تنفيذ الإصلاحات هو الباب الوحيد لإنقاذ لبنان وغيرها سيبقى مضيعة للوقت
لم تعد مشاهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود وحدها المألوفة في حياة اللبنانيين بل بات معها مشهد طوابير المواطنين أمام الأفران في ظل موجة غلاء غير مسبوقة وأزمة سيولة حادة وشح في الدولار الذي تجاوز سعر صرفه في السوق السوداء عتبة الـ 31 ألف ليرة فيما لا يزال السعر الرسمي مثبتا عند الـ 1507 ليرة.
ومع تظهر نتائج الإنتخابات النيابية وإنقلاب الموازين في البرلمان اللبناني بفقدان قوى “8 آذار” مقاعد لصالح كل من قوى 14 آذار وقوى التغيير، وسحب بساط الأكثرية من حزب الله وحلفائه دون منح الأكثرية لأي فريق تبرز مجموعة من الأسئلة أبرزها هل تتدخل الدول المانحة لإنقاذ لبنان؟ ومتى ستتدخل؟ وتحت أي ظروف؟
الصورة الحالية تؤشر إلى مرحلة حافلة بالأزمات، لأن التغيير الذي تحقق في الإنتخابات وإن كان ممتازاً لكنه ليس كافياً، لأن الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية هي أكبر من تلك النتائج وقد تصل بلبنان خلال أشهر قليلة إلى قعر الهاوية، إن لم نشهد قرارات عاجلة تتعلق بالإصلاحات والحلول الجذرية المطلوبة.
وهذا ينسجم مع التحذيرات التي أطلقها البنك من أن تأثير الأزمة الإقتصادية والمالية المتفاقمة قد يصبح كارثياً قريباً بفعل الأرقام القياسية التي سجلها في معدلات التضخم والفقر والبطالة واضمحلال الطبقة الوسطى في البلاد، فيما يبدو أن الدول التي اعتادت التدخل مالياً لإنقاذ لبنان من الأزمات بشكل يعتمد عليه، نفد صبرها بفعل سوء الإدارة والفساد.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير المالي والإقتصادي الدكتور عماد عكوش في حديث لـ “هنا لبنان” أن الدول المانحة ستنتظر بالحد الأدنى مفاوضات صندوق النقد الدولي، وقرار مجلس الإدارة، ونتيجة عمل الحكومة ومجلس النواب اللبناني، وخاصة بالنسبة للشروط الأساسية للإصلاح والتي يمكن تلخيصها بأربعة بنود: “إقرار قانون الكابيتال كونترول، وإقرار الموازنة، وإقرار خطة التعافي، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي”.
ويتابع “في حال عدم إقرار هذه البنود الأربعة الأساسية، ستصبح مهمة أي إنقاذ مستحيلة، وبالتالي أي تدخل من أي دولة أو مؤسسة دولية سيكون غير فاعل، ولن يحقق أي نتيجة سوى أن يكون عبارة عن مورفين لأيام أو أسابيع أو حتى لبضعة أشهر بالحد الاقصى قبل الانهيار الكامل”.
ومن العوامل التي تقلق المجتمع الدولي في لبنان وتنعكس سلبًا على بلدانه وخصوصاً الإتحاد الأوروبي ملف اللاجئين وهجرتهم الجماعية إليها مع ما يحمله من تداعيات في حال حصول الانهيار الكامل، وبالتالي خلق مزيد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أزمتها الحالية اليوم وهي أزمة أوكرانيا، وهنا يعرب عكوش عن إعتقاده بأن لا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الدول المانحة ستسمح بهذا المستوى الكامل من الانهيار وستتدخل عند النقطة صفر لتخلق واقعًا سياسيًّا جديد في لبنان.
أما في ما يتعلق بالإصلاحات فيرى أن الهدف منها ليس إنقاذ لبنان اقتصادياً والاتجاه به نحو الرفاه والغنى بل المطلوب بالنسبة إليها عدم سقوطه، ويشرح “عملياً المجتمع الدولي لا يهمه من يكون في السلطة الحاكمة في لبنان ما دام مسيطراً على السلطة الحالية، سواء من ناحية عدم إجراء الإصلاحات أو من ناحية قدرتها على تعطيل أي إصلاح إقتصادي حقيقي في البلد”.
عوامل عديدة يتحكم بها عامل المصلحة العليا لكل الأفرقاء المشاركين في الصورة الأشمل نتلمسها بنظرة كل فريق منهم، والدليل ما يقدمه عكوش “دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا في النهاية لديها مصالح إقتصادية وسياسية مع لبنان ومع دول إقليمية، وهذه الأخيرة لا مصلحة لها بأن يتربع هذا البلد الصغير على عرش الغنى والرفاه، لأن هذا التربع يحتاج إلى استثمارات كبيرة جدًّا تضرّ بمصالح بعضها”، معطياً مثالًا أنه في حال قام لبنان بإنشاء سكة حديد تربط ما بين مرفأ بيروت ومرفأ البصرة سيلحق ذلك الضرر بإسرائيل نظراً لإنعكاساته السلبية على نشاط مرفأ حيفا، وكذلك بمصر لإنعكاساته السلبية على نشاط قناة السويس وبالتالي لا مصلحة لهذه الدول أن تسير بهكذا إستثمارات ضخمة ويتحول إلى منطقة حرة كاملة .
ولا يبتعد ملف التنقيب وفق عكوش عن النفط والغاز عن هذه المقاربة فإستخراج كل منهما يلحق الضرر أيضاً بكل من إسرائيل ومصر لأنهما منتجتان للغاز في المنطقة، كون الغاز اللبناني سيكون أكبر منافس لهما لأنه الأقرب إلى السوق الأوروبية ولأنه لا يمر بمياه عميقة جداً، إذ يتطلب أنابيب يسهل تركيبها على عكس ما يتطلب نقل الغاز من إسرائيل إلى الإتحاد الأوروبي.
وفي الختام كيف نسمح لأنفسنا أن نطلب المساعدة من الغير، بصرف النظر من هو؟ فيما جدد بالأمس كل من الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالأمس الحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعافي لبنان والتي يتوقعها اللبنانيون والمجتمع الدولي. لتكون المعادلة المنطقية الدائمة “ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم”.