طوفان الاقصى.. انتصار أم هزيمة؟
نبيل الجبيلي نقلاً عن “الجزيرة”
قيل الكثير عمّا فعلته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في عملية “طوفان الأقصى”. قامت الدنيا ولم تقعد منذ ذلك التاريخ، فردّت إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة ودعم عسكري. تجمهرت حولها الدول الكبرى مندّدة بـ”الجريمة البشعة”.. فأُعطيت إسرائيل الضوء الأخضر لفعل ما تشاء.
تغاضت الدول الغربية عن ضرب المستشفيات ودور العبادة وقصف المدنيين، وتدمير آلاف المنازل والوحدات السكنية. مارست الضغوط والمضايقات على كل من حاول الدفاع عن الفلسطينيين، بمن في ذلك الأمم المتحدة، التي لم تَسلم من ألسِنة دبلوماسيي تل أبيب السليطة والوقحة.
انقسم العرب وضاعوا بين 3 فئات: مؤيد لغزة، ومعتكف عن الكلام، ورافض صامت.
منهم من قال لماذا فعلت “حماس” ذلك وكأنها جَنَت على نفسها؟ ومنهم من سأل ما الفائدة من ربح معركة يوم واحد سمّوه طوفاناً مقابل دمار غزة بعد ذلك؟
مرّت الأيام وكل البشر في كل أنحاء العالم كانوا يشاهدون أطفال غزة يُقتلون، وبيوت أهالي غزة تُدمّر، ومستشفيات غزة تُستباح وتُنتهك حُرمتها في خرق وقح لكل أعراف وقوانين الحرب والقوانين الدولية.. وكل ذلك كان لسببٍ ما، كنا ننتظره.
لم تستطع الفصائل الفلسطينية وحركة “حماس” تدمير إسرائيل، أو محو جيشها من الوجود، ولكنّها استطاعت الصمود، ونجحت في استنزاف العدو. سجلت الحركة مفاجأة كبرى بدأت معالمها تتكشّف يوماً بعد يوماً.
مع كل يوم يشهد دمار وتهجير وقتل، كان الرأي العام العالمي ينقلب لصالح فلسطين والفلسطينيين. تحوّل الرأي العام الأميركي ليناصر غزة، الدعم الأميركي غير المحدود بدأ بالتلاشي على وقع التظاهرات الشعبية والاعتراضات في أميركا.
اكتشف الناس على مدى الأيام الخمسين للحرب، أنّ ما روّجت له إسرائيل على مدى سنوات الـ75، كان كله كذباً. حصلت المعجزة وبدأت أصوات الناس تعلو فوق صوت المعركة. صار العالم كله يطالب بوقف إطلاق النار والعودة إلى محادثات سلام.
احدى الاستطلاعات الأميركية، كشفت قبل أيام أنّ 51% من الشباب في أمريكا يؤيدون حركة “حماس”.
كذب بعض وسائل الإعلام الغربية، نسفته مجهودات كبيرة من المؤثرين، فأصبح الجميع حول العالم يعرف حقيقة الكيان الغاصب.
وفي أوروبا، خرجت تظاهرات حاشدة الى الشوارع، ترفع أعلام فلسطين. رفض الأوروبيون أن يُلدغوا من الجحر مرتين بروايات إسرائيلية مضلّلة وضعيفة، لا دليل واحد متماسك فيها قادر على إدانة “حماس” وتلطيخ سمعتها بالإرهاب أو بـ”الدعشنة” (نسبة إلى تنظيم داعش).
حتى الوسائل الإعلامية التي تبنّت في البداية الروايات الإسرائيلية، اعتذرت وتراجعت. ثم ما لبث بعض الممثلين والمغنين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعية، أن قاموا بهجمات مضادة دمر جبروت إسرائيل ونزعت القناع عنها، فأصبحت عارية على تلك المواقع التي تحوّلت بدورها إلى سلاح أشدّ فتكاً من صواريخ “كتائب القسام”.. وحتى صاحب منصّة “إكس” إيلون ماسك، قلب الطاولة على رؤوس الإسرائيليين، وقال عنهم العجب.
كذب بعض وسائل الإعلام الغربية، نسفته مجهودات كبيرة من المؤثرين، فأصبح الجميع حول العالم يعرف حقيقة الكيان الغاصب. حتى في روسيا ارتدى الناس الكوفية واستمعوا إلى أغنيات فلسطين الثورية، مثل “أنا دمي فلسطيني”. وهاجمت حشود من الغيارى الروس على الدم الفلسطيني، الفنادق والمطارات لمحاصرة الإسرائيليين، كما جمعوا أموال التبرعات، وحملوا أعلام فلسطين عند كل محطة حساسة في الأيام الـ50 الماضية.
تظاهرات خرجت إلى الشوارع في مناطق لم تسمع بفلسطين قط، مثل تايلند.
حتى في جمهورية الصين الشعبية، رفرفت أعلام فلسطين، رُفعت في بعض الأسواق والمحلات حيث بات الناس يعرفون أكثر من آبائهم وأجدادهم اليوم عن بطش الصهاينة وجرائمهم، من نشرات الأخبار التي تكفل الإعلام الرسمي ببثها ليل نهار خلال هذه الحرب.
حتى إن بعض الإسرائيليين في الصين صاروا يخفون هوياتهم خوفاُ من ردود فعل عفوية من الصينيين، في سابقة لم يكن أحداً يتوقع بأن يرى مثلها من قبل.
ما فعلته حماس، كان صدمة كبيرة، أعادت من خلالها إحياء قضيةٍ، ظنّ العالم بأنها أصبحت نسياً منسياً، خصوصاً مع اتساع عمليات التطبيع في المنطقة.
انتصرت فلسطين على الرغم الدمار والقتل. قامت القضية من تحت الركام وعبرت الحدود، فوصلت إلى أقاصي الأرض.
دخلت القضية مجدداً القلوب والضمائر، التي عادت تردّد من جديد أنّ لفلسطين الحق بدولة مستقلة حدودها القدس الشرقية. ولأهل فلسطين الحق في الحرية والعيش الكريم.