البيان الوزاري: الخصخصة ودعم المصارف
بحسب المسوّدة التي سُرّبت أمس، اعتبرت حكومة الرئيس حسان دياب في بيانها الوزاري أن النجاة من الانهيار في الأمن والاقتصاد وغضب الناس، واستعادة الثقة، تتحققان بالأفعال وليس بالوعود. لكن الواضح أن الحكومة وضعت بياناً «من كل وادي عصا» يحتاج الى نقاش جدي في شقّه المالي والاقتصادي يمنع تكرار السياسات القديمة
في ظل انتشار معلومات عن أن المصارف تنوي خفض المبالغ التي ستفرج عنها شهرياً لأصحاب الحسابات الجارية «الصغيرة» إلى حدود 600 دولار شهرياً، تسرّبت أمس مسودة مشروع البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب، من دون أن تكشف سوى عن مزيد من الدعم للمصارف. تتحدّث المسودة عن الحفاظ على الودائع، ملمّحة إلى تشريع الإجراءات غير القانونية التي تتخذها المصارف بحق المودعين. في المقابل، تأكيد واضح لدعم رسملة المصارف، ما يعني منح أصحاب البنوك المزيد من الحظوة التي لطالما استفادوا منها لتضخيم ثرواتهم، وثروات كبار المودعين، على حساب المال العام. وإضافة إلى دعم المصارف، تبدو الخصخصة حلاً شبه وحيد في نظر حكومة دياب. الخصخصة لخفض الدين العام، والخصخصة لخفض كلفة القطاع العام، والخصخصة لخفض عجز ميزان المدفوعات!
وإضافة إلى ما تقدّم، وفي ظل الأزمة النقدية المفتوحة منذ ما قبل «17 تشرين»، لم تجد الحكومة نفسها معنية بالحديث عن سعر صرف الليرة، مكتفية بالسعي إلى «سلامة النقد»! وفضلاً عن ذلك، تثبّت مسودة البيان الوزاري «مؤتمر سيدر» كواحدة من المرجعيات التي ينبغي السهر على إرضائها، تماماً كخطة شركة «ماكنزي»، والورقة الإصلاحية التي وصفها الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بأنها تعبّر عن مطالبه هو لا مطالب الناس. باختصار، في مسودة البيان الوزاري لحكومة حسان دياب الكثير من سعد الحريري… ورياض سلامة وجمعية المصارف. ثمة من لا يزال يرى أن الازمات البنيوية للاقتصاد اللبناني تُعالج بالقليل من «الإصلاح»، وفق الطريقة نفسها المعتمدة منذ تسعينيات القرن الماضي، مروراً بمؤتمرات باريس، وصولاً إلى «سيدر».
بدا واضحاً من المسودة أن تحالفاً يعمل على تبرئة الفريق السياسي الاقتصادي المالي من كل ما ارتكبه على مدى العقود الماضية. وهذا التحالف يجمع قوى سياسية داخل الحكومة وخارجها، ويضم كتلة أصحاب المصارف وكبار المودعين والهيئات الاقتصادية ومعهم مصرف لبنان، وذلك بغية إعادة العمل بالسياسات السابقة. وهي سياسات تقود حتماً الى فرض خيارات اقتصادية خاطئة أساسها التقشف والنيل من القطاع العام والذهاب نحو الخصخصة. والظاهر من خلال المداولات أن وزير المالية غازي وزني يتماهى مع سياسات المصارف والمصرف المركزي، ومشجعاً بقوة لخيار العمل مع صندوق النقد والبنك الدوليين بحجة أن لا خيارات أخرى أمام لبنان. ويجري العمل أيضاً على «تقديس» سداد الدين في وقته، وعدم البحث في خيارات التوقف لأجل فرض جدولة الدين داخلياً وخارجياً بما يتناسب والوضع القائم. الشراكة الواضحة التي يظهرها وزني مع سلامة وجمعية المصارف، ستقود حتماً نحو سجال قوي داخل الحكومة حول مقترحاته لإدارة السياسات المالية العامة، وخاصة أن الرضوخ لسياسات سلامة من جديد سيُصعب مهام حكومة دياب.
الحكومة مساحة عريضة للأزمة المصيرية التي تستدعي «خطوات مؤلمة»، لمعالجتها ضمن خطّة شاملة وسلّة من الإصلاحات المحددة بسقوف زمنية، ملتزمة بمكافحة الفساد في أول 100 يوم واسترداد الأموال المنهوبة في أقل من سنة وتخفيض سقف التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان. وتدخل ضمن سلّة «الإصلاحات»، ورشة «إصلاح» قضائي وتشريعي، ترافقها إجراءات محددة كتخفيض الفائدة على القروض والودائع، مع التزام الحكومة التي «تعترف بأحقية مطالب الحراك» بتنفيذها عبر ثلاث مراحل تمتد من مئة يوم إلى ثلاث سنوات.
وتتضمن خطة المئة يوم من تاريخ نيل الحكومة الثقة الإصلاحات القضائية واستقلال القضاء، وإقرار استراتيجية مكافحة الفساد وحق الوصول إلى المعلومات، بينما خطة السنة تلتزم باسترداد الأموال المنهوبة وإقرار قوانين تحمي المرأة وحقوقها وإقرار قانون منح الجنسية لأولاد الأم اللبنانية، فيما تشمل الخطة التي حُددت ما بين سنة وثلاث سنوات إطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين وتحسين السجون وتطوير قصور العدل. وفي سياق وعده بتنفيذ الإصلاحات، تطرّق البيان الى مؤتمر «سيدر» الذي يشترط حصول لبنان على المساعدات بتنفيذ هذه الإصلاحات، كما يتضمن البيان خطة مالية متوسطة الأجل لضبط الاختلالات المالية ووضع العجز في الناتج المحلي في منحى تراجعي، من خلال تنفيذ إجراءات، منها مكافحة التهرب الضريبي وإصلاح النظام الضريبي، باعتماد الضريبة التصاعدية الموحدة على مجمل المداخيل، ومكافحة التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية».
وقد التزم البيان بإعادة هيكلة القطاع العام عبر مكافحة الهدر ودمج وإلغاء عدد من المؤسسات العامة، إضافة إلى ضبط الدين العام وخدمته. وفي ظل المخاوف التي يعيشها المواطنون جرّاء الإجراءات التعسفية التي تعتمدها المصارف، لفت البيان الى أن الحكومة ستعمَل على «معالجة الأزمة النقدية والمصرفية، ووضع الآليات المناسبة لحماية أموال المودعين، لا سيما الصغار منهم، والمحافظة على سلامة النقد واستعادة استقرار النظام المصرفي».
وجاء في البيان أن الخطة الإنقاذية تتضمن «خطوات مصيرية وأدوات علاج ستكون مؤلمة»، بحيث «لا يمكن لأي خطة إنقاذية أن تنجح ما لم نقم بتخفيض الفائدة على القروض والودائع وذلك لإنعاش الاقتصاد وتخفيض كلفة الدين». وتدعو هذه الخطة الى «التواصل مع كل المؤسسات والجهات المانحة أو الداعمة من أجل تأمين الحاجات الملحة والقروض الميسرة وتغطية الحاجات التمويلية للخزينة». وفيما تتعهد الحكومة بالعمل على حلول سريعة واتخاذ إجراءات ضرورية لتأمين التيار الكهربائي باستمرار وتصفير العجز وخفض الكلفة على المواطنين، وأشارت إلى أنها ستعتمد خطة الكهرباء التي كانت قد أقرّت في الحكومة السابقة ونصّت عليها الورقة الإصلاحية التي طرحها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد أيام على بدء التحركات الشعبية، أي تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء كجزء من إصلاح قطاع الكهرباء، كذلك الاسراع في إجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي النفط والغاز.
وتطرق البيان الى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال إشارته الى إقرار الاستراتيجية الوطنية للنقل البري. وتضمن في صفحاته الـ 17 عناوين عريضة ترتبط بتحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين، منها تقوية شبكات الأمان الاجتماعية عبر تأمين التعليم لكل فئات المجتمع وتعزيز التغطية الصحية وسلامة الغذاء، إضافة الى تطوير الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي وخدماتي إلى إنتاجي، مع تقديم تسهيلات من مصرف لبنان وحثه على ضخ السيولة بالدولار لاستيراد المواد الأولية، وذلك في ظل الأزمة التي يعاني منها التجار في هذا الإطار مع الإجراءات المصرفية التي تحدّ من قدرتهم على تحويل الدولار لاستيراد المواد الأولية.
اللجنة الوزارية التي كتبت المسودة ستضع لمساتها الأخيرة عليها اليوم، تمهيداً لإقرارها في مجلس الوزراء، قبل إحالة البيان النهائي على المجلس النيابي الذي من المتوقع أن يعقد جلسة الثقة يوم الثلاثاء 11 شباط 2020. هذا البيان الذي يقول مُعدّوه إن استعادة الثقة تتحقق بالأفعال لا بالوعود، أكثر من الكلام الذي لا طائل منه، كمثل إعادة التمسّك بالمبادرة العربية للسلام التي تبنّتها قمة بيروت العربية عام 2002، وهي المبادرة التي سقطت بفعل التعنت الاسرائيلي أولاً، وبسبب التطبيع السري والعلني الذي تمارسه دول عربية، وعلى رأسها دول في الخليج العربي كالإمارات والبحرين وعُمان، وبرعاية سعودية.