أموال المودعين بين مطرقة الدولة وسندان المقترضين
كتب سليم مهنا (*) :
سنوات ثلاث مرت من عمر الأزمة المصرفية والمالية ولا تزال الحلول بعيدة المنال في ظل تخبط تام وغموض في حجم الخسائر، والضحية الأولى لهذه الأزمة كانت أموال المودعين الذين وقعوا بين مطرقة الدولة وسندان المقترضين.
سنوات ثلاث توجهت خلالها شتى أنواع الاتهامات للمصارف وأصحابها ولم يحاول أحد البحث في جذور المشكلة والأسباب الحقيقية الكامنة وراء تمنع المصارف عن دفع الودائع بقيمتها الحقيقية وفقا لما تنص عليه القوانين التي ترعى عملها، ولم يلتفت أحد الى تقصير الدولة ولا الى دور المقترضين الذين استفادوا من ثغرتي سعر الصرف وتمديد المهل ليتمتعوا بأموال كانوا قد اقترضوها واستثمروها في مشاريعهم وها هم يعيدونها بفتات قيمتها، فيما يمتنع قسم كبير منهم عن السداد بحجة الظروف الاقتصادية الطارئة.
إن تحميل المصارف وحدها المسؤولية الكاملة عن احتجاز أموال المودعين يفتقد – في أحد جوانبه – الى المنطق والموضوعية، ويتعمد التركيز على مسؤولية الجهاز المصرفي وصرف نظر الجمهور عن أسباب المشكلة ومسؤولية الدولة في هذا الشأن الحيوي.
لقد وظفت المصارف وبنسب متفاوتة جزءا هاما من أموال المودعين لدى مصرف لبنان، الذي قام بدوره بإقراض هذه الأموال للدولة عبر سندات الخزينة، فيما ذهب الجزء الأكبر من توظيفاتها لقروض الأفراد والمؤسسات والشركات الخاصة، وهو ما يقع في صميم عملها كجهة تتلقى الودائع وتعيد إقراضها.
وبعد حركة تشرين ٢٠١٩ وما تلاها من أحداث توقف مصرف لبنان عن سداد ديونه للمصارف وأعلن عبر تعاميم خاصة عن إسداء اموال الودائع بالليرة اللبنانية بدلا من الدولار النقدي، فانهارت قيمة الليرة وانهار معها سعر الشكات المصرفية، واتيحت الفرصة للمدينين من القطاع الخاص لإيفاء ديونهم المعنونة بالدولار بما يعادل قيمتها بواسطة الشكات المصرفية، او بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي اي 1507.5 مما أكسبهم أرباحا طائلة على حساب المودعين.
بناء عليه كيف ستستطيع المصارف إعادة أموال المودعين بقيمتها الفعلية أي fresh فيما هي مجبرة على استيفاء ديونها بالشكات المصرفية او بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي؟
دفعا لهذا الظلم اللاحق بالمودعين كأصحاب حقوق، وإنصافا للمصارف كمتهمين أساسيين، ينبغي ان تقوم الدولة باتخاذ ما يلزم من إجراءات عادلة لضمان حقوق المودعين والمصارف معا، اولا عبر إعادة أموال المصارف بقيمتها الفعلية، وثانيا عبر إيجاد الحلول المناسبة لاستيفاء القروض وأبرزها التمييز بين ديون الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية والذين يحتاجون فعلا لدعم سداد قروضهم على سعر صرف منخفض، وبين رجال الأعمال والمستثمرين الذين اقترضوا هذه الأموال وقاموا بتوظيفها في مشاريعهم وحققوا أرباحا مهولة على حساب غيرهم.
إن تخلف الدولة وغيابها عن القيام بواجبها ومسؤوليتها عن حفظ حقوق المودعين هو الأمر الأساس في هذه القضية، من دون ان نغفل مسؤولية بعض إدارات المصارف الذين افرطوا في ثقتهم بالنظام المالي العام وتورطوا بديون كبيرة مع مصرف لبنان والدولة.
(*) باحث اقتصادي، ومؤلف كتاب العمل المصرفي واستراتيجية التسويق