في لبنان حلويات رمضان “بالحبة”
بات الطعم الحلو مكلفاً للغاية في لبنان، بعد أن انزلق في متاهة الدولار، ليرتقي إلى مصاف “السلعة الكمالية” لدى الكثير من الأسر المتوسطة الحال والفقيرة. ففي الماضي، كانت حلويات القشطة والمكسرات طبقاً رمضانياً أساساً، ولكن بسبب الغلاء تحوَلت إلى ضيافة وهدية عند الضرورة. من هنا، انتقل السلوك الاستهلاكي من الشراء بالكميات، وتكديس الأطايب في خزانات المنزل، إلى الشراء بالقطعة.
في منطقة القبة في طرابلس، يحافظ الحرفي محمد بكر على عادة صناعة “كعك المرقد” أو “كعك العباس”، فقد مضى على تعلمه أصول المهنة 30 عاماً، وشهد تحولات كثيرة في السلوك الاستهلاكي للمواطنين حيال منتجه. يقارن بين حقبتين من الزمن، ففي السابق كان سعرها 250 ليرة لبنانية، أما اليوم ارتفع ثمن “الحبة” إلى 25000 ألف ليرة لبنانية، وولى زمن الشراء بالكيلو وبالدزينات.
يصف بكر كعكه بـ “الطيب والخفيف”، و”طعمه مختلف لأنه يحتفظ بخصائصه حتى عندما يبيت”. يمر الزبائن أمام محله في المنطقة المتواضعة، يسألون عن سعره، عندما يجيب يواصلون مسيرهم. فيما يأتي البعض الآخر، فيشتري على عدد أفراد أسرته. ويكرر “الله يساعد الناس، ما نشهده اليوم لم يسبق لنا أن عشناه”.
تأثرت حرفة بكر كثيراً بالأزمة و”الدولرة” الشاملة للسلع، يشير إلى أنهم يشترون كل شيء بالدولار، من الطحين، إلى الحليب، والزيت، والسمن، وخلطة البهارات التي فيها “جزء من سر المهنة”. إلا أنه يصر على مواصلة عمله، لأن “قعدة البيت صعبة جداً على من اعتاد الحركة والكد والتعب”. من هنا، بدأ بتكييف مهامه مع متطلبات السوق، فقد كان في السابق “يعجن 15 كيلوغراماً من الدقيق يومياً، أما اليوم لا تتجاوز العجنة الكيلوغرامين للاستمرارية”.
حلويات البسطة
وتنشط بسطات بيع الحلويات المنخفضة الثمن على خلاف التي تدخل في صناعتها القشطة والفستق، وتحديداً بسطات المهلبية بالزبيب وجوز الهند، والحلويات المقلية كالعوامات، والمشبك، والمعكرون، أو حتى المعمول بتمر. حيث يباع الكيلو منها بين 200 – 300 ألف ليرة لبنانية في المحلات الشعبية. يبحث عنها الناس بسبب شكلها الجميل، وحلاوتها المفرطة، كما أنها بديل لمحبي الحلويات عن تلك المرتفعة الثمن والكلفة. كما تزدهر العربات التي تبيع الكعك بتمر، والكعك بسمسم، والبرازق. فيما يحافظ “القطايف” على موقعه المميز ضمن قائمة الحلويات الرمضانية، حيث يختلف شكل الحشوة على حسب القدرة الشرائية للمواطن، فمنهم من يحشوها بالقشطة، ومنهم بالجبن الحلو، وبالتأكيد يبقى الجوز والفستق هو الإضافة المميزة التي باتت تشكل عبئاً على الكثيرين. وقد فطنت بعض المتاجر لمكانة القطايف في قلوب محبيه، فقامت بإطلاق عروض على سبيل المثال في إحدى متاجر طرابلس “قطايف مع قشطة وقطر بـ 330 ألف ليرة لبنانية”، يلفت أحد المواطنين، “يجب أن تحسب حساب كل شيء حتى القطايف، بتنا نشتريها بالنصف كيلو والقشطة بالأوقية، بعدما كنا نتدلل ونتفنن في الحشوة وتزيينها، وأحياناً كنا نرمي الفائض منها إلى العصافير والدواجن”.
الحلو بالقطعة
شهد رمضان 2023 على تحوُل في السلوك الاستهلاكي للمواطن اللبناني، ويمكن قراءته إيجاباً لناحية التخفيف من هدر الطعام وإدارة المصروف. في السابق، كان الشراء بكميات قليلة أو بالقطعة مدعاة للخجل لرب الأسرة، فهو توارث عن سابقيه عادة الشراء بكثرة، وأن يُغدق على عائلته وأبنائه. أما الآن، فلا ضير من شراء قطعة واحدة أو قطعتين من كل صنف لكل ولد من أولاده، وكلٌ بحسب قائمة تفضيلاته، فمن جهة لا يبقى شيء للرمي، ومن جهة أخرى يتناولها الفرد طازجة، مضيفاً “لا يقتصر الأمر على الحلويات، حتى الخضار والفواكه بتنا نشتريها أحياناً بالحبة أو بكميات أقل عن الفترة الماضية”.
على ضفة أصحاب المحلات، فساروا في الاتجاه نفسه، حيث قاموا بتسعير الحلويات بالدولار، إلا أن أسعارها تبقى أعلى من متناول المواطن العادي. على سبيل المثال، يبلغ ثمن قطعة الكلاج بالقطعة الرمضانية دولاراً ونصف الدولار، أما الكلاج بالجبن يتجاوز 2 دولار، وبالتالي فإن سعر الدزينة، وهو المعيار المتعارف عليه لدى رب الأسرة اللبنانية، يتراوح بين 18 دولاراً و27 دولاراً. وتعلق إحدى الشابات على الأمر بالقول، “بت عندما أشتهي نوعاً من الحلويات، أتوجه إلى المتجر، وأشتري صحناً وأجلس، وفي الوقت نفسه أحظى بخدمة جيدة، وحلويات طازجة، وبعض لحظات الاستجمام، مع فارق محدود بالسعر”.
معمول العيد “ع القد”
يشير كلود عبود إلى قيام التجار بجهد إضافي للتكيف مع الأزمة، وغلاء المواد الأولية للحلويات.، فيما يصر أصحاب الأسماء الكبرى على هامش الربح العالي بسبب الاسم واستراتيجية العمل، والشريحة المستهدفة. ففي مجال المعمول ضاق هامش الربح كثيراً، ولكن “الآن أصبح الربح 2 دولار بالكيلو يساوي الشيء الملحوظ، وربما كافياً للتاجر، على خلاف ما كان عليه الوضع في السابق”. كما يعتقد أن “قدوم المغتربين حرَّك السوق نوعاً ما على الأعياد المسيحية وشهر رمضان حيث يجد هؤلاء أن الأسعار أصبحت أقل مما كانت عليهم سابقاً بالدولار”، جازماً أن “أرباح المؤسسات الكبرى حالياً أعلى مما كانت عليه في السابق، لأن النوعية لم تبق على الحال التي كانت عليها، فيما الأسعار بقيت على المستوى المرتفع، في مقابل الأجور المنخفضة للعمال”.
المصدر: اندبندنت عربية.