هل يخذل القضاء المودع اللبناني !
كتب الصحافي بشير مصطفى في Independentarabia
متأخراً دخل القضاء اللبناني إلى حلبة الصراع بين المصارف والمودعين محاولاً إعادة التوازن المفقود في ظل المحاولات الحكومية لإصدار تشريع من مجلس النواب ينظم التدفقات المالية، وتأخره بسبب الخلاف حول دستورية جلسات التشريع خلال فترة الشغور الرئاسي.
الحق باليد
تتراجع ثقة المواطن اللبناني بالمؤسسات الحكومية وتزداد الدعوات إلى استيفاء الحق بالذات. يروي المودع محمد خياط تجربته مع واحد من كبار المصارف في لبنان والتي انتهت بالصدام مع حراس منزل مالك المصرف، وصولاً إلى إصابته بكدمات وجروح في جميع أنحاء الجسد، يقول “بعد الأزمة المالية بدأت المصارف فرض القيود على الودائع. رفضت التوقيع على تعاميم مصرف لبنان، كما رفضت سحب المبالغ المسموحة التي تقتطع أجزاء كبيرة من الوديعة”.
يضيف محمد “أعمل في مجال الميكانيك منذ أعوام طويلة وكنت أجمع الأموال في حسابي المصرفي، وأريد أن أقبض كل قرش وضعته في المصرف، كما وضعته، بالتالي لن أقبل بقبض الدولار على سعر 15 ألف ليرة لبنانية، فيما الدولار في السوق الحرة 100 ألف ليرة”.
بعد أن أوصدت أبواب الاتفاق بين المصرف ومحمد انتقل الأخير إلى القضاء للمطالبة بإلزام البنك رد الوديعة، إلا أنه لم يصل إلى الإجراءات الفاعلة والكافية، ويصف التحرك القضائي بـ”البطيء”.
دفع هذا الواقع محمد وبعض المودعين إلى الاتفاق على الاعتصام أمام منزل رئيس مجلس إدارة “فرنسبنك” من أجل إيصال وجهة نظرهم والضغط عليهم، لكنهم جوبهوا بعدد كبير من الحراس استخدموا العنف ضدهم عصر أمس الإثنين. وجاءت هذه الحادثة لتزيد منسوب عدم الرضا والسخط في صفوف المودعين.
قرارات قضائية مفصلية
على المستوى النظري يعتبر القضاء الحصن والملجأ للمواطنين في دولة القانون. أما على المستوى الواقعي، فيتعرض القضاء اللبناني لكثير من الانتقادات لأسباب مختلفة، بعضها خارج عن إرادة القضاة أنفسهم بسبب عدم إقرار تشريع يكرس استقلالية القضاء عن السلطة السياسية.
أما على مستوى النزاع بين المصارف والمودعين، فبرزت مجموعة من الأحكام أثبتت الدور الذي يمكن أن يلعبه القضاء في تحصين الحقوق. فمن جهة أكدت محكمة التمييز قانونية الإجراءات التي اتخذتها القاضية مريانا عناني بحق “فرنسبنك” لناحية الحجز على أموال المصرف، تمهيداً لطرحه في المزاد العلني بهدف تحصيل حقوق المودع عياد غرباوي.
وأصدرت القاضية كارلا شواح (الناظرة في الأمور المستعجلة) في بيروت قراراً ألزمت بموجبه بنك “سوسيتيه جنرال” إعادة فتح الحسابات باسم بعض المودعين بالشروط ذاتها التي كانت عليها قبل إقفالها. كما ألزم القرار المصرف استعادة الشيكات المسحوبة على مصرف لبنان والمودعة لدى كاتب عدل بيروت وإعادة وضعها وقيد قيمتها في الحسابات التي سيصار إلى إعادة فتحها.
كما أصدرت شواح في وقت سابق قراراً يجبر بنك “عودة” على تحرير وتحويل وديعة باليورو وأخرى بالدولار إلى حساب مودع في فرنسا إضافة إلى الفوائد، وكذلك هناك قرار صادر عن القاضية سهير الحركة التي أعطت للمتضرر الحق في تحريك الدعوى العامة من دون انتظار موقف النيابة، ويتضمن جرأة على مستوى الاجتهاد القضائي.
يشيد المحامي رامي عليق ببعض القرارات القضائية، لكنه ينتقد “الأبواب الموصدة التي يفرضها قضاة النيابة العامة المعينون سياسياً في وجه دعاوى المودعين، علماً أن فلسفة وجودهم قائمة على حماية حقوق المجتمع والحق العام”، مشيراً إلى أن “المسار البطيء للقضاء اللبناني واختفاء بعض الملفات دفعا إلى الذهاب والادعاء لدى القضاء الأوروبي من أجل تحصيل الحقوق”.