تابعوا قناتنا على التلغرام
عربي ودولي

رُضّع سوريون على قارعة الطّريق…!!

ما الذي يدفع والداً أو والدةً إلى رمي طفلهما الرضيع في الشارع؟

الإجابة تبدو مركبة ومعقدة للغاية، فإذا ما تجاوزنا الحالات المرتبطة بالإنجاب خارج إطار الزوجية، نكون أمام معضلة حياتية مرتبطة بالظروف المعيشية للسوريين، فلا يعقل أن يكون كل أولئك الأطفال المرميين على نواصي الطرق وأمام المساجد والمشافي “أولاد حرام”

هذا أمر يصعب حسم الرأي فيه، ولكن لنقس الأمر بربطه بعمالة الأطفال الصغار من جهة، والمتسولين الصغار من جهة أخرى، كل ذلك يقود باتجاه أصبح واضحاً، الفقر. والفقر هنا ليس ذلك الطبيعي الذي تفرزه شروط الطبقات المجتمعية المتوازنة في أي بلد يتبع نظاماً سياسياً في حالة لا حرب فيها، نحن هنا نتحدث عن واقع غير سوي في بلد غير متوازن

وحين يكون الحديث عن شيء يمكن وصفه بأنّه أشد من الفقر المدقع عينه، تصبح لدينا تبريرات أخرى. ففي سوريا انهارت الحياة مرةً واحدة، وصار البلد طبقتين فقط من معدومي الحياة وفاحشي الثراء، ولا شك في أن الأخيرين جاؤوا على حساب الأولين، وكل ذلك يعتبر خرقاً غير طبيعي في إطار الفلسفة السياسية وعقد جان جاك روسو الاجتماعي، فما عادت في سوريا طبقة وسطى، وعوضاً عنها بات هناك أكثر من 90 في المئة من شعبها تحت خط الفقر، هذا ما تقوله الأمم المتحدة

ليست تلك المقدمة تبريراً، بل فيها ما فيها من توصيف الواقع، من دون التحامل على طرف دون آخر، والطرفان هنا هم الأهل والحكومة على حد سواء، الأهل الذين ينجبون ويرمون أطفالهم في الشوارع، هذا أيضاً أمر يصعب فهمه في سوريا، وإن كانت دعامته في كثير من الأحيان دينية، على قاعدة أنّ الإنجاب مبارك، وأنّ (الطفل يأتي وتأتي رزقته معه)، ولكن هذا قبل الحمل، أما بعده وحين يكبر بطن الزوجة وينؤذن بمجيء الطفل، فيبدأ التفكير بكيف سيتم تأمين ثمن الحفاضات والحليب والأدوية وخلافه، فيترك الطفل حين ولادته لمصيره الأسود، أياً كان هذا المصير، فهو أسود، في بلد يموت أهله جوعاً

يقول أبو محمد لـ”النهار العربي”: “لديّ ستة أولاد، أنا سعيد بهم للغاية، وأفكر بإنجاب السابع”. أبو محمد يعمل في ورشة للحدادة، وبعد سؤاله والقليل من التقصي، تبين أنّ أربعة من أولاده يعملون في ورش أخرى، وأكبرهم لم يتم الثامنة عشرة من عمره، فكيف يكون سعيداً بشكل الحياة التي اختارها لهم؟

أبو اسماعيل رجل متدين، يواظب على الصلاة والفروض وحضور حلقات التعلم والخطب في المساجد، يقول حول الإنجاب لـ”النهار العربي”: “كثرة النسل من أول الأسباب التي شرّع من أجلها الزواج، والرسول يقول: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”. أبو إسماعيل يعتقد من وجهة نظره أنّ الأمر بمثابة التكليف الشرعي المحمول على عقيدة دينية

يعرف الطفل اللقِيط بأنّه الطفل الصغير الذي طرحه أهله خشية الفقر أو خوفاً من تهمة الزنا. وبحسب التشريع الإسلامي، فإنّ “التقاطه فرض عين على من يجده إن وجد في مكان يغلب على الظن هلاكه لو ترك فيه”، وقد وردت آثار متواترة بـ”بالترغيب في التقاطه وبيان فضله على كثير من أفعال الخير، لأن فيه إحياءً لنفس بشرية”

خلال الأسابيع الماضية أخذت هذه الظاهرة بالانتشار أكثر قياساً بفترات سابقة، فقد عثر على أطفال رضع في حمص وحماه والسلمية واللاذقية ودمشق وغيرها، وفي مناطق الشمال السوري، وربما بنسبة وعدد أكبر، عثر عليهم أمام المساجد وقرب حاويات القمامة وفي الطرق والبساتين وأبواب المستشفيات

وبحسب رأي الاختصاصية الاجتماعية سمر هناف، فإنّ الأمر يمكن إعادته إلى الحرب وشروطها القاسية التي فرضت واقعاً مستجداً وغريباً على البلاد ما قبل 2011، “الزواج المبكر، زواج القاصرات، الفقر المعيشي المدقع، العلاقات غير الشرعية من الزنا والاغتصاب، الحمل بغير قصد، كلها عوامل أسهمت في هذه الظاهرة، والتي يمكن ملاحظتها في البيئات المغلقة الأكثر جهلاً داخل البلاد قياساً بغيرها، وكذلك بوضوح أشد في مخيمات النزوح خارج سوريا”

وتشدد هناف على ضرورة العمل على تنمية الثقافة النسوية بصورة خاصة والثقافة المجتمعية بصورة عامة. وتعتقد أنّ الأمر سيتطلب سنين طويلة للإحاطة به والوصول إلى نتائج مرضية تتعلق بصورة مباشرة بالتوعية، بدايةً من اختيار الزوج المناسب المسؤول الذي لا يتهرب من واجباته كم حصل ويحصل بهجر الزوج زوجته بعد فترة قصيرة من الزواج، أو من العلاقة غير الشرعية التي تفضي للإنجاب، “وبالتأكيد التوعية وبدء العمل الجدي على تحديد النسل”

“المادة 484 من قانون العقوبات واضحة في هذا الشأن”، يقول المحامي مفيد هولا لـ”لنهار العربي”، وتنص هذه المادة على أنه “من طرح أو سيّب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر غير قادر على حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة، وإذا طرح الولد أو العاجز أو سيب في مكان مقفر كان العقاب من سنة إلى 3 سنوات أي ينال عقوبة (الجنحة)”

ويضيف أنّ المادة 486 عقوبات أوضحت أنّه “إذا كان المجرم أحد أصول الولد أو العاجز أو أحد الأشخاص المولين حراسته أو مراقبته أو معالجته أو تربيته، شددت العقوبة على نحو ما نصت عليه في المادة 247 التي تضاعف كل عقوبة من الثلث إلى النصف، وتضاعف الغرامة المالية أيضاً”، فيما أشارت المادة 226 عقوبات إلى أنّه “لا عقاب على من أكرهته قوة مادية أو معنوية لم يستطع إلى دفعها سبيلاً”

وجاء في المادة 3 من قانون الجنسية السوري أنّه “يُعتبر عربياً سورياً من وُلد بالقطر من أم سورية ولم يثبت نسبه لأبيه قانوناً

ونصت المادة 29 من قانون الأحوال المدنية السوري الصادر في 2018 على أنّه “يُلزم أمين السجل المدني بتسجيل اللقيط، وينظم له وثيقة ولادة ويكون محل الولادة المكان الذي عُثر عليه فيه، ويمنحه اسماً واسماً للأب وللأم وللجد، ويكون اسم الجد كنية للطفل”

المصدر : نبـض.

Journalist
Author: Journalist

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى