هل يدعو ماكرون الى «المؤتمر الانقاذي» من لبنان هذا الشهر؟
لم يعد سراً انّ التأزيم في لبنان أحكم الإقفال على الحلول. ولم يعد سراً انّ المجلس النيابي الجديد غامض الأكثريات، وهناك لبس في صورة التحالفات… واذا تمعنّا النظر في بانوراما هذا المجلس، لوجدنا مجموعات من الكتل لا غالبية فيها. ولذا ليس معروفاً لمن الغالبية فيه والمتأرجحة، والتي من المتوقع ان تتبدّل وفق الملف او وفق «القطعة» بحسب التعبير الرائج. وبالتالي، صورة المجلس الجديد تؤشر الى أفق مسدود أمام تسمية رئيس جديد للحكومة. إذ ليس هناك اسم مطروح مضموناً. كما يبدو أن لا توافق على اسم لدى الأكثرية غير المعروفة. وبالتالي، لم يعد سراً أنّ الحكومة الحالية باقية تصرّف الاعمال، وبالتالي سيكون من الصعب الإتيان برئيس جديد للبنان. وأمام هذا السيناريو، كل الاحتمالات واردة، ومنها ان يبقى القديم على قِدمه، على قاعدة «نرحل معاً او نبقى معاً».
بحسب التاريخ المعاصر وأمام هذا السيناريو السياسي الداخلي المعقّد، جرت العادة اللبنانية على التوجّه خارجياً، والأمثلة كثيرة، بدءاً باتفاق الطائف مروراً باتفاق الدوحة وصولاً الى ما لم نعلمه بعد.
أمام تلك التعقيدات مجتمعة، كشف مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى، ما لم يعد أساساً سراً على اللبنانيين، وهو ما كان يُخطّط له سراً وراء البحار ويتهامس به المعنيون في الكواليس، ألا وهو وجوب انعقاد مؤتمر انقاذي للبنان في بلد مسالم، إن لم نقل محايداً، يهرع اليه المعنيّون والمتخاصمون من كافة الأطياف والاطراف، تمهيداً لعقد التسوية الكبرى. علماً أنّ هذا المؤتمر المُنتظر كشف عنه أخيراً عدد من السياسيين في الداخل، وكذلك ألمح اليه بعض الديبلوماسيين الذين شدّدوا على عقد مؤتمر خارجي للبنان في جلسات خاصة. وربما سيكشف لنا الزائر الرئاسي الفرنسي القادم هذا الشهر الى لبنان المزيد عنه، هذا اذا ما صدقت المعلومات عن قدوم ماكرون الى لبنان قريباً، في وقت لفت مصدر دبلوماسي فرنسي ان الزيارة غير مؤكدة حتى الساعة.
اما في الداخل، فأول من ألمح الى هذا المؤتمر هو المرشح لرئاسة الجمهورية رئيس تيار «المردة» الوزير سليمان فرنجية، ليكشف عنه لاحقاً أيضاً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في خطابه الاخير في «البيال»، حين تحدث عن الذين رفضوا الحوار الذي دعا اليه الرئيس عون في الداخل «سيهرولون آجلاً أم عاجلاً الى الخارج عند انعقاد مؤتمر التسوية»…
إلاّ أنّ السر لم يعد في المعلوم بل في المضمون، أي أبرز الملفات التي سيتناولها المؤتمر. فالأكثرية الصامتة من اللبنانيين تتساءل عن تلك الملفات التي سيناقشها، وما إذا كانت مجدية فعلاً وضاغطة أو أولوية؟
وفي هذا السياق، كشف المصدر الديبلوماسي نفسه لـ»الجمهورية»، انّ المؤتمر المفترض انعقاده في الخارج سيكون غالباً قبل انتخاب رئيس جديد للبنان، ولن يكون شبيهاً باتفاق الطائف، بل هو مختلف عنه. لافتاً الى انّ جميع الأفرقاء الذين سيشاركون فيه يتوجب عليهم قبل المشاركة الموافقة على تبنّي توصياته إن لم نقل قراراته، واعترافهم بأحجام جميع الأفرقاء السياسيين في لبنان. ومن أهم المؤشرات ذات الدلالة العملية على بدء الانفتاح، الكشف عن زيارات عدة قام بها أخيراً وفد من «حزب الله» لمقر السفارة البابوية في حريصا.
ومن أهم البنود التي سيبحثها المؤتمر:
– مراجعة النصوص الدستورية التي لا تشترط تحديد مِهل دستورية لإنجاز كافة الاستحقاقات، بما معناه تعديل تلك النصوص، بحيث تحدّد مِهل التكليف والتأليف الحكوميين، بالإضافة الى وضع وتحديد مِهل زمنية لدرس كافة المراسيم قبل توقيعها وردّها خلال المِهل المحدّدة والمعدّلة.
– «وضع إطار» للمفاوضات حول الاستراتيجية الدفاعية، على قاعدة انّ البلد الذي يرغب بالسلام، على زعمائه القبول بالجلوس والتفاوض مع الأقوى في هذا البلد ولو كان خصماً.
وكشف المصدر نفسه ايضاً، أنّه سيكون هناك تعهّد من الحاضرين للمؤتمر بعدم معاودة استعمال سلاح الميثاقية، كسبب لتعطيل العمل التشريعي النيابي او الوزاري. كذلك كشف عن مؤشرات كثيرة حصلت أخيراً، رجّحت اقتراب موعد الاعلان عن هذا المؤتمر، وأهمها ربما كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، عن أنّه من المبكر التكلّم عن استراتيجية دفاعية قبل سنة او سنتين. ويرى المراقبون في الحالتين، انّ كلام نصرالله الجديد هو الحدث في حدّ ذاته، وهو اعتراف صريح ومباشر وعلني بقبوله بدء البحث في موضوع سلاح «حزب الله»، بعدما كان يرفض حتى ذكر الموضوع…
ويضيف المصدر: «اما إذا احتسبنا موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، أي نحو 6 اشهر، مع ما يرافق انتقال السلطة إلى مجلس الوزراء الذي سيأخذ ربما سنة اذا تمّ! يكون الموعد قد اقترب للبدء بالتحضير للمؤتمر الخارجي، الذي من المفترض ان يبدأ قبيل الدخول في المدة القانونية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد… وهذا المؤتمر هو الذي سيمهّد بدوره، وفق المصدر نفسه، للتسوية الكبرى، ومن ضمنها رئاسة الجمهورية، الاستراتيجية الدفاعية، وما ذكرناه من تعديلات دستورية وأهمها المِهل»…
اما في الرسائل التصعيدية السياسية للبعض في الداخل، فيضعها المصدر في خانة الرسائل السياسية التي تُصرّف لتحسين شروط كافة الأطراف في المؤتمر الخارجي، حين يُعاد خلط الاوراق في الداخل، في وقت يرصد المراقبون باهتمام وحذر المفاوضات الايرانية ـ السعودية المتقدّمة، والتحرّك اليمني الذي يطالب بالانضمام الى المجلس الحربي السعودي، والتحرّك السوري في اتجاه الخليج، وغيرها من التحركات الروسية والفرنسية في المنطقة، التي تعيد رسم خريطة الشرق الاوسط الجديد بأقل كلفة عليها، وبأغلى كلفة ربما عليه.