الحكومة: جبران يريد… والقوات تريد؟
لن يكون النائب جبران باسيل وزيراً في الحكومة المقبلة ولا في أيّ حكومة أخرى، بعكس كلّ التسريبات التي أخذت طابع الاستفزاز وتسعير خطاب التحريض، فلا نيّة للرجل لـ”توزير” نفسه مجدّداً، ذاهباً إلى حدّ الجزم: “أصلاً أنا لا أقبل أن أكون وزيراً”!.
بات يتصرّف نائب كتلة الـ18 نائباً في مقابل الـ19 نائباً للقوات اللبنانية، على أساس أنّه صانع وزراء ومديرين عامّين ومسؤولين كبار في الإدارة العامّة وضبّاط، وأنّه مرشّح “طبيعي” لرئاسة الجمهورية… وفي الحدّ الأدنى أحد صانعي رئيس الجمهورية المقبل.
بهذه الـ”باكتج” يخوض باسيل معركة رئاسة الحكومة وطاقمها الوزاري. ووفق المعلومات، طلب باسيل شخصيّاً إدراج موعد تكتّل لبنان القوي في أسفل لائحة مواعيد استشارات يوم الخميس لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، ولا سيّما أنّ الرؤية الباسيليّة للاستحقاق لم تتوضّح بعد، وستبقى رهينة تطوّرات ربع الساعة الأخير التي ستضع باسيل أمام خيارين: إمّا لا تسمية، وإمّا تسمية مرشّح آخر غير ميقاتي.
الأمر الآخر الذي لا يشترطه باسيل مدخلاً لأيّ تسوية مرتبطة بالتكليف وتأليف الحكومة هي إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتسليم باسيل بأنّ تعيين شخصية أخرى مكان سلامة لم يكن ممكناً أقلّه قبل سنتين من نهاية ولاية ميشال عون، ولذلك هذا الأمر لن يحصل قبل أشهر قليلة من مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا.
الحاكم.. والحرامي
خاض باسيل معركته الأساسية ليس في مجلس الوزراء، بل من خلال “ذراع” المدّعية العامّة لجبل لبنان القاضية غادة عون. هي معركة نجحت، برأيه، في تحويل “الحاكم” إلى فارٍّ من وجه العدالة، وجعل الادّعاء عليه مرهوناً بتوقيع قاضٍ واحد، بعدما صارت صورة سلامة نفسه على مدى عقود “أسطورة” حكّام المصارف في العالم والرقم واحد على لائحة ترشيحات رئاسة الجمهورية.
قبل يومين وصفه باسيل بـ”الحرامي المُلاحَق بجرائم فاضحة، لكنّ المنظومة تحمي الحرامي وتلاحق القاضي”. وسيواظب باسيل، وفق عارفيه، على اعتماد الخطاب نفسه حتى “قبعه” من الحاكميّة.
الأرجح أنّ سلامة لن يُكمِل ولايته المُجدّدة ستّ سنوات حتى أيار 2023، بل سيكون هناك حاكم آخر لمصرف لبنان بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد. لكلّ ذلك، ليست إقالة الحاكم على جدول أعمال المرحلة. فالصراع الأكبر هو على التوازنات داخل الحكومة المقبلة التي قال باسيل إنّ دورها “يقتصر على مواكبة انتخابات رئاسة الجمهورية”، لكن ليس الأمر كذلك.
لا معلومات حتى الآن عن خريطة توزّع الوزارات والحقائب داخل الحكومة المقبلة برئاسة ميقاتي أو غيره. لكنّ باسيل، بالحدّ الأدنى، لن يتنازل عن حقائب الطاقة والعدل والخارجية، إلا إذا اعتُمدت المداورة، وهذا أمرٌ مستبعد، فستقوده حتماً نحو المطالبة بالماليّة أو الداخلية.
دشّن النائب وليد جنبلاط أمس مطلب المداورة، فيما بدا لافتاً عدم تطرّق البيان الصادر عن اللقاء الديمقراطي إلى موقفه من تسمية ميقاتي أو غيره، لكنّ الحزب الاشتراكي أقرّ بأنّ حكومة ميقاتي فشلت في تطبيق كلّ الخطوات الإصلاحية.
معراب: النصّ بالنصّ
وأمام خريطة مجلس النواب الجديد تبدو المهمّة الحكومية أصعب بكثير في ظلّ معطيَيْن أساسيَّين: تحديد الجهة التي ستعطي نفسها حقّ “توزيع” الحصة السنّيّة داخل الحكومة بعد التشتّت الذي لا سابق له في البلوك السنّيّ، واقتراب القوات أكثر فأكثر من خيار المشاركة في الحكومة، خصوصاً في حال تمّ ترشيح شخصية أخرى غير ميقاتي. عندئذٍ سيكرّس الصراع على الوزارات والحقائب معادلة “النصّ بالنصّ” التي ستحاول معراب فرضها على كلّ أفرقاء التأليف.
لذلك لن تكون حكومة نهاية العهد على شاكلة حكومة ميقاتي الأخيرة التي توزّعت فيها الحصص وفق الآتي:
– ستّة مقاعد للتيار الوطني الحر الذي نال وزارات الخارجية، الشؤون الاجتماعية، الطاقة، السياحة، العدل، والدفاع. بعد أكثر من ثمانية أشهر من عمر الحكومة تبيّن أنّ هؤلاء صبّوا بلوكاً واحداً، وفق أدائهم، في مصلحة “ما يريده جبران”.
– حصّة ميقاتي: 4 بالاسم فقط، وهي وزارات الداخلية والاقتصاد والصحة والبيئة. لكن بالتجربة انتهى الأمر بميقاتي ناقماً على بسام المولوي و”مفخّتاً” بأدائه وساخراً من محاولات تسويق نفسه مرشّحاً لرئاسة الحكومة، ومنزعجاً من “طموحات” أمين سلام. أمّا بالنسبة إلى فراس أبيض وناصر ياسين فسلّم من البداية بأنّهما من حصّة سعد الحريري في الحكومة.
– كان البلوك الشيعي كالعادة “صبّة” واحدة مع ثنائي حركة أمل وحزب الله. وتضمّن خمس وزارات هي المال، الأشغال، الزراعة، الثقافة، والعمل.
– اعتُبر وزيران في الحكومة هما نجلا الرياشي وجورج كلاس حصّة مشتركة بين ميقاتي وعون. فيما حصل المردة على وزارتَيْ الإعلام والاتصالات. ونال الاشتراكي وزارة التربية، وطلال إرسلان وزارة المهجّرين، والقومي موقع نائب رئيس الحكومة، والأرمن وزارة الصناعة.
لا رئيس.. ولا أرسلان
يتبيّن من التوزيع السابق للحكومة أنّ التيار صاحب مصلحة أساسية في الإبقاء على التوزيع السياسي القائم في حال لم تجرِ الانتخابات الرئاسية. فحتى إرسلان لن يكون باستطاعته فرض مرشّح محسوب عليه داخل الحكومة، ولن يكون هناك حصة “خاصة” برئيس الجمهورية الذي يستعدّ لمغادرة قصر بعبدا.
في هذا السياق، كان لافتاً موقف النائب آلان عون الذي تطرّق إلى احتمال البحث في رئاسة الجمهورية قبل الحكومة “تجنّباً للفراغ الرئاسي والحكومي، إذا كانت الكتل النيابية أعجز من أن تنتج حكومة تعطيها ثقة”.
أبعد من ذلك، قد يكون الهدف الأكبر لباسيل من الحكومة المقبلة هي التعيينات الإدارية والأمنية والقضائية والدبلوماسية. فالدولة مقبلة على “تغيير جلدها” في العديد من المواقع الأساسية والمهمّة. في هذا السياق يذكر مطّلعون أنّ ما يسري على حاكم مصرف لبنان يسري أيضاً، مع فارق التشبيه في “الوضعية”، على رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدّعي عام التمييز حيث لا إمكانية للاستغناء عن خدماتهم إلا ضمن سقف تسوويّ ومرحلة إدارة جديدة.
أمّا قائد الجيش العماد جوزف عون فمساره واضح، إمّا تعديل دستوري يتيح انتخابه رئيساً للجمهورية، وإمّا أن يبقى قائد جيش حتى إحالته إلى التقاعد عام 2024.
المصدر : أساس ميديا.