الغرب يبحث عن “خليفة” لنافالني
نبيل الجبيلي نقلاً عن “عربي 21”
أثارت وفاة المعارض الروسي للكرملين أليكسي نافالني يوم الجمعة الفائت في السجن، موجة تنديد واسعة وهلعا حول العالم، حيث حمّل عدد من المسؤولين الأمميين، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولية من دون حتى أن ينتظروا نتائج التقارير التي ستصدر عن اللجان الطبية الروسية. كما لم يطالبوا بالمشاركة في الكشف على الجثة أو المشاركة في تشريحها لمعرفة سبب الوفاة الذي يمكن أن تكون من قبيل الصدفة.
وتُعد أمراض القلب والأوعية الدموية، واحدة من أكثر أسباب الوفاة شيوعا بين الرجال في روسيا الاتحادية. وتقول إدارة السجن إنّ نافالني الذي توفي داخل السجن حيث كان يقضي عقوبة لمدة 19 عاما بتهمة “التطرف”، لم يكن يعاني من أيّ مشاكل صحية داخل السجن، لكنّ الدول الغربية أصرت على إصدار الأحكام المسبقة.. مما يقدّم مثالا جديدا على “ازدواجية المعايير” الغربية.
وبُعيد انتشار الخبر، دعت وزارة الخارجية الروسية المعترضين إلى “ضبط النفس”، وإلى انتظار النتائج الرسمية لفحص الطب الشرعي. كما رأت الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، أنّ ردّ الفعل “الفوري” لقادة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) على وفاة نافالني “يفضح نفسه”، لأنّ ردود الفعل في نظرها كانت “مُعدة مسبقا”، إذ بعد 15 دقيقة من رسالة دائرة السجون الفيدرالية “بدأ حرفيا تدفق عاصف من الاتهامات”.
استحضار نافالني في ميونخ
وأكثر ما أثار دهشة السلطات الروسية، وجود يوليا زوجة نافالني في المؤتمر الأمني في ميونيخ الذي كان يُعقد بمناسبة الذكرى الـ60 لتأسيسه، حيث نظرت وسائل إعلام غربية بعين الرضى والارتياح لعدم دعوة روسيا إلى المؤتمر رسميا، ولكن من محاسن الصدف أنها وجّهت دعوة إلى زوجة نافالني، بصفة “زوجة مريض سابق في برلين” من أجل التحدث في المؤتمر.
فلماذا فعلت ذلك؟ وكيف انتهى بها الأمر هناك في اليوم نفسه؟ لا أحد يعلم.
وفي حينه، قالت وسائل الإعلام التي كانت تنقل الأحداث من مؤتمر ميونخ، إنّ يوليا (زوجة نافالني) لن تكون من بين المتحدثين، وسيُستعاض عنها بشخصية روسية معارضة للرئيس بوتين، هي إيكاترينا شولمان التي ستتكلم بدلا منها، ولكن فجأة ظهرت يوليا في المؤتمر، وقالت: “أريدهم أن يعرفوا أنهم سيعاقبون على ما فعلوه ببلدنا، وبعائلتي، وبزوجي”، وأضافت أنها لا تملك تأكيدا حول موت زوجها.
من المستفيد؟
ومن الصعب تصديق مثل هذه المصادفات، خصوصا أنّ أيّ شخص عاقل وغير متحيّز، يستنتج أنّ آخر ما تحتاجه السلطات الروسية في هذا التوقيت الدقيق، وقبل شهر من الانتخابات الرئاسية، هو وفاة معارض مثل نافالني.
وتصنّف السلطات الروسية نافالني عميلا لصالح الغرب، وقد انتشرت بعد وفاته مقاطع فيديو له يجالس شخصا في إحدى العواصم الأوروبية، قالت وسائل إعلام روسية إنّه عميل في الاستخبارات البريطانية (MI6) يطالبه نافالني بالحصول على الأموال من أجل تنظيم “ثورة ملوّنة” ضد بوتين.
ولو تسنى لنافالني فرصة الخروج من السجن، لكان ربّما قُتل على يد أحد أفراد عائلات الجنود الذين قضوا في الحرب التي يمولّها الغرب في أوكرانيا، أي من يدعمون نافالني، خصوصا بعد أن عارض ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، كما رفض دعم التدخل العسكري الصريح في أوكرانيا، مما أدى إلى تناقص شعبيته بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
فرصة لزيادة الضغوط
ومن المصادفات الغريبة أيضا، أنّ وفاة نافالني جاءت مباشرة بعد المقابلة التي أجراها الرئيس بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون قبل أيام، وأوضح خلالها للجمهور الغربي أنّ موسكو مستعدة للحوار من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن وفاة نافالني عادت لتقدم صورة معاكسة.
وفي علم الجرائم الجنائية، أول ما يقوم به المحققون عادة، هو البحث عن المستفيد الحقيقي من الجريمة، وفي حالة نافالني فإنّ المستفيد الحقيقي ليس روسيا على الاطلاق، وإنّما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يبحثان عن نقاط ضغط إضافية ضد موسكو، خصوصا قبيل الانتخابات التي يقول الخبراء الغربيون إنّ فوز بوتين فيها قد يكون سهلا ومضمونا. ولهذا فإنّ وفاة شخصية معارضة رئيسية مثل نافالني قد تصبح حجّة إضافية للغرب من أجل رفض الاعتراف بشرعية قيادة البلاد.
البحث عن البديل
ويرى الخبير في الشؤون السياسية في موسكو، سيرغي ماركوف، أنّ وفاة نافالني “لن تؤثر بأيّ شكل على المشهد السياسي داخل روسيا، ولكنّها ستُستخدم حتما في الخارج من أجل تشويه سمعة الانتخابات الرئاسية”، وخصوصا مع تنامي شعبية بوتين إلى ما فوق 75 في المئة في الآونة الأخيرة.
ويبدو أن الغرب سيقوم بالتسويق لفكرة أنّ نافالني كان سياسيا موهوبا للغاية، وربّما يروّجون لفكرة أنه كان يشكل تهديدا حقيقيا على سلطة بوتين.
وبعدما حُكم على نافالني بالسجن 19 عاما في السجون الروسية، تحوّل نافالني إلى ورقة خاسرة، ولهذا ربّما سيتحوّل الغرب للبحث عن شخصية جديدة لقيادة المعارضة الروسية، وأخذ مكان نافالني قبل الانتخابات.
وكثيرا ما تتناول وسائل إعلام روسية هذه النظرية، وترجّح أنّ يكون وفاة نافالني فرصة أمام الغرب من أجل حصر الأصوات وعدم تشتّتها في مواجهة بوتين، إذ من خلال ذلك سينضمّ مناصرو نافالني إلى الزعامة الجديدة المنتظرة التي سيحدّدها الغرب مستقبلا.
من هو نافالني وكيف بدأ مسيرته؟
نافالني هو محامٍ وناشط سياسي روسي، اكتسب منذ عام 2009 شهرة في وسائل الإعلام الروسية كناقد للفساد، واستغل مدونته على موقع “لايف جورنال” و”يوتيوب” من أجل الظهور. كما عكف في السابق على كتابة مقالات بانتظام في العديد من المنصات الروسية، مثل “فوربس روسيا”.
وفي مقابلة عام 2011 مع رويترز، ادعى نافالني أنّ نظام بوتين السياسي يضعف بسبب الفساد لدرجة أن روسيا قد تواجه تمردا على غرار الربيع العربي في السنوات الخمس المقبلة.
درس نافالني في جامعة ييل عام 2010، إلى جانب زملاء له شاركوا بالفعل في “الثورات الملونة”. وغالبا ما يتطرق الناشطون الروس الموالون والمعارضون لنافالني إلى تلك القصص والحقائق على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّها تنتهي غالبا بعبارة: “هذه اختراعات الكرملين وحملاته الدعائية”.
اتهامات وشواهد
لكنّ التدقيق في كتابات نافالني المنشورة على الإنترنت يكتشف أنّ بعض تلك الاتهامات حقيقية بالفعل. إذ يوجد منشور بقلمه، يعود تاريخه للعام 2010، يعلن فيه أنّه يدرس في جامعة ييل ويعترف بما يريد أن يفعله هنا، ويقول: “أيها الفتيات والفتيان، لقد كنت محظوظا بما فيه الكفاية للالتحاق ببرنامج Yale World Fellows، ولذلك سأقضي النصف الثاني من عام 2010 في مدينة نيو هيفن، كونيتيكت فولوست، مقاطعة نيو إنغلاند، وسأقوم بتحسين مهاراتي في مجال الضرب بالعصا. أريد أن أقوم بجدية بتوسيع أدوات عملنا وأن أتعلم كيفية استخدام جميع أنواع القوانين المتعلقة بالفساد الأجنبي، وتشريعات مكافحة غسيل الأموال في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقواعد الصرف، وما إلى ذلك ضد المديرين الفعالين”.
وبعد أن عمل لسنوات عديدة في شركات روسية، فجأة ذهب إلى الولايات المتحدة وأعلن العودة إلى الدراسة من جديد والانتقال إلى العمل السياسي، حيث شارك في انتخابات رئاسة بلدية موسكو التي حلّ بها ثانيا، ثم أعلن عن عزمه الترشح إلى الانتخابات الرئاسية.