هل تزيد الحرب لهيب شهر آب؟!
“شهر خطر”. كلمتان تختصران واقع شهر آب في لبنان. منذ القديم يسمّيه أجدادنا “آب اللهّاب”. إنّه الشهر الأكثر حرارة في السنة. ومع التغيّر المناخيّ وموجات الحرّ العالية التي تضرب الكرة الأرضيّة، أصبح أكثر لهيباً. في فرنسا، مثلاً، تسبّبت موجة الحرّ بحرائق في العديد من المناطق، وبجفاف غير مسبوق، وهو ما اضطرّ الدولة إلى اتّخاذ تدابير، منها منع غسل السيارات وريّ الحدائق. الإنسان أهمّ. هذا في دول العالم المتحضّر. أمّا في الدول المتخلّفة فيأتي الإنسان في أسفل سلّم أولويّات الحكّام. وفي الدول الفاشلة كلبنان، لا اعتبار للإنسان ولا قيمة لحياته. فكيف إذا كانت دولة فاشلة وتحكمها ميليشيا؟! لذلك تحوّل لبنان إلى “جهنّم”. وهو اليوم معرّض لخطر الحرب في “آب اللهّاب”.
أتى آموس هوكستين. شارك في “مسرحية” المفاوضات في بعبدا مع الرؤساء الثلاثة وآخرين. “مسرحية” أراد اللاعب اللبنانيّ من خلالها إظهار اتّفاقه في قضيّة ترسيم الحدود البحريّة مع العدوّ الإسرائيلي، وبثّ أجواء إيجابيّة بقرب التوصّل إلى اتّفاق. ولكنّ الواقع غير ذلك. ما إن انتهت فصول “المسرحية” حتى تبيّن أنّ الوسيط الأميركي لم يحمل جواباً حاسماً من الجانب الإسرائيلي. فلا اتّفاق على الخط 23 المتعرّج. ولا على “قانا مقابل كاريش”. الإسرائيلي يطالب بجزء من البلوك رقم 8! وهو مطلب قديم لديه. في كلّ الأحوال المفاوضات ليست في بعبدا. لذلك سمّيناها “مسرحية”. إنّها في الضاحية. فمنذ إطلاق المسيّرات فوق حقل كاريش أصبحت مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بين الضاحية وتل أبيب مباشرةً. وهي تجري على حافة هاوية الحرب! فهل تقع الحرب؟ الكلّ ينفي. الأمين العامّ لحزب الله قال أكثر من مرّة إنّه لا يسعى إلى الحرب. ولكنّه أضاف “إذا كان الخيار عدم مساعدة لبنان ودفعه باتجاه الانهيار ومنعه من استخراج الغاز، فإنّ التهديد بالحرب، بل والذهاب إليها، أشرف بكثير”! وقد أطلق حزب الله عدّة إشارات إلى أنّه إذا ما وقعت الحرب هذه المرّة، لن تنطلق فقط من جنوب لبنان، إنّما من الجولان ومن قطاع غزّة أيضاً. في هذا الإطار يمكن إدراج زيارة إسماعيل هنيّة منذ أسابيع للبنان ولقائه السيّد نصرالله في الضاحية وصدور بيان أكّد الطرفان فيه أنهما “بحثا تطوّر محور المقاومة والتهديدات والتحدّيات والفرص القائمة”.
الحكومة الإسرائيليّة، من جهتها، تحذّر من الحرب، لكنّ رئيس وزرائها يائير لابيد طلب من آموس هوكستين، الذي رافق جو بايدن في زيارته لإسرائيل، السعي إلى التوصّل إلى اتفاق “في أقرب وقت ممكن” تفادياً لمواجهة شاملة مع حزب الله. الوسيط الأميركي، من جهته، يصرّ على أنّ “الطريقة الوحيدة للتوصّل إلى حلّ لهذا النزاع الطويل الأمد هي طاولة المفاوضات”.
من هنا، وعلى الرغم من تأكيد الطرفين، حزب الله وإسرائيل، نيّتهما عدم الذهاب إلى الحرب، يبقى خيار الحرب قائماً. والسبب أنّ طرفَيْ الصراع يلعبان اليوم “لعبة صولد” خطرة للغاية، كما يصفها صديق مطّلع على خفايا الأمور. كيف؟
1- حزب الله يعتبر أنّه إذا لم يحصل لبنان على حقوقه قبل بداية شهر أيلول المقبل، فلن يكون بمقدوره تحصيلها. في شهر تموز الفائت توجّه حسن نصرالله إلى المسؤولين اللبنانيين قائلاً: “لا تسمحوا للأميركي بخداعكم وإضاعة الوقت، وإذا لم تثبتوا حقوقكم قبل أيلول، فإنّ الأمور ستكون مكلفة بعد هذه المهلة”. والسبب، كما أصبح معلوماً، أنّ اسرائيل تريد البدء باستخراج الغاز من حقل كاريش ابتداء من شهر أيلول لتزويد أوروبا قبل حلول فصل الشتاء. لذلك يقوم الحزب بتكثيف الضغوط من خلال المسيّرات وغيرها من الوسائل العسكريّة، خلال هذا الشهر. وهذه الضغوط إمّا تأتي أُكلُها ويحصل لبنان على مطالبه بالحصول على حقل قانا كاملاً دون المساس بأيّ من البلوكات، أو تنزلق الأمور إلى حرب، تأكل اليابس، إذ لم يعُد هناك من أخضر في لبنان. نصف الجواب الذي حمله هوكستين لا يشير إلى أنّ لبنان سيحصل على ما يريده بالكامل.
2- الإسرائيلي، كما الأميركي، يعتبر أنّ لبنان هو المأزوم. قالها هوكستين للّبنانيين في زيارات سابقة: “you have nothing”. بالتالي الضغوطات الخارجيّة، التي تُضاف إلى الضغوطات الداخليّة، ستجعله يرضخ ويقبل بما يُعرض عليه. من جهة أخرى، يرفض الإسرائيلي القبول بالمطالب اللبنانيّة تحت ضغط مسيّرات حزب الله لأنّ هذا من شأنه تشجيع حركة حماس على فعل الشيء نفسه في مياه قطاع غزّة حيث تقوم إسرائيل باستخراج الغاز والنفط.
3- ما يزيد القضيّة تعقيداً أنّ الوسيط الأميركي لا يحمل العصا من الوسط. فهو حليف إسرائيل. ويهدّد لبنان. وما يزيد من عدم حياديّته أنّه إسرائيلي المولد والهوى، وربّما الانتماء أيضاً. لذلك يقوم بالضغط على لبنان لتخفيف المطالب. بينما يقوم بالاستماع إلى المطالب في إسرائيل وينقلها إلى لبنان.
بالتالي لم تُحسم القضيّة بعد. منتصف آب سيعود هوكستين. ولكن من اليوم حتى عودته أيامٌ وليالٍ بعض منها عاشورائيّة، وشعارها “هيهات منّا الذلّة”. فهل تخرج الأمور عن السيطرة وتنزلق إلى الحرب لتزيد على اللبنانيين لهيب شهر آب وما بعد آب؟!
كلّ شيء وارد مع الحزب الذي لا يُقيم لآلام اللبنانيين أيّ اعتبار، وأذلّهم برغيف الخبز نتيجة خياراته السياسيّة، خاصّة أنّ محوره مأزوم من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، على خلاف ما يُشيع.
المصدر : أساس ميديا.