تابعوا قناتنا على التلغرام
منوعات

صرخة اللبنانيين المياومين في الحجر المنزلي: “الفقر فيروس يفتك بنا”

تسلل فيروس كورونا إلى لبنان، وفي غضون أسابيع، أُجبر العدد الكبير من اللبنانيين على البقاء في بيوتهم بقرار اتخذته الحكومة، فرضت من خلاله إغلاق المؤسسات الخاصة والعامة للحدّ من انتشار المرض، إلا أنه، وعلى عكس الدول الغربية التي تعمل على تأمين احتياجات المواطنين، طلبت الدولة من اللبنانيين عدم العمل والتزام المنازل، أما كيف يمكنهم العيش من دون مدخول فأمر لم تُعره أي أهمية. مئات آلاف العمال المياومين أصبحوا من دون مصدر رزق، فكيف سيمكنهم الصمود لا سيما إذا تم تجديد القرار؟

العودة إلى التنور

وكأن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون لم تكفِ لتدميرهم، حتى جاء الفيروس بالضربة القاضية عليهم؛ طارق أمون من بلدة إيزال ـ الضنية، واحد من الشباب الذين كُتب عليهم أن يجلس في المنزل من دون عمل، فمالك محل كهرباء السيارات كانت يوميته 50 ألف ليرة، بالكاد يدفع إيجار المنزل ويشتري حاجياته، إلا أنه الآن، كما قال، ينتظر الفرج والعودة إلى فتح باب رزقه، شارحًا أن الوضع مزرٍ بكل ما للكلمة من معنى، نعم، إيجار بيتي ليس كبيراً، 200 ألف ليرة فقط، إلا أنني إذا لم أعمل لا يمكنني أن أشتري الطعام لزوجتي ومساعَدة والديّ بتأمين الأدوية لهما، حيث يصل ثمنها إلى 300 ألف ليرة، ولكي لا نموت من الجوع اضطررنا إلى العودة للخبز على التنور”. وأضاف أن “الجلوس في المنزل خطر علينا كالفيروس، فنحن سنموت إذا لم نستطع تأمين الطعام والشراب”، متسائلاً: “أي دولة هذه التي تفرض على مواطنيها عدم العمل من دون أن تضع خطة للطبقة الفقيرة كي تتمكن من البقاء على قيد الحياة؟!”.

الخشية من الطرد

كما طارق، كذلك حال محمد أبو جخ (31 سنة) من بلدة غزة ـ البقاع الغربي، الذي يعمل مياوماً في منشرة للأخشاب، حيث شرح : “عندما أصدر رئيس الوزراء القرار، لم يلتزم مالك المنشرة بداية، فتح باب رزقه، إلا أن القوى الأمنية حضرت وأغلقته، غير آبهة بأننا مسؤولون عن عائلات، وإذا لم نعمل لا يمكننا العيش، فأنا والد طفل يبلغ من العمر سنة ونصف السنة يحتاج الى حليب وحفاضات”. وأضاف: “يوميتي 25 ألف ليرة، إيجار منزلي 300 ألف ليرة في الشهر، رفض مالك المنزل أن يسامحني بعدم الدفع، لذلك أخشى أن يطردني آخر الشهر”، لافتاً إلى أنّ “لا مانع لديّ من البقاء في البيت شرط أن تقوم الدولة بتأمين الطعام لعائلتي”.

قرارات صعبة

من جانبه، تحدث جميل الرز (46 سنة) من حلبا – عكار عن معاناته، فهو الوالد لخمسة أبناء، توقف رزقه بداية عندما أغلقت المدارس أبوابها كونه يملك باصًا لنقل الطلاب، ليبدأ بعدها العمل على خط طرابلس، لكن مع قرار منع الباصات من السير وجد نفسه من دون عمل. قال : “الوضع أكثر من مزر، الباص غير قانوني ولا يمكنني تسجيله كونه على المازوت، فالمسؤولون أدخلوا الباصات ثم أصدروا قرار إيقافها عن العمل، ومع ذلك كانت يوميتي 25 ألف ليرة، اليوم أعيش على الدين، وقد اتخذت قرار بيع هاتفي من أجل شراء الطعام لأولادي، وإذا طال الأمر سأضطر إلى بيع الباص”، لافتاً إلى أنه “أصبح طعامنا اليومي برغل على شعيرية ومجدرة، أحمد الله أنني لا أدفع إيجار المنزل”، وأضاف: “أين الدولة من الفقراء؟ كيف لنا أن نستمر في العيش في هكذا أوضاع؟”.

الخوف من المجهول

الحال واحدة عند الكثير من اللبنانيين. أحمد عكاري (دهّان) من باب التبانة، وجد نفسه من دون عمل كذلك، وقال: “بدأ تراجع عملي عندما أخذ سعر الدولار بالتلاعب، وازداد الأمر سوءاً عند اندلاع الثورة، حيث تعتبر مصلحتي من الكماليات، ومع قرار الحكومة وقف العمل أُغلق باب رزقي بشكل كامل”، لافتًا إلى أنه “كانت يوميتي 50 ألف ليرة، مصروف لي ولزوجتي الحامل بالشهر السابع، الحالة تعتير الآن، بدأتُ الإجراءات التقشفية، فقد نسينا الفيروس المستجد لنركّز على طعامنا وشرابنا، اقتصرنا الطبخ على المجدرة والبطاطا المسلوقة، غيّرت نوع الدخان إلى الأقل سعراً، وأحاول جاهداً ألا أستدين من أحد، لا بل أن أوضاع أقاربي ليست أفضل حالاً، ويساعدني والدي وشقيقي قليلاً، لكن إذا بقي الحال على ما هو عليه لا أعلم إلى أين سأصل، فبعد شهرين ستضع زوجتي طفلنا وأنا لا أملك 250 ليرة”، وفق تعبيره.

رسالة ألم

صرخة مماثلة أطلقتها سوسن جرادي (من الجنوب سكان الضاحية) التي قالت: “زوجي سائق سيارة أجرة، تراجع مدخوله بشكل كبير، حيث يخشى الكثيرون من الصعود معه من الفيروس الذي استيقظنا فجأة على انتشاره في العالم، لذلك اقتصر العمل على ساعتين في اليوم بدلاً من 8 ساعات في السابق، وهو اليوم عاجز عن تأمين حاجياتنا، كل ما في وسعه شراء وجبة واحدة من الطعام، وأنا توقف عملي في مجال التجميل، فمن يسأل الآن عن الكماليات؟! والحال مماثل لدى ابني الذي كان يعمل في أحد المطاعم، وابنتي الموظفة في مول تجاري”، وأضافت: “في الأمس أرسلت رسالة إلى مكتب السيد محمد حسين فضل الله، شرحت فيها أني لا أطلب معونة لكن على كل بلدية ـ لا أريد أن أقول الدولة ـ أن تؤمّن لمواطنيها لوازم الحجر الصحي، فنحن لا نملك أموالاً في المصارف كي نعيش، وإذا احتجنا لدواء لا يمكننا الحصول عليه، فحتى المعقمات سأعاود شراءها بالدين”.

لخطوات جدية

“في أزمة الكورونا لا بيئة حاضنة في لبنان للعمل في المنزل، الاقتصاد المعرفي تمت محاربته عن دراية أو من دونها في بداية أزمة المصارف، حيث مُنع تحويل الأموال إلى الخارج، وكل الشركات التي تعمل على مواقع التواصل الاجتماعي تمت محاصرتها، ليُطلب بعدها من المواطنين العمل من بيوتهم، في وقت خدمة الإنترنت ضعيفة، والكهرباء في وضع مزر، إضافة إلى وجود العديد من الأعمال التي لا يمكن القيام بها عن بُعد”، بحسب ما قاله الخبير الاقتصادي جهاد الحكيم، مضيفاً: “اقتصاد لبنان خدماتي، يرتكز على السياحة، هناك مطاعم ليس لديها خدمة الدليفري، ما يعني أن آلاف العائلات تضررت، إضافة الى الموظفين المياومين، كذلك تضرر العديد من أصحاب المصالح كمالكي السناك، فمنهم من يستند على مدخوله اليومي، ومنهم من لديه ديون يجب تسديدها”، لافتاً الى أن “الحديث عن تقلص الاقتصاد اللبناني بدأ قبل أزمة كورونا، ومع الأزمة المستجدة سيتقلص حجمه بشكل غير مسبوق، الطبقة الفقيرة ستزداد فقراً، وأعداد كبيرة من الطبقة الوسطى ستجد نفسها أنها أصبحت في عداد الطبقة الفقيرة”، مشدداً أنه “في البلدان الأجنبية تقوم الدولة بإعفاء المواطنين من فواتير المياه والكهرباء وإيجار المنزل إضافة إلى تأمين الطعام، وإذا لم تتخذ الدولة اللبنانية خطوات جدية للتخفيف من حدة الأزمة الحالية فإنها بذلك تسرّع من الانفجار الاجتماعي وتزيد من وتيرته”.

المصدر: النهار

Reporter
Author: Reporter

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى