كييف غير مقتنعة بنهاية الدعم هل تُورّط الناتو بالحرب؟
نبيل الجبيلي نقلاً عن “عربي21”
لم تقتنع كييف بأنّ الحرب ضد روسيا قد شارفت على الانتهاء، وبأنّ الغرب قد استنفد جميع قدراته لمساعداتها، وما عاد قادرا على إقناع مجتمعاته ودافعي الضرائب لديه بضرورة مدّ أوكرانيا بالأموال والأسلحة من أجل محاربة الجيش الروسي.
ثمّة واقع غربي مجتمعي مستجد لا يستطيع أحد اليوم إنكاره، ويفيد بأنّ التوجه العام (The Mainstream) الداعي إلى وقف التمويل باعتبار أن تلك الحرب “لا تعنينا”، بات أقوى من أيّ دعاية سياسية أخرى، وكذلك أقوى من عناوين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الرأي وحرية التعبير التي سقطت كلّها بعد حرب غزة، بل أسقطتها الحكومات الغربية، نتيجة دعمها المطلق للجانب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، بما يخالف الأعراف القوانين الدولية.
آخر محاولات كييف من أجل دفع الغرب إلى الاستمرار بتقديم الدعم لها، هي محاولة “جرّ” حلف الشمالي الأطلسي (الناتو) إلى مواجهة مسلحة فوق أراضيها ضد روسيا الاتحادية. إذ تشير تقارير إعلامية روسية وأخرى غربية إلى أنّ كييف لم تتوقّف، برغم كل المعطيات أعلاه، عن التخطط لإثارة هذا السيناريو المستجدّ، مستقبلا، خصوصا في لحظة مفصلية وحساسة، قد تتزامن مع توقف الغرب نهائيا عن تمويلها وتقديم المساعدات العسكرية لها.
مصادر دبلوماسية شديدة الاطلاع على هذا الملف، تشير إلى أنّ بولندا تقود منذ مدّة “مفاوضات مغلقة” مع أوكرانيا، حول إمكانية استخدام طيارين عسكريين بولنديين من أجل قيادة الطائرات الأمريكية “إف-16″ من بين تلك التي حصلت عليها القوات المسلحة الأوكرانية مؤخرا من الدول الغربية، وذلك من أجل توجيه ضربات ضد أهدافٍ روسية على الأراضي الأوكرانية.. وهو ما تعتبره موسكو، التي اطلعت على تلك المعلومات، معادلا لـ”أعمال حربية من جانب دولة عضو في حلف الناتو ضد روسيا”.
لكن كيف ذلك؟ ولماذا تعتبر موسكو أنّ هذا الفعل هو هجوم يُنفذه حلف “الناتو” ضدها؟
1- خلال المفاوضات حول قضايا الأمن العسكري والسيطرة وكذلك بما يتعلق بقضايا التسلح، التي عُقدت مؤخرا في فيينا، قال رئيس الوفد الروسي كونستانتين جافريلوف صراحة، إنّ إقلاع طائرة “إف-16” التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية من قواعد الحلف في أوروبا “سيعادل بالنسبة لنا مشاركة صريحة في نزاع”.
2- يشير الخبراء العسكريون إلى أنّ الخصائص التقنية لطائرات “إف-16” الأمريكية، لا تسمح باستخدامها في الصراع الروسي- الأوكراني إلّا من أراضي دول الحلف حصريا. وعليه، فإنّ استخدام هذا الطراز من الطائرات المقدمة من الغرب للقوات المسلحة الأوكرانية لاستخدامها ضد الجيش الروسي، سيزيد بشكل كبير من احتمال حدوث اشتباك مباشر بين الجيش الروسي وقوات حلف “الناتو”.
3- هذا النوع من الطائرات المقدمة من الغرب إلى القوات المسلحة الأوكرانية، قادرة على حمل أسلحة نووية، وهذا في نظر موسكو سيزيد من احتمالية استخدام تلك المقاتلات ضدها. كما أنّ هذه الفئة من المقاتلات هي بطبيعتها “منصة أسلحة عالمية”، قادرة أيضا على حمل أسلحة نووية تكتيكية، وصواريخ من صنف “AGM-88 HARM” المضادة للرادارات، وكذلك صواريخ “نبتون” المضادة للسفن، وصواريخ “Storm Shadow JAGM” الموجهة ذات الأدوار المتنوعة، وبمدى قد يصل إلى قرابة 400 كيلومتر، وهي تقريبا المسافة الفاصلة بين الحدود الأوكرانية- الروسية والعاصمة الروسية موسكو.. وذلك كفيل باستفزاز موسكو إلى أقصى حدّ، ويضطرها إلى وضع تلك الاجراءات، في حال حصلت في منزلة “استهداف مباشر” لأمنها القومي.
4- يرى الخبراء العسكريون أيضا، أنّ احتمال إسقاط مقاتلة من تلك المقاتلات وهي تحمل سلاحا من بين تلك الأسلحة المذكورة أعلاه، وخصوصا السلاح النووي، سيهدّد بانتشار تلوث نووي خطير فوق الأراضي الروسية وتلك الأوروبية. صحيح أنّ القنبلة النووية تتمتع بـ”أنظمة أمان” لا تسمح لها بالانفجار في الهواء أو لحظة ارتطامها بالأرض، لكنّ خطر التسبّب بالتلوث يبقى قائما.
ولهذا كلّه، فإنّ المصادر الروسية تؤكد أنّ ظهور مثل تلك الأسلحة في أوكرانيا، سيُستتبع من الجانب الروسي بـ”تصعيد خطير وقاسٍ جدا، لن تتحمل كييف وحدها مسؤوليته، بل أيضا الدول التي تساعدها والداعمة لها”.
كل هذا يقود إلى الاعتقاد بأنّ المرحلة المقبلة من الحرب الدائرة في أوكرانيا ستشهد تصعيدا كبيرا في حال أصرت كييف على سياسة الاستفزاز، وقد تتسبّب بتوريط دول أوروبية وغربية أخرى في صراع شارف على النهاية عسكريا، لصالح دخوله مرحلة جديدة في المستقبل القريب، عنوانها: التفاوض من أجل وقف الحرب.