من هم صرّافو “الشنطة” !!
يوم الخميس الماضي 26 أيار الجاري وقعت في منطقة الكفاءات بضاحية بيروت الجنوبية جريمة قتل بهدف السلب، وكان ضحيتها جندي في الحرس الجمهوري، ويعمل صرّافاً متجولاً.
وكان لفتني منذ فترة مشهد شبان يقفون قرب مطاعم حرقوص في أوتوستراد هادي نصر الله. كانوا 4 أو 5 شبّان، يحملون رزماً ماليةً بالليرة، يلوّحون بها للمارة، فقررت التوقف والمراقبة للإجابة على تساؤل كنت أطرحه على نفسي حول عمل صرافي الشوارع، وما إذا كان هناك من يقصدهم لتصريف الدولار. كانت النتيجة صادمة، فبظرف 5 دقائق فقط، 4 زبائن صرّفوا أموالهم لدى هؤلاء، وهذا ما لم أكن لأفعله شخصياً في أي ظرف من الظروف.
مهنة جديدة بفئات ثلاث
هي مهنة جديدة برزت مع انطلاق انهيار الليرة، وتحتاج “قلباً قوياً”، ومبلغاً من المال لبدء العمل و”سندة ضهر”، يقول محمد، وهو أحد صرّافي الطريق في منطقة الغبيري منذ العام 2020. يروي محمد في حديث لـ”المدن” قصته: “مع بداية الأزمة بدأنا العمل لصالح مكاتب صيرفة شرعية في منطقة الغبيري، ثم توسعت أعمال البعض منا، فاستقلّوا عن المكاتب وباتوا يعملون لحسابهم الخاص. وتوسّعت دائرة انتشار الصرافين على الطرقات إلى أوتوستراد هادي نصر الله، ومنطقة الكفاءات”. وأشار إلى فئات ثلاث من صرافي الشارع أو صرافي “الشنطة”: الفئة الأولى تتضمن شبّاناً يعملون لحساب مكاتب صيرفة شرعية. الفئة الثانية تضم شبّاناً يعملون لصالح المكاتب غير الشرعية. والفئة الثالثة تضم شباناً يعملون لحسابهم الخاص.
وحسب محمد تعمل الفئتان الأولى والثانية على شراء الدولار بسعره في السوق السوداء، ويحصل العاملون فيها على رواتب شهرية أو على نسبة معينة حسب الكميات التي يشترونها، بينما عمل الفئة الثالثة هو الأكثر صعوبة. فصرافوها ملزمون شراء الدولار بأقل من سعره في السوق السوداء بحوالى 20 إلى 50 نقطة، والنقطة هنا تساوي ليرة لبنانية واحدة. ويُشير محمد إلى أن الصرافين باتوا يملكون عدداً من الزبائن الدائمين، وهنا تلعب الثقة دوراً أساسياً في عملية جذب الزبائن.
يشتري هؤلاء الدولار في الشارع ويركضون لبيعه في مكاتب الصيرفة الشرعية وغير الشرعية، قبل أن تحصل تبدلات في السوق تؤدي الى خسارتهم. ومنهم من يُغامر قليلاً في حال كان اتجاه السوق تصاعدياً.
تغطية أمنية
لا علاقة للأحزاب بعملنا يقول محمد. فبعض الصرافين يعملون في مناطق خارج الضاحية الجنوبية وغير خاضعة لسيطرة أحزاب الضاحية. كما أن هذه الظاهرة موجودة في الشمال وصيدا والبقاع، وغير محصورة بمكان أو فئة، معترفاً أن العمل في الشارع يحتاج إلى حماية أمنية، توفرها أجهزة الأمن. ففي كل مرة ينوي أحد الأجهزة الأمنية القيام بمداهمة، كان عناصر من الجهاز نفسه يبلغون الصرافين بالأمر قبل حصوله، مشيراً إلى أن التبليغ من نصيب الصرافين “الماكنين”، وأحياناً يتم توقيف الصرافين “الصغار”، أو حديثي النعمة في المصلحة.
بات العاملون في هذا المجال على تعارف في ما بينهم. فهم في المصلحة منذ سنتين على الأقل، وبالتالي لديهم حماية في مناطقهم، ولا يمكن لمن يرغب من الناس أن يحمل المال ويقف في الشارع ليصبح صرافاً.
مهنة بمخاطر كبيرة
لم يكن صرافو الشنطة يعملون بمهنة الصيرفة قبل الأزمة. منهم من كان عاطلاً من العمل، ومنهم من كان موظفاً في شركات أفلست وأقفلت، ومنهم من كان يعمل بمهن حرّة، ومنهم من كان ولا يزال يعمل في الأجهزة الأمنية التي لم تعد رواتبها تكفي لشراء قارورة غاز المنزل، مثل العريف المغدور عباس قيس الذي قُتل بدافع السرقة في منطقة الكفاءات. فهذه المهنة جعلت كل من يعمل فيها تحت الخطر، خصوصاً بعد تزايد عمليات السرقة. وحسب محمد، فإن هذا الواقع دفع الصرافين للتبنه أكثر، وبيع الدولارات التي يشترونها فوراً، لكي لا يحملوا معهم مبالغ كبيرة. هذا أضافة إلى خطر التعرض للاعتقال.
هي مهنة مربحة تجعل المخاطرة مقبولة، يقول محمد، مشيراً إلى أن “تأمين المال لاستمرار الحياة يدفع المرء للعمل بكل ما يُتاح له، وعملنا هذا وإن كان غير شرعي يبقى أفضل من أن نمدّ أيدينا لنتسول أو نسرق”.
صيرفة شرعية وغير شرعية
المكاتب التي تشتري الدولار من صرافي الشارع تعمل على نطاق أوسع. تجمع الدولارات منهم ومن زبائنها، وتبيعها إلى فئتين: الأولى هي التجار الذين يحتاجون الدولار يومياً. الثانية، وهي المبالغ الضخمة، تباع إلى واحدة من أبرز مؤسسات تحويل الأموال في لبنان، التي تشتري الدولارت لصالح المصرف المركزي.
وحسب المعلومات، هناك مجموعة واتساب “رسمية” تتعامل مع مكاتب الصيرفة غير الشرعية، وتُجري عبرها هذه المكاتب عمليات البيع والشراء وفق ميثاق أخلاقي واضح. فمن يطلب تثبيت شراء ملبغ ما على سعر صرف معيّن، فإن البائع ملزم بتنفيذ العملية. وبحال تخلّف الشاري بسبب انخفاض سعر الصرف، أو تخلف البائع فإن المتخلف ملزم بدفع “قيمة الفرق”. وبحال تكررت عملية تخلّف البائع نفسه أكثر من مرة يُطرد من المجموعة ويفقد ثقة التجار به.
المصدر : المدن.