الاتفاق مع الصندوق خطوة قد لا تكتمل !
لا شكّ أنّ توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي هو الخطوة الاولى في مسار الاصلاح وإطلاق خطة النهوض، ويمهّد الطريق ويضع حجر الاساس للمجلس النيابي الجديد والحكومة المقبلة، لبلورة بنود هذا الاتفاق «المشروط» بإجراءات أولية مسبقة قبل عرضه على مجلس ادارة صندوق النقد الدولي للحصول على موافقته، وبالتالي تحرير التمويل المتفق عليه.
تنصّ هذه الاجراءات الشروط على موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والاعتراف بالخسائر الكبيرة في القطاع ومعالجتها، وعلى موافقة مجلس النواب على إقرار استراتيجية إعادة هيكلة البنوك، وهو تشريع سيفتح من جديد معركة بين الاطراف المعنيّة. بالاضافة الى الشروع في تقييم مدعوم خارجياً لكل بنك على حِدة لأكبر 14 بنكًا، تعديل قانون السرية المصرفية، استكمال التدقيق لتبيان وضع الأصول الأجنبية في مصرف لبنان، موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة المدى لإعادة هيكلة المالية العامة والديون، موافقة مجلس النواب على موازنة 2022، وتوحيد مصرف لبنان لأسعار الصرف لعمليات الحساب الجاري المصرّح بها.
وكان لافتاً في هذا الاطار ما صَرّح به رئيس الوفد المفاوض مع صندوق النقد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي إثر الاعلان عن توقيع الاتفاق، بأن «الوقت ثمين جداً وإن كلفة الانتظار باهظة جداً»، مما يعني ان التأخر في استكمال الاجراءات الاولية المطلوبة سيُفاقم الأزمة وربما ينسف ما تمّ الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي نتيجة تدهور الوضع المالي والاقتصادي أكثر وأكثر مع مرور الوقت، خصوصا في حال تم ترحيل تلك الاجراءات الى ما بعد الانتخابات النيابية والى حين تشكيل حكومة جديدة.
وللتذكير، فإنّ تجارب لبنان مع التمويل المشروط الذي يتعهّد به المجتمع الدولي ليست مشجعة، ليس بسبب نكس الجهات الدولية بوعودها بل لأن السلطات اللبنانية تتقاعس في تنفيذ الشروط الاصلاحات، وأكبر دليل على ذلك مؤتمر «سيدر» الذي حصل لبنان بموجبه في نيسان 2018، وأيضا قبَيل الانتخابات النيابية كما هو الحال اليوم مع صندوق النقد الدولي، على تعهدات مالية بقيمة 11 مليار دولار، لم يحصل على أي منها بسبب عدم تطبيقه للاجراءت المطلوبة لتحرير تلك الاموال.
لذلك، فإنّ سؤالا يطرح نفسه: هل انّ الطبقة السياسية نفسها التي حرمت لبنان من تلك الاموال بسبب معارضتها الاصلاحات المطلوبة، ستعمد اليوم الى تطبيقها؟
اعتبر البعض انه بوجود الطبقة السياسية الفاسدة نفسها، فإنّ الاتفاق مع الصندوق ليس سوى «مهدىء آخر، بانتظار لحظة الارتطام»، او «فرصة لتعويم الطبقة السياسية»، في حين شدد آخرون على انّ «العبرة تبقى في التنفيذ» وانّ «الشيطان يكمن في التطبيق»…
المبيّض
في هذا الاطار، شرحت الخبيرة الاقتصادية عليا المبيّض ان بنود الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي وضعت خارطة طريق واضحة امام الحكومة الحالية ومجلس النواب والحكومة المقبلة، حول الاولويات الضرورية التي يجب تجهيزها في الاسابيع والاشهر المقبلة وعند انطلاق عمل الحكومة الجديدة، مشيرة الى انّ الاتفاق المبدئي والاجراءات الاولية المطلوبة ضمنه، هما المسار التقني الذي يتوجّب على لبنان اتّباعه للوصول الى مجلس ادارة الصندوق في المرحلة الأولى فقط. ولكن هناك المزيد من العمل المطلوب على بنود أخرى، وهناك المزيد ممّا لا نعرفه بعد عن مسار وتوقيت الإصلاحات الضرورية الأخرى لتحقيق الاهداف العامة الاربعة للبرنامج كما عرضها الاتفاق.
واعتبرت انه من الصعب جداً تنفيذ الاجراءات الاولية قبل الانتخابات النيباية لأنّ المطلوب كان من المفترض ان يتم تحضيره تقنياً خلال العامين الماضيين، مشددة على ان كافة البنود التي تمّ الاتفاق عليها مع الصندوق يجب تحقيقها قبل طلب موافقة مجلس ادارته على الاتفاق الموقّع مع لبنان، وذلك للتأكيد على التزام السلطات اللبنانية مسار الاصلاح الطويل.
واوضحت لـ«الجمهورية» انّ ما هو مطلوب من قبل الصندوق، أساسيّ من الناحية التقنية من اجل الحصول على موافقة مجلس ادارة الصندوق، «من الضروري إقرار استراتيجية للاصلاح المالي على المدى المتوسط بدءاً من موازنة 2022، وبناءً عليه، اعتماد استراتيجية لإعادة هيكلة المصارف وتحديد الخسائر الناجمة عن الاقتطاعات على الودائع وسندات اليوروبوندز، مع تأمين حماية صغار المودعين… وبالتالي تُعتبر كافة الاجراءات المطلوبة ضرورية من اجل اكتمال ملف لبنان، وتتطلب أكثر من شهر ونصف لإعدادها وتأمين مقبولية مجتمعية حولها، مما يحتّم استحالة حصولها قبل موعد الانتخابات، واستحالة رفع طلب لبنان الى مجلس ادارة الصندوق قبل الانتخابات».
وتمنّت المبيّض في هذا السياق، عدم «التسرّع» في إقرار تلك الاجراءات في فترة زمنية قصيرة، «في الغرف السوداء» وفي غياب الشفافية ودراسة الأثر ومن دون نقاش مجتمعي، لا سيما في غياب الثقة التامة بين السلطة السياسية من جهة وغالبية المجتمع من جهة أخرى. «فكلّ التجارب في العالم تشير إلى أن غياب الالتفاف المجتمعي حول مسار الإصلاحات يهدّد استدامتهاعلى المدى المتوسط والبعيد».
في المقابل، اعتبرت ان الاجراءات المرتبطة بمجلس الوزراء قد يتم تداولها وربما إقرار بعضها قبل موعد الانتخابات على غرار إقرار الاستراتيجية المتوسطة المدى لإعادة هيكلة المالية العامة والدين العام، حيث انه من المفترض ان تكون وزارة المالية قد وضعت تصوّراً عن خطة الاصلاح المالي؛ تبني عليه لجنة الرقابة على المصارف لوَضع استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والاعتراف بالخسائر في القطاع ومعالجتها، وفقاً لسيناريوهات مختلفة لنسبة الاقتطاعات على السندات وتوفّر مصادر تمويل أخرى.
وبالنسبة لحجم التمويل المحدّد بـ3 مليارات دولار على مدى 4 سنوات، شرحت المبيّض انه لا يمكن الحصول على موافقة مجلس ادارة الصندوق ما لم يتم تأمين تمويل اضافي لـ3 مليارات دولار من قبل جهات دولية اخرى ثنائية، متعددة الاطراف او غيرها، لأنّ حجم التمويل المتّفق عليه مع صندوق النقد غير كاف لوحده لسدّ الحاجات التمويلية الخارجية للبلاد والمقدّرة بين 6 الى 7 مليارات دولار كل عام (قد تختلف وفقاً لسعر الصرف الذي سيتم اعتماده وللاجراءات المتخذة). وبالتالي، لا يمكن ان يوافق مجلس ادارة الصندوق على برنامج يمتد على عدّة سنوات من دون تأمين التمويل اللازم لأول 12 شهراً من البرنامج والحصول على تأكيدات (assurances) من مصادر تمويل أخرى لسدّ الحاجات التمويلية للسنوات التالية.
كما شددت على انّ اهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا تكمن فقط في حجم التمويل الذي سيوفّره لأنه نقطة في بحر الحاجات التمويلية، بل كونه بوابة للإنخراط في عملية تحوّل للنظام الاقتصادي والاجتماعي إذا ما أراد اللبنانيون ذلك ووفقاً لتطلّعاتهم، يسمح الحصول على تمويل إضافي ودعم تقني ومؤسسي من جهات مانحة اخرى ثنائية او متعددة الاطراف تكون جميعها مربوطة بالاصلاحات الضرورية لتحقيق أهداف البرنامج بالنهوض الاقتصادي والاجتماعي وتحسين الحَوكمة على كل المستويات.
المصدر :
الجمهورية.