إنغوشيتيا تحتضن أهل غزة: نموذج عن تكافل المسلمين في روسيا
نبيل الجبيلي نقلاً عن “الجزيرة”
عام مضى على وجود قرابة 200 لاجئ غزيّ من بين الذين حالفهم الحظ واستطاعوا عبور معبر رفح صوب روسيا الاتحادية، بُعيد اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.. هؤلاء استطاعوا السفر إلى روسيا من خلال خطة اتّبعتها الحكومة الروسية من أجل إجلاء أقارب وذوي الأفراد الحاصلين على الجنسية الروسية.
استطاع هؤلاء الغزّيون النجاة من آلة الحرب الإسرائيلية وجحيمها، ثم الوصول بسلام إلى وجهاتهم الأخيرة، في جمهوريات ومناطق روسيا الاتحادية.
في حينه، كان لي الشرف أن أكون من بين الأشخاص الذين استقبلوا هؤلاء الأبطال في جمهورية إنغوشيتيا، كما تسنى لي متابعة أمورهم الحياتية وسبل تأقلمهم في المجتمع الروسي الجديد.
هنا، في إنغوشيتيا استقرّ الغزّيون تحت رعاية رئيس البلاد محمد علي كاليماتوف، الذي يشرف شخصيًا على تأمين كل احتياجات اللاجئين. فقد أقاموا منذ اليوم الأول في فندق “آسيا” في مدينة نزران، الذي يتميز بموقع مميز يطلّ على بحيرة صغيرة، ويحيطه من كل الجوانب حدائق عامة وأماكن ترفيهية وألعاب للأطفال.
بعضهم بدأ يتكيّف مع نمط العيش الروسي، على الرغم من بعض الصعوبات في التأقلم، لأنّهم – بكل بساطة – لا يعرفون متى وكيف سيعودون إلى مدينتهم المنكوبة غزة. بينما بعضهم الآخر فقد الأمل في العودة باعتبارها أمرًا صعبًا، وذلك لمعرفتهم عمق التعنّت الإسرائيلي ووحشيته، ولعلمهم بأنّ إسرائيل لن تسمح لأيّ فلسطيني غادر الأراضي المحتلة بالعودة إليها.. والأدلة على ذلك في بلدان الشتات، فهي تشهد على الكثير من المآسي المشابهة.
إعلان
أمّا عامل اللغة (اللغة الروسية)، فشكل هو الآخر عائقًا أمام السرعة في التأقلم وخوض معترك الحياة كسائر أبناء روسيا، وإنغوشيتيا على وجه التحديد.
من بين الإجراءات المتبعة للسهر على راحة الضيوف الفلسطينيين، أن الرئيس الأنغوشي شكل لجنة خاصة تحت إشراف ومتابعة السيناتور في الدوما الروسي بيلان بهاء الدينوفتش خامشييق، يعاونه في إدارتها عدد من الوزراء: (وزير الداخلية، وزير الصحة، وزير التعليم، وزير السياسات الخارجية والإعلام)، وقد مكّنت تلك اللجنة كل التلاميذ، من صف الروضة وصولًا إلى الصفوف الثانوية، من الدخول إلى المدارس حتى يبدؤوا عامًا دراسيًا أُطلق عليه اسم “الصف التحضيري”. أي إنها فترة تحضيرية يتعلم فيها التلاميذ اللغة الروسية، ثم يدخلون من بعدها المنهج الدراسي كما سائر التلاميذ الروس.
اليوم.. وبعد مرور سنة، أبلغت الحكومة أفراد الجالية الموجودة في إنغوشيتيا بأنهم أصبحوا مواطنين فعليين، يشتركون ويعملون لتنمية المجتمع المحلي الإنغوشي، من دون تركهم في حال سبيلهم
من أجل ذلك زُوِّد هؤلاء التلاميذ الـ117 بالزي الخاص بالمدارس، وكذلك الشنط وكل ما يلزم. بينما قدمت اللجنة المساعدة الضرورية واللازمة للأشخاص البالغين من أجل الاندماج من خلال توظيفهم، كلٌ بحسب اختصاصه، ومن صور ذلك:
- مستشفيان حكوميان روسيان حضنا أطباء في مجالات طبية مختلفة.
- طبيب أسنان بات فردًا من عيادة متخصصة.
- عائلتان فلسطينيتان افتتحتا مطعمين يقدمان الأكل الفلسطيني، قُدمت لهما المساعدة.
- مهندس فلسطيني عُيّن بوظيفة محترمة في مطار غروزني (جمهورية الشيشان).
بعض الآنسات الفلسطينيات المكافحات قمن بالعمل كمعلمات لغة عربية.. والتحضيرات جارية لتمكين من تبقى فور إتقانهن اللغة الروسية، حتى يتمكنّ من إيجاد فرص عمل.
اليوم.. وبعد مرور سنة، أبلغت الحكومة أفراد الجالية الموجودة في إنغوشيتيا بأنهم أصبحوا مواطنين فعليين، يشتركون ويعملون لتنمية المجتمع المحلي الإنغوشي، من دون تركهم في حال سبيلهم.
بل على العكس، قامت الحكومة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية بدفع مبلغ 140دولارًا شهريًا لكل طفل حصل على الجنسية الروسية، وذلك حتى بلوغ كل طفل منهم سن الثامنة عشرة، وقيمته تزداد كلما سُويت أوضاعهم وحصلوا على المستندات الخاصة بالجنسية.
المفاجأة السعيدة حصلت قبل أيام، إذ قرّر رئيس اللجنة بيلان بهاء الدينوفتش خامشييق، المكلف برعاية اللاجئين، تقديم “هبة” هي عبارة عن “كفالة نقدية” شخصية لمدة سنة كاملة، تؤمن لهم السكن والغذاء، وقد أعطيت لكل العائلات الفلسطينية حتى تتمكن من العيش بكرامة، علّ هذه السنة تكون ضمانة لهم من أجل تأقلمهم وتمكينهم من الاستمرار دون مصاعب.
ويُعدّ السيد بيلان من أشدّ المناصرين للقضية الفلسطينية في إنغوشيتيا، وهو رجل دولة وسياسي مسلم حاصل على دكتوراه في العلوم الاقتصادية. كما أنّه عضو مجلس الشيوخ في الاتحاد الروسي ممثلًا جمهورية إنغوشيا في السلطة التشريعية لروسيا الاتحادية منذ عام 2016.
زار بيلان الأراضي الفلسطينية أكثر من مرة قبل “طوفان الأقصى”، وكان دائمًا يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ويطالب بتنفيذ القرارات الدولية، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الشرعية. كما أنه حائز الجنسية الفلسطينية الفخرية منذ العام 1998، لجهوده المستمرة في مساعدة أهل فلسطين.
لم يكتفِ بيلان بهاء الدينوفتش هذه السنة بالهبة التي قدمها إلى الفلسطينيين، وإنما وعدهم بالاستمرار بدعم العائلات التي غاب عنها رجالها قسرًا، لعدم سماح الاحتلال للعديد منها بعبور معبر رفح، والمكونة من السيدات مع الأطفال.. حتى لو استمر هذا الأمر طويلًا.. إلى حين أن ينصر الله غزة.
هذا مع العلم أنّ الضيوف الفلسطينيين يلقون تعاطفًا شعبيًا كبيرًا وسط أهل إنغوشيتيا المسلمة، الذين يهرعون لتقديم المساعدات العينية لإخوتهم وأخواتهم، وكان آخر تلك المساعدات 6 طائرات محملة بالمساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب.