، لكن اختيار الحائري هذا التوقيت لإعلان استقالته أمر يثير الشكوك، ولا أستبعد أن يكون وراء المسألة دعم من قادة إيرانيين وعراقيين”.

انتهت الأحداث الدامية في العراق، بعد أن أدت إلى مقتل العشرات، وأثارت الخوف والذعر في نفوس العراقيين، الذين كانوا دائماً على حافة الهاوية، وأنهى مقتدى الصدر اعتصام أنصاره سواء السلمي أو المسلح، لكنه مازال يشعر بخيبة الأمل والإحباط والغدر، وهنا تكمن الأزمة.

ينحدر مقتدى الصدر من عائلة دينية بارزة ومشهورة في مجال العمل السياسي الشيعي، عائلة قاومت ديكتاتورية صدام حسين، في وقت كان السياسيون العراقيون يعيشون خارج العراق.

وقُتل والد وأعمام الصدر، وقاد الرجل العمليات المسلحة لمواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق، في وقت تخلى عنه الجميع سواء من قبل السياسيين العراقيين ورجال الدين أو من حلفائهم في إيران. ولم يترك العراق في أحلك الظروف.

لذلك يشعر مقتدى الصدر بأحقيته في أن يكون هو المهيمن على الساحة الشيعية العراقية، ويرى أن لا أحد يستحق هذه الهيمنة من خصومه، لذلك فإن الأزمة لم تنتهِ، ولن تنتهي إلا بتحقيق رغبات الصدر أو بعضها على الأقل في الوقت الحالي.

المصدر : عربي بوست.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى