تابعوا قناتنا على التلغرام
اقتصاد ومالعربي ودولي

الشرق الأوسط الجديد: من تيران وصنافير حتى جوزاف عون !

ما كان مجرّد مشروع متعثّر أصبح حقيقة ساطعة: إنّه الشرق الأوسط الجديد!
كانت البداية المعلنة مع توقيع “اتفاقيات إبراهيم” بين إسرائيل من جهة وكلّ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب من جهة أخرى، وتعزّزت عندما عقدت إسرائيل مع مصر والأردن اتفاقيات تعاون اقتصادي ونفطي وكهربائي وصلت فوائدها الى “الإتحاد الأوروبي”، وقفزت قفزة نوعية مع موافقة إسرائيلية على بسط السيادة السعودية على جزيرتَي تيران وصنافير و فتح السعودية أجواءها للناقلات الجوية من إسرائيل وإليها.
ولبسط السيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير تبعات جيوسياسية واقتصادية وتجارية مهمّة للغاية، إذ إنّ جسر الملك سلمان الإستراتيجي الذي تضمنته رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، سوف يربط، من خلال السعودية ومصر، قارتي آسيا وإفريقيا ويوصل الخليج العربي بأوروبا مذلّلاً، بذلك كل عقبات النقل البرّي عبر البحر الأحمر، ممّا ينعكس إيجاباً على الأردن وإسرائيل.
ومن شأن هذه الإتفاقيات التي يتوالى الإعلان عنها، بين فترة وأخرى، أن تجعل الشرق الأوسط “قرية اقتصادية” مزدهرة، في قلب “القرية الكونية” المضطربة.
وهذه “القرية الاقتصادية”، سوف تقود إلى إنشاء “قرية أمنية وعسكرية” بدأ العمل على بلورتها، منذ مدّة، الأمر الذي سوف يُنتج تحالفاً إستراتيجياً ضخماً في منطقة أهدرت الصراعات المحتدمة فيها قدراتها وثرواتها، وأبعدتها عن اللحاق بركب التطوّر العالمي المذهل.
ولكن طالما اعتبر المراقبون أنّ هناك معوقات كبيرة قد تحول دون قيام الشرق الأوسط الجديد، إذ تتزعّم إيران القوى المناهضة له، وهي “دفترياً” قادرة على استعمال أذرعها في لبنان وسوريا والعراق وغزّة واليمن، من أجل نسف هذا المسار الإقليمي.
هذا صحيح “دفترياً”، ولكن واقعياً بدا واضحاً أنّ انطلاقة الدول المتحمّسة للمشروع نحو تجسيده تُظهر ثقتها بعدم دقّة “الحسابات الدفترية”، فلو أنّ المعوقات المتمثّلة بإيران وأذرعها، لا تزال تتمتّع، بنظرها، بالقوة التي كانت عليها سابقاً، لأحجمت أو أرجأت أو أخفت.
وبالفعل، فإنّ النفوذ الإيراني في العراق، لم يحل دون جلوسه الى طاولة “قمّة الأمن والتنمية” بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن، بوضوح، عودة الشرق الأوسط الى أوليات قائمة الاهتمام الأميركي، من خلال إبلاغه جميع المعنيين:” لن نتخلّى عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.
والتقارب الكبير بين دولة الإمارات العربية المتّحدة ومملكة البحرين، من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، لم يحل دون احتفاء “محور الممانعة” بانفتاح “أبو ظبي” و”المنامة” على النظام السوري الذي أظهر أنّه مستعد من أجل استمراريته أن يبيع كلّ شعاراته، كما سبق أن باع بلاده وشعبه.
ولم يترك تهديد الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله بالذهاب الى حرب من شأنها “خربطة المنطقة”، بحجة الدفاع عن حقوق لبنان البحرية في مواجهة إسرائيل التي تستعد لاستخراج النفط من حقل “كاريش” بدءاً من أيلول/ سبتمبر المقبل، (لم يترك) أيّ أثر يُذكر على ما انتهت إليه جولة بايدن من نتائج لمصلحة تبادل المنافع بين “أعداء الأمس”.
وثابرت البيانات الثنائية التي انتهت إليها لقاءات الرئيس الأميركي بقادة المنطقة الذين اجتمع بهم في كلّ من تل أبيب وجدّة، على التعامل مع لبنان، بصفته دولة بحاجة الى تحرير نفسها من سطوة “حزب الله”، وذهب الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي الى أبعد من ذلك بكثير إذ قال “أنْ لا مكان للميليشيات ولا لداعميها الذين يوفرون لها المال والسلاح”.
من دون شك، إنّ الشرق الأوسط الجديد، بكل ما يحتضن من قدرات مالية واقتصادية وتكنولوجية وعسكرية وأمنية، سوف يستنفر عدائية إيران وأذرعها، ولكن، من دون شك أيضاً، إنّ شعوب “محور الممانعة”، على الرغم من ضعفها أمام قوّة إيران وأذرعها، سوف تدفع بالقوى التي تعبّر عنها إلى التصدّي لمحاولات أبقائها مجرّد وقود في صراع لن يُنتج إلّا مزيداً من الفقر والكوارث والويلات والموت.
إنّ “محور الممانعة” يُمكن أن يذهب الى البعيد في مواجهة “الشرق الأوسط الجديد”، إذا ما ثابر على رفض أن يكون جزءاً منه، وتالياً فإنّ المنطقة قد تكون فعلاً، على أبواب حرب جديدة، إذا ما تمّ الركون الى “التمنيات” الإيرانية.
لكنّ التمنيات شيء والإمكانات شيء آخر.
إنّ “الشرق الأوسط الجديد” ليس حلماً طوباوياً يُمكن تحطيمه كما يتم تحطيم “قصور من ورق”، بل بات حقيقة تملك القدرات المذهلة للدفاع عن نفسها وعن المنافع الضخمة التي بُذلت من أجلها جهود جبّارة.
وعليه يمكن القول إنّ الشرق الأوسط ما بعد جولة الرئيس الأميركي جو بايدن لن يكون كما كان عليه قبلها.
ولهذا، فإنّه يمكن بدءاً من قرار بسط السيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير، والمشاريع الضخمة التي سوف تليه، وفتح الأجواء السعودية أمام الناقلات الجوية من وإلى إسرائيل، وما سوف تنتجه من منافع ومعيطات، رسم تصوّر لمستقبل دول المنطقة.
 ومن بين هذه الدول يبرز لبنان، بصفته ملاذ “حزب الله”، إذ حضر قائد الجيش العماد جوزف عون، في حمأة التفتيش عن رئيس جديد للجمهورية، في كلّ الإجتماعات والقمم والبيانات، وسط إعلان سمير جعجع، رئيس أقوى كتلة نيابية مسيحية، استعداده لانتخابه ليحلّ مكان الرئيس ميشال عون، في القصر الجمهوري.
البعض قد يجد في ذلك حرقاً لحظوظ العماد جوزف عون، على اعتبار أنّ “حزب الله” لن يقبل بمرشّح “التوافق الأميركي-الخليجي-العربي”.
قد يكون ذلك صحيحاً، لكنّ هذه النظرة الإيجابية الى قائد الجيش تتخطّى شخصه، فالميل إليه هو ميل الى آخر معاقل الشرعية اللبنانية التي من دون ترسيخها لا مكان للبنان الى طاولة الكبار.
إنّ التأثير الإيراني الكبير في العراق، لم يمنع جلوس رئيس حكومته مصطفى الكاظمي في قمّة جدّة، وهذه رسالة الى أنّ لبنان، في حال جاء ب”معادلة الكاظمي” إلى الرئاسة، سوف يستعيد مكانة أخسره إياها تنصيب “حزب الله” ل”دمى” في المناصب الدستورية.
المصدر : النهار العربي.
Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى