هل تزود الدولة التركية أوكرانيا بأسلحة نوعية؟
كتبها سامر زريق في إيلاف
تعد شركة Makina ve Kimya Endüstrisi Anonim Şirketi، والتي تعرف اختصاراً باسم MKE، إحدى أكبر وأعرق شركات الصناعات الدفاعية التركية. هذا القطاع، الذي شهد نهضة هائلة خلال حكم حزب العدالة والتنمية، حتى غزت منتجاته العسكرية والدفاعية من مختلف الأنواع العديد من الأسواق والبلدان، صار موضع اهتمام غربي لافت، خاصة دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”، عقب اندلاع الصراع في أوكرانيا.
لقد عمدت واشنطن بالدرجة الأولى، وكذلك دول أوروبية وغربية متورطة في دعم نظام كييف وقواته المسلحة، إلى التعاقد مع شركات تركية، عبر طرائق متعددة، من أجل تزويد أوكرانيا بأنواع معينة من الأسلحة والصواريخ والمنتجات العسكرية وأنظمة الدفاع. لكن محاولات التوريط تطورت واتخذت بعداً مؤذياً للعلاقات بين موسكو وأنقرة، غداة ظهور اسم الثانية كمورد لصواريخ وقاذفات قنابل إلى القوات المسلحة الأوكرانية.
ما بين الدوافع التجارية و”الخبث” السياسي
رغم أن التعاون الغربي الواسع والمتمدد مع شركات الصناعات الدفاعية التركية يُعزى بشكل أساسي إلى تنافسية أسعار منتجاتها العسكرية، بالمقارنة مع التكلفة الباهظة لمثيلاتها في أميركا والدول الغربية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود طابع سياسي خبيث في ثناياه. ذلك أن القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها واشنطن، لم تتقبل الموقف الرسمي التركي بالحياد في الصراع الأوكراني، وأكثر منه رفضها المشاركة في سلاسل العقوبات الغربية والأميركية على روسيا.
ولذلك، فهي ما برحت تسعى إلى توريطها، بهدف تفخيخ مسار العلاقات الثنائية الروسية – التركية الآخذ في التطور بما ينعكس إيجاباً على مصالح البلدين ونفوذهما الجيوسياسي الواسع والمشترك في الكثير من الأماكن. أبرز الدلائل على هذا الخبث السياسي تكمن في التسريبات المتوالية في الصحافة الغربية حول الصفقات بين شركات الصناعات الدفاعية التركية وأطراف غربية، من أجل تزويد كييف بمنتجات عسكرية، بما يعكس وجود قرار غربي بإماطة اللثام بهذه الطريقة بالذات عن هذا التعاون، الذي من المفترض أن يبقى سرياً، حفاظاً على فعاليته وديمومته.
تشير أحدث التسريبات في هذا الإطار إلى قيام شركة MKE بتزويد أوكرانيا بمجموعة كبيرة من قاذفات القنابل الآلية والذخيرة. الأمر الذي يشكل خرقاً واضحاً لقرار الحكومة التركية وموقفها الحيادي إزاء الصراع، ولا سيما أن هذا السلاح المورد مخصص للجيش الأوكراني لمواجهة روسيا.
صفقات خطرة
الصفقات العسكرية من هذا النوع، سواء تلك السرية أو المعلنة، كانت على الدوام مدار بحث بين موسكو وأنقرة، حيث تشدد الأخيرة على أن هذا النشاط دوافعه الأساسية تجارية بحتة، وتلعب الإغراءات المعروفة في عوالم التجارة دوراً بارزاً في إقبال الشركات التركية على عقد مثل هذا النوع من الصفقات. الأمر الذي يصعب على أنقرة الحيلولة دون حصول هذا النشاط مع أطراف تركية، والذي لا تدعمه ولا تشجع على حصوله.
في المقابل، وإن كانت موسكو تتفهم الدوافع التجارية، فإنها في الوقت عينه لا يمكنها غض الطرف عن العوامل السياسية، حيث تظهر بصمات غربية وأميركية واضحة. كما أنه لا يسعها التهاون إزاء المخاطر التي تواجهها قواتها المسلحة. تندرج الصفقة المشار إليها ضمن الفئة الأخيرة، خاصة أنَّ شركة MKE تنتج أنواعاً كثيرة من البنادق والمسدسات وقاذفات القنابل اليدوية والذخيرة وصواريخ المدفعية والمتفجرات.
اللافت أن الشركة بدأت تنتج مدافع “هاوتزر” طويلة المدى عيار 155 ملم، والتي سبق أن زودت ألمانيا القوات المسلحة الأوكرانية بدفعات من أحدث طراز لها. بالإضافة إلى إنتاج ذخائر مخصصة لمدافع “هاوتزر” وللطائرات المسيرة. علاوة على ذلك، فإن هذه الشركة التي يقع مقرها الرئيسي في العاصمة أنقرة، المنطقة الإدارية “يني محلة” أو المحلة الجديدة، ناحية أمنيات، جادة دوغول، ميدان الأناضول، مبنى رقم 2، هي شركة رائدة في الصناعات الدفاعية التركية، ومملوكة من الدولة.
شركة الدولة
تعرف MKE عن نفسها بأنها تأسست رسمياً بموجب قانون رقم 5591 الصادر سنة 1950 من أجل تلبية احتياجات القوات المسلحة التركية بطريقة آمنة ومستقرة، مع تغطية رأسمالها بالكامل من قبل الدولة، مظهرة دورها البارز في العديد من المجالات والصناعات المتعلقة ببدايات قطاع الصناعات الدفاعية. وتبين أنها نفذت عملية تصنيع أول طائرة تركية مدنية ذات محرك واحد “Uğur 44” في الخمسينيات من القرن الماضي، وأنه كان لها إسهامات بارزة في تصنيع الحديد والصلب ومستلزمات السكك الحديدية.
عام 2000، جرى إزالة الشركة من وزارة الصناعة، وإلحاقها بوزارة الدفاع. اعتباراً من عام 2019، أصبحت MKE من بين 100 أكبر مؤسسة صناعية في تركيا. كذلك تم رفع رأسمالها من 3.3 إلى 5.1 مليار ليرة تركية، كما هو منشور في جريدة السجل التجاري التركي رقم 10825 بتاريخ 5 أيار (مايو) 2023. وتحمل الرقم الضريبي 6111520767.
يدير MKE مجموعة من أبرز الشخصيات في قطاع الصناعات الدفاعية. رئيس مجلس إدارتها عصمت سيحان. ومديرها العام إلهامي كيليتش، ضابط تركي متقاعد، من مؤسسي مدرسة الدفاع الجوي، ولديه خبرة واسعة في مشاريع الدفاع الوطني والرادارات بالشراكة مع الناتو. حاصل على ماجستير في الاقتصاد عام 1999، وماجستير في الإدارة التربوية عام 2005، ولديه دراسات ومساهمات بارزة حول توطين سوق الأسلحة في تركيا.