الأثر الشريف وطقوس مدينة طرابلس!
في العشر الأخير من رمضان تنثر الطقوس التراثية الفرح في أرجاء مدينة طرابلس اللبنانية، حيث يحافظ المواطنون على ممارسات مختلفة، يعود بعضها إلى العصر المملوكي. من زيارة الأثر الشريف في المسجد المنصوري الكبير، واستقبال فرق المسحراتية و”الوداع”، إلى ازدحام مقاهي الطريق، وامتلاء الأسواق حتى ساعات الفجر، فيما تستمر طرابلس بالحفاظ على طقس تراثي يرافق الصائم في وقت السحور وعند الإفطار، ألا وهو مدفع رمضان.
الأثر النبوي الشريف
تعد زيارة الأثر النبوي الشريف محطة جوهرية في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، حيث تعرض الهدية التي قدمها السلطان العثماني عبدالحميد الثاني في عام 1890 لأهالي مدينة طرابلس في الجامع المنصوري الكبير، بعد صلاتي الفجر والعصر. والأثر هو عبارة عن “شعرة من لحية النبي”، ويحظى برعاية دائرة الأوقاف الإسلامية ودائرة الإفتاء في طرابلس.
وككل عام، ازدحمت ساحات المسجد التاريخي بالزائرين، وسط حضور بارز للنساء والأطفال، واصطف هؤلاء بطابور طويل. البعض جاء للتبرك، فيما دفع الفضول آخرون لزيارة الأثر للمرة الأولى. وفي داخل الحجرة المخصصة للأثر الشريف، ارتفعت أصوات المادحين والتسابيح، فيما بدت علامات التأثر على وجوه الزائرين، وقف البعض منهم بعيون دامعة أمام الأثر، ليستمع إلى شرح مفتي طرابلس محمد إمام عن مكانة الأثر في الوجدان الطرابلسي، فهي مصدر للرفعة والفخر لأهالي المدينة التي تعد امتداداً لبلاد الشام بين أبناء باقي المدن.
“الوداع” البهيج
من أمارات قرب انتهاء شهر رمضان أصوات الطبول التي تبشر بقدوم عيد الفطر. وتنفرد طرابلس بطقس “الوداع”، حيث يخرج المسحراتية، وأتباع بعض الفرق الصوفية إلى الأسواق، كما يقصدون المنازل ضمن نطاق الأحياء التي يقيمون فيها من أجل معايدتهم. ويحمل هؤلاء الطبول، والصنوج، والدفوف، يدقون عليها ألحاناً متعاقبة ومتناغمة، فيما يصدح صوت كبيرهم بالأناشيد والصلاة على النبي.
يقابل أهالي طرابلس “الوداع” بحفاوة واضحة، حيث يقومون بتقديم الهدايا، أو مبالغ من المال، حيث تشعرهم بأيام الأصالة والتكافل الاجتماعي. وأخيراً، بدأ البعض بامتهان حرفة “الوداع”، فهي مصدر لدخل وفير خلال شهر رمضان، حيث يضمون إليهم بعض الناشئة والأطفال لمرافقتهم أثناء جولاتهم على الأسواق والأحياء. وما إن ينتهي الصائمون من إفطارهم، حتى تنتشر فرق الوداع في الأحياء، وينطلق الأهالي إلى الشرفات ومداخل المنازل لاستقبال حاملي بشرى عيد الفطر.
الزحف إلى الأسواق
يعد انتصاف شهر رمضان نقطة تحول في حركة الأسواق، حيث تبدأ الازدحام بالزوار. وتبدأ حقبة “الإجازة الموقتة” من الأزمات التي يعيشها اللبناني، كما يظهر أثر “الدولار الاغترابي” في حياة اللبناني المقيم. ففي طرابلس زحمة غير مسبوقة، تعزي النفس على مرحلة الازدهار الغابرة. ولا تقتصر زيارة السوق على أبناء المدينة، وإنما تستقبل أبناء المناطق اللبنانية المختلفة. فالبعض يأتي من أجل التسوق وشراء الملابس للعيد، ويصر هؤلاء على النزول إلى السوق وإن كان لشراء قطعة جديدة للأطفال، ولا بأس أن يلبس الأهل، ولكن هناك شريحة كبيرة تأتي لاستكشاف أجواء رمضان، أو حتى لخوض تجربة مختلفة لا تشبه أي مدينة أخرى في لبنان، حيث يؤكد المارة أنهم “سعداء بحالة الصخب في السوق، فهي تعطي أجواء بهجة للعيد”. وتأتي الأضواء والزينة لإضافة جو من السحر على المشهد، حيث يتكامل بسبب وجوده وسط العمران الحجري الأثري، ومتاجر الحرف التراثية، وبسطات “مأكولات الشوارع” التي تعطي جمالية متنوعة، ناهيك ببائعي البالونات والألعاب. وتأتي لحظات آخر الليل، ومع قرب السحور، تعج المقاهي، التراثي منها، أو تلك التي تعتمد نظام مقهى الرصيف، لتستقبل منتظري الأسحار.
جوده وسط العمران الحجري الأثري، ومتاجر الحرف التراثية، وبسطات “مأكولات الشوارع” التي تعطي جمالية متنوعة، ناهيك ببائعي البالونات والألعاب. وتأتي لحظات آخر الليل، ومع قرب السحور، تعج المقاهي، التراثي منها، أو تلك التي تعتمد نظام مقهى الرصيف، لتستقبل منتظري الأسحار.
بسطات السكاكر
لا تكتمل صورة نهاية شهر رمضان في مدينة طرابلس إلا باقتحام بسطات السكاكر لزوايا الأسواق، والشوارع التجارية، حيث تقترن مع قرب انتهاء شهر الصوم، وقدوم عيد الفطر. ويستند البائعون إلى إرث تقليدي في شد الانتباه والأبصار، من خلال وضع الشوكولا، والملبن، وحلوى “البون بون”، على شكل “قناطير”، كما يتسابق أرباب البيوت على شراء “عدة المعمول، وما زالت النسوة في طرابلس، يحافظن على عادة إعداد المعمول بالفستق، والجوز، والتمر في منازلهن، ولكن شهد العام الحالي على تراجع تلك الشريحة بسبب غلاء أسعار المواد الأولية وتسعيرها بالدولار.
المصدر: اندبندنت عربية.