رقص على حافة “الحرب الكبرى”
خليل عجمي نقلاً عن “النهار”
حتى لو كان الرئيس الأميركي جو بايدن يبدي رغبته في عدم الانزلاق إلى حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، فإن الخط البياني من جنوب لبنان، وصولاً إلى اليمن دعماً لغزة، يشي بأن الأحداث تدور على حافة “الحرب الكبرى”، في ظل حديث إسرائيلي داخلي عن مخاوف من انضمام الأردن ومصر إلى خط المواجهات، ومن انفجار الوضع في الضفة الغربية وصولاً إلى أراضي الـ48.
وفي ظل محاذيرها من اتساع رقعة المواجهات على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، انتقلت روسيا من مرحلة “المراقبة المتأنية” لما يجري في المنطقة، لاسيما بعد مهاجمة مواقع الحوثيين في اليمن، إلى مرحلة “التفاعل المحسوب”، تحسباً لفتح جبهات أخرى، تزامنت مع تهديدات وتصريحات من اتجاهات مختلفة تشي بأن المنطقة برمتها قد تتجه إلى الانفجار الكبير.
المخاوف من تمدّد رقعة الحرب تزامنت مع تهديدات من اتجاهات مختلفة تشي بأن المنطقة برمّتها قد تتجه إلى الانفجار الكبير الذي وصلت شراراته إلى باكستان بعد أربيل، وذلك عندما شنّت طهران خلال اليومين الماضيين هجومين صاروخيين، الأول: على أهداف قالت إنها للموساد الإسرائيلي في أربيل، عاصمة كردستان العراق، والثاني: في سوريا، على مواقع لـ”داعش” الذي تبنى التفجير الأخير الذي استهدف مرقد قاسم سليماني في الثاني من كانون الثاني الجاري… ثم هجوم صاروخي وبطائرات مسيّرة شنته على قواعد تنظيم “جيش العدل” في الأراضي الباكستانية.
وفي ظل حال الإنكار الأميركي – الغربي لما قد تؤول إليه التطورات، سارعت موسكو إلى دعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة على خلفية مهاجمة الحوثيين، والذي التأم في جلسات مفتوحة، بعد يومين فقط على تبنيه مشروع قرار أميركي – ياباني (الخميس 11 كانون الثاني) يدين هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، رافضاً في المقابل تعديلات اقترحتها البعثة الروسية على مشروع القرار يطالب جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) بالوقف الفوري لهجماتهم على السفن.
ونددت موسكو بعد ساعات، بالهجوم الأميركي – البريطاني “غير الشرعي من وجهة نظر القانون الدولي” على مواقع الحوثيين، في اليمن، داعية المجتمع الدولي لإدانته ومنع التصعيد الذي ينذر باتساع دائرة الحرب في المنطقة، ومتهمة واشنطن ولندن بمحاولة “توفير أساس قانوني دولي لتصرفاتهما.. ولم تنجح هذه المحاولة”، لأن قرار مجلس الأمن الذي صدر في 11 كانون الثاني “لا يوفر أي حق بتوجيه الضربات”، على حد تعبير المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف.
بدورها، المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، اعتبرت أن مواقف واشنطن في مجلس الأمن بشأن البحر الأحمر، “مجرد ذريعة للقيام بالمزيد من تصعيد التوتر في المنطقة”، مستنكرة ضرب “أهداف في الأراضي اليمنية ذات السيادة” من قبل “التحالف غير الشرعي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا”، ومحذرة من أن هذا التصعيد “يمكن أن يلغي كل المحاولات الإيجابية التي ظهرت أخيراً في عملية التسوية اليمنية، ويزعزع استقرار الوضع في كامل أنحاء منطقة الشرق الأوسط”.
المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا اعتبر أن الولايات المتحدة وحلفاءها أساؤوا استخدام قرار مجلس الأمن بشأن البحر الأحمر بضرب أهداف في اليمن، محذراً “من اتساع الحرب في الشرق الأوسط وامتدادها إلى شمال أفريقيا”.
في هذه الأثناء، واصل الحوثيون استهداف السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، على الرغم من الضربات الأميركية المتواصلة على مواقعهم في اليمن، مؤكدين أن “كل المصالح الأميركية والبريطانية أصبحت أهدافاً مشروعة، وأنهم سيستمرون بمنع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، من الملاحة في البحرين العربي والأحمر”، ومحذرين من أن “هذه الاعتداءات تعرّض المنطقة لمخاطر حقيقية يتحمّل تبعاتها الأميركي والبريطاني والصهيوني، الذي يهدد السلام والأمن الدوليين”.
كذلك، برز كلام آخر يحمل في طياته مخاوف إسرائيلية من انضمام مصر والأردن إلى الحرب ضد إسرائيل، حين أطلقت القناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي (اليمينية)، الأسبوع الماضي، تحذيرات من إمكانية “انخراط القاهرة وعمان في الحرب التي يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية شاملة”، معربة عن خشيتها من “انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، وأعمال شغب يقوم بها عناصر مقاومة داخل إسرائيل نفسها والقدس”.
ونقلت القناة عن الخبير العسكري الإسرائيلي، اللواء إسحق باريك، في سياق تحليل له، إشارته إلى “تدريبات قام بها الأردنيون على طول الحدود مع إسرائيل أخيراً، وعمليات تهريب كبيرة للأسلحة والذخائر من الحدود السورية إلى الأردن”، مضيفاً: “هناك خوف كبير من تسلل مقاتلي حزب الله من سوريا إلى الأردن، وكذلك من العراق إلى الأردن لاحقاً”.
وأشار أيضاً إلى “التعزيزات الهائلة للجيش المصري في السنوات الأخيرة”، مؤكداً أنه “إذا خرقت مصر والأردن اتفاقيات السلام وانضمتا إلى الحرب ضدنا، فإن إسرائيل ستبقى مشتتة في كل الاتجاهات دون القدرة على الدفاع عن نفسها”.
وفي السياق نفسه، سلّطت مجلة الجيش الإسرائيلي “إسرائيل ديفينس” الضوء على نظام دفاع جوي هندي حديث يسعى الجيش المصري إلى حيازته قريباً”، موضحة بأن “لدى هذا النظام القدرة على تحييد الأهداف الجوية مثل الطائرات المقاتلة، وصواريخ كروز، وصواريخ جو – أرض، والصواريخ الباليستية، وهو يعمل الآن في الخدمة التشغيلية لدى القوات الجوية الهندية”.
هذه المخاوف عززت الموقف الروسي المندد بنمط معالجة الغرب للمواجهات في المنطقة، وفي مقدّمها ما يدور في غزة وتداعيات ذلك، والذي يعبّر بالتحديد عن مدى “فشل سياسات واشنطن”، لأنها ووفقاً للرئيس فلاديمير بوتين “احتكرت القرار بشأن تسوية القضية الفلسطينية وعدم السماح للشعب الفلسطينى بإقامة دولته”.
ويرى مراقبون أن تركيز الدبلوماسية الروسية الآن هو على إحراج الولايات المتحدة والدول الأوروبية من خلال الترويج لسياسة ازدواجية المعايير في ما يتعلق بدور واشنطن وحلفائها في دعم إسرائيل. وفي المقابل، اعتراض هذه الدول على مساعي روسيا لحماية أمنها القومي من تمدد حلف الناتو نحو حدودها.
ويتضح ذلك جلياً بنعت بوتين للولايات المتحدة بالنفاق، حيث قارن بين الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية على قطاع غزة، وحصار ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية.
وبالنسبة إلى موسكو، فإن مكامن الخلل في النظام العالمي الحالي هي في الهيمنة الأميركية والأحادية القطبية، والتي تؤكّد مرة جديدة بأن عالماً متعدّد الأقطاب قادرٌ على حماية الأمن والسلم الدوليين أكثر بكثير من النظام العالمي القائم على الهيمنة الأميركية.
فهل باتت التداعيات المحتملة لما يدور في المنطقة فرصة مواتية لخدمة تحركات موسكو الدولية بشأن إعادة صياغة النظام الدولي من باب كسر احتكار واشنطن لحصرية صناعة القرار العالمى؟ لكن ذلك لن يكون ممكناً إن كان بشكل منفرد، وإن لم يتزامن مع تحرك صيني فاعل في هذا الاتجاه لاعتبارين: الأول، التأكيد على أن التطورات الاستراتيجية فى العالم لم تعد إدارتها حكراً على الولايات المتحدة والغرب. والثاني، موازنة القوة الأميركية – الأوروبية بقوة روسية – صينية، بما يحقق “التوازن” في إدارة ملفات بؤر الصراعات في العالم، خصوصاً تلك التي لها تداعيات إقليمية ودولية.