“الكابينيت” الإسرائيلي للبنان… باي باي ترسيم!
فاجأت المعلومات التي تحدَّثت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، أنه تمّ ابلاغ مجلس الوزراء الإسرائيلي، بإمكانية تأجيل إستخراج الغاز من منصة كاريش،كل المُتفائلين بجرعة التفاؤل التي إلتمسوها من الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين، فجاء القرار الإسرائيلي ليُعلن “جهارةً” أنّ لا إستخراج للغاز الاسرائيلي في أيلول وبالتالي لا ترسيماً للحدود لا على وقع المسيرات أو إحداثيّات سفن التنقيب.
وتحجَّج المعنيّون الإسرائيليون في إتخاذ هذا القرار بأسباب تقنيّة تتعلّق بمدّ الأنابيب وغيرها كما أفادت الشركة المُنقبة في هذا الحقل، فهل هذا سيناريو إعتمدته إسرائيل للهروب من موضوع الترسيم البحري مع لبنان إلى ما بعد الإنتخابات فيها حتى لا يقع وزر “التنازل” في الترسيم على الفريق الحاكم حالياً ممّا يعني خسارته الإنتخابات بعد أنْ يستغلّ خصومه هذه الورقة ضدّه في حملتهم الإنتخابية.
كُلّ ما يجري يُمكن وضعه في هذه الخانة، وتأجيل الإستخراج في أيلول يعني حكمًا تأجيل الترسيم وهو ليس بعيداً عن ما حاول إبلاغه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان خلال لقاءاته مع المسؤولين فيه بأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت ما دامت إسرائيل مُنشغلة حالياً بالتحضير للإنتخابات، وهو ما لم يستوعبوه الباثّون لجرعة التفاؤل.
وتتحدَّث مصادر مُواكبة لملفّ التنقيب عن إجتماع في “الكابينيت” الإسرائيلي جرى خلاله مناقشة ما حمله هوكشتاين من الجانب اللبناني ومقارنته مع الطروحات الاسرائيلية، وتمت مناقشة مقترح جديد يقول بقبول العرض اللبناني لكن بشرط احتفاظ اسرائيل بالحقوق الاقتصادية في حقل قانا.
وللخروج من المأزق إقترح بعض المجتمعين الذهاب نحو الإستفتاء الشعبي لإتفاق الترسيم إلّا أن ذلك كان برأي الكثيرين دون عقبات لا سيّما أنّ إسرائيل على أبواب إنتخابات نيابية ورئاسية، فجاء خيار تأجيل الإنتاج الخيار الأفضل سياسياً وشعبياً.
إلّا أنّ هذا الخيار سيكون له تداعياته السلبيّة من ناحية وتداعياته الإيجابية من ناحية أخرى على إسرائيل.
-التداعيات السلبيّة يُمكن أنْ تنجم عن مشاكل مع الشركة المنقبة التي تلتزم بمواعيد وعقود مع الجانب الإسرائيلي وبالتالي عليها أن تتلافى الأمور الجزائية ولا تُلزم الشركة بدفعها لأن التأخير قرار قد إتخذته الحكومة الإسرائيلية وليس كما جرى الترويج له بسبب مشاكل تقنية لأن هذا السبب يُحمل الشركة مسؤولية التأخير وبالتالي تخضع للبنود الجزائية في العقد.
– والتأخير سيتسبّب بحالة من الإرباك لإرتباط اسرائيل بعقود مع الدول الأوروبية التي تنتظر الغاز الاسرائيلي، ممّا سيضطر إسرائيل إلى الإستعانة بغاز الحقول الأخرى لديها وترك حقل كاريش للإستهلاك الداخل مع الإبقاء على القليل من إنتاج تلك الحقول للإستهلاك الداخلي أيضاً حتى إستخراج الغاز من كاريش.
-والتداعيات الإيجابية للجانب الإسرائيلي هي بنزع الذريعة من حزب الله لقصف المنصّات في حقل كاريش في حال لم يتمّ ترسيم الحدود ويبدأ لبنان بالتنقيب.
-التوّقف مرحلياً عن إستخراج الغاز من كاريش سيحرم لبنان من التنقيب ممّا يعني ترحيل التنقيب والإستخراج لسنوات طويلة وهذا يخدم إسرائيل طبعاً.
وتعتبرُ المصادر أنّ “هذا التأجيل مضّر بلبنان، ولكن إسرائيل ستكون أمام إمتحان أصعب عندها لأن لدى حزب الله أوراق في يده سيقوم باللعب بها، وقد يعود عبر الحكومة لمناقشة أن الحدود البحرية هي الخط 29 وسيعيد طرح 4633 في الامم المتحدة ، لقوننة أيّ حرب مقبلة على إعتبار أنّ حزب الله لو ضرب المنصات في كاريش قبل تسجيل الحدود في الأمم المتحدة فإنه سيكون بمثابة المعتدي أما في حال تسجيلها فإنه بهذه الخطوة يقونن الحرب المقبلة”.
وتصف مصادر أخرى مُطلعة على الملف أنّ “ما قامت به الجهة الإسرائيلية ليس سوى ذريعة للهروب إلى الأمام، وتعطيل “فتيل” تفجير المسار التفاوضي بإنتظار ما ستُسفر عنه الإنتخابات الاسرائيلية، حيث تلفت إلى وجود تباين واضح بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية في إسرائيل، فالأولى تبحث عن تسوية مع لبنان لإنهاء ملف الترسيم على أساس الخط 23 متعرجاً ليشمل حقل قانا بشرط أخذ جزء من البلوك رقم 8، فيما ترفض الثانية أي المؤسسة العسكرية لغة التهديد التي يعتمدها حزب الله وتفرض ما تعتبره تنازلاً اسرائيلياً “من باب لن نرضخ لكل تهديد يأتينا من حزب الله او غيره”.
وعلى خلفيّة ذلك كان التهديد عالي السقف من وزير المال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان, اليوم الأربعاء الذي قال: “انَّ آخر ما نبحث عنه هو المواجهة مع لبنان, وإذا فرض حزب الله المواجهة سنمحي الضاحية الجنوبية”.
ولا تخفي المصادر توجسّها من “وصول حكومة مُتشدّدة إلى الحكم في إسرائيل ممّا يعني مزيداً من التعقيد وأنّ كل المفاوضات ذهبت “هباء الريح”، رغم أنّ للمصادر تحفظّاتها على ما جرى التفاوض حوله، فلبنان كان أمام فرصة يُمكن أن تمنحه زيادة 800 كلم مربع لو تم التفاوض حول الخط الـ 29 والوصول إلى حل على أساس تقاسم المناطق المتنازع عليها بالنصف، سائلاً، ماذا يعني حقل قانا الذي لا تزيد مساحته عن 20 كلم مربع لقاء اخذ اسرائيل حوالي 300 كلم مربع من البلوك رقم 8؟”.
وتعتبر المصادر أنّ “إسرائيل اليوم قامت بتنفيس المفاوضات بإنتظار ما ستؤول إليه الإنتخابات وتشكيل حكومة جديدة، ولكنها شككّت بتأجيل إستخراج الغاز فمن يُراقب إذا قامت إسرائيل بالاستخراج أمْ لا في حال إستخرجته وأرسلته إلى الشاطئ خصوصاً أنها ستصدّره إلى محطة التروية في مصر قبل تصديره إلى أوروبا لأن لا محطة غير هذه المحطة على المتوسط، فهل سيلجأ لبنان حينها إلى “مشكل مع مصر؟”.
وتلفت المصادر إلى أنّ “أحد أبرز أسباب التنازل من قبل سياسيي لبنان ووجود إنقسام حول الملف هي موضوع العقوبات التي جعلت الكثيرين “ينبطحون على الأرض”.
وإذ تذهب المصادر لوصف “التفاؤل الأخير لملف الترسيم بغير الواقعي”، فهي تتوّقع أنّه “في حال لم يتم هذا الترسيم أن نذهب إلى مواجهة متدرجة مع إسرائيل”.
قد يكون المثل القائل “كل تأخيرة فيها خيرة” ينطبق على تأجيل الترسيم فتُبادر سلطة سياسية جديدة لأخذ الموقف الشجاع وتسجيل حدود لبنان البحرية في الأمم المتحدة وفق الخط 29 ممّا يعني إجبار إسرائيل للعودة إلى المفاوضات لكنّ هذه المرة وفق شروط لبنان وليس وفق شروط إسرائيل لأنه كما هو ثابت في وثائق الجيش اللبناني أن لبنان يملك الملف الأقوى في هذا الموضوع.
“ليبانون ديبايت” – المحرر السياسي.