يورانيوم بريطانيا المنضّب… هل يستهدف العالم قبل الروس؟
عماد الشدياق نقلا عن “عربي 21”
بعد الجدل الذي أثير حول نية بريطانيا تزويد الجيش الأوكراني بذخائر معززة باليورانيوم المنضب، كشفت مجلة بريطانية، مطلع الأسبوع الماضي، مقطع فيديو يظهر جنوداً أوكرانيين إلى جانبهم تلك الذخائر بالفعل، ما ينذر بوقوع كوارث بيئية ربّما تطال دول العالم كلّه وليس الجيش الروسي فحسب، لكنّ بريطانيا والولايات المتحدة حاولتا التقليل من أهمية هذا الكلام بغية الدفاع عن تلك الخطوة التصعيدية الخطيرة!
لقطات الفيلم نشرتها مجلة “ديكلاسيفايد” البريطانية، سبق أنّ وزّعتها وزارة الدفاع البريطانية ضمن وثائقي موسع، يعرض جزءاً من التدريبات التي يتلقاها عناصر في الجيش الأوكراني على دبابات وهبتها بريطانيا لكييف.
وأظهر مقطع الفيديو ذخائر بلون برتقالي وأسود، وأكد خبراء عسكريون أنها نسخة خاملة من ذخيرة اليورانيوم المستنفد من نوع “CHARM3” 120ملم بحسب تصنيفات في المملكة المتحدة. ويُشار إلى اسم تلك المقذوفات “CHARM3” هو مصطلح تقني لمخزون بريطانيا من قذائف اليورانيوم المستنفد، كما تشير المعلومات إلى أنّ الدبابات التي ستُستخدم لإطلاق هذه المقذوفات هي من طراز “تشالنجر 2”.
أمّا ذخائر اليورانيوم المستنفد (DU) فهي مقذوفات من عيار 120ملم خارقة للدروع، ومن نوع “L26A1” و”L27A1″، لها قلبٌ مدمج مع مادة اليورانيوم، مما يجعلها شديدة الانفجار وفي الوقت نفسه سامة ومسرطنة.
ويأتي هذا التطوّر الخطير، بعد أيام قليلة من إعلان نائبة وزير الدفاع البريطاني، أنابيل جولدي، نية بلادها تزويد كييف بتلك الذخائر التي تعتبر خارقة للدروع، وذلك بسبب كثافتها وخصائصها الفيزيائية الأخرى، لكنّ اليورانيوم المنضّب يمثّل خطراً صحياً كبيراً في مواقع استخدامه، لأنّ الغبار الناتج منه يؤدي إلى تشوّهات وأضرار صحية وبيئية كبيرة.
ويؤكد الخبراء في هذا المجال، أنّ هذا النوع من الذخائر يؤدي إلى تلوث التربة والمياه، ونتيجة ذلك ستتسبب بأمراض خطيرة قد تنتشر بين السكان الذين يعيشون في المناطق المستهدفة بها. كما أنّه غير مستبعد أن يكون لتوريد هذه الذخائر إلى أراضي الأوكرانية تأثيرات كارثية قد تخلق تهديدات بحدوث كوارث بيئية عالمية، تعيد إلى الأذهان حادثة “تشيرنوبل”.
إذ من المرجح ألاّ تقتصر أضرارها على المناطق الاوكرانية وجيرانها، بل ستهدّد أيضاً المجتمع الدولي برمته، خصوصاً أنّ المناطق الأوكرانية مصنّفة أراضٍ زراعية، وهي واحدة من أكبر 3 دول مصدرة للحبوب حول العالم. وهذا قد يخلق تهديداً للمحاصيل التي يتم توريده إلى معظم دول العالم ومنها الدول الغربية التي تستورد من المحاصيل ذاتها.
سياسيون كبار في أكثر من دولة غربية إضافة إلى العديد من المنظمات الدولية انتقدوا بشدة قرار بريطانيا، وحتى خبراء بريطانيون حذروا من الضرر الناتج عن استخدام تلك الأسلحة.
وأدانت منظمة “الحملة من أجل نزع السلاح النووي” البريطانية والمناهضة للأسلحة النووية، تزويد كييف بتلك الذخائر، ووصفتها بأنّها “كارثة بيئية وصحية إضافية لأولئك الذين يعيشون في قلب النزاع. كما قال الخبير البريطاني في مرصد “الصراعات والبيئة” داغ وير، أن بريطانيا اختارت مرارا الاستناد إلى آراء علمية فردية، حول آثار استخدام اليورانيوم المنضب من أجل الحفاظ على مقبولية استخدامه، مؤكداً أنّ استخدام هذه الذخائر يولّد جسيمات اليورانيوم السامة والمشعة التي تشكل خطراً على حياة الناس.
أمّا نائبة البوندستاغ الألماني عن حزب اليسار سارة واغن كنخت، فبدورها حذرت من السلوك البريطاني، واعتبرت أنّ هذا الفعل “يستهدف السكان المدنيين”، كما دعت الحكومة الفيدرالية الألمانية إلى “اتخاذ موقف حازم” بهذا الشأن، لما له من أضرار على القارة الأوروبية.
ويتهم خبراء الولايات المتحدة بأنّها مصدر هذه المواد، لأنّها مُنتج كبير لهذه النفايات النووية ذات التخصيب المنخفض، إذ تبيعها إلى أكثر من جهة من بينها لندن، بشروط قد تكون مفيدة لها وللأطراف المستوردة. فبذلك تتخلّص واشنطن من هذه المواد السامة المتراكمة بكثرة لديها، خصوصاً أنّ تلك المواد تحتاج إلى كثير من المعالجة لمدة زمنية طويلة، وبتكاليف مالية وبشرية كبيرة جداً.
بريطانيا دافعت عن خطوتها بشكل مستغرب على الرغم من التحذيرات الدولية، وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إنّ اليورانيوم المنضب هو “مكون معتاد ولا علاقة له بالأسلحة النووية”، وإنّ الجيش البريطاني “يستخدمه منذ عقود”، من بينها خلال حرب “عاصفة الصحراء” في العراق، حيث استخدمت نحو 2.3 طن من تلك المادة.
وبدوره دافع البيت الأبيض عن الخطوة البريطانية، فوصف المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، شكاوى موسكو بأنّها “حجج واهية”، مدعياً أنّ تلك المواد لا تشكل تهديداً، في تأييد واضح للقرار البريطاني.
أمّا الردود الروسية على هذا التطوّر فجأت بداية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي توعّد بالردّ على إرسال أسلحة تحتوي على تلك المواد للجيش الاوكراني، معتبراً أن ذلك ما هو إلاّ دليل على “نية الغرب في محاربة روسيا حتى آخر أوكراني”.
ثم لاحقاً اتهمت موسكو بريطانيا بمواصلة ضغطها على أوكرانيا من أجل التصعيد، انطلاقاً من مصالحها في تأجيج هذا الصراع بوجه روسيا، حتى لو أدى ذلك إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين.
وأعادت صحف ومواقع غربية وعربية، التذكير بمآسي الغزو الأمريكي- البريطاني للعراق، من خلال نشر تقارير لمنظمة حقوقية مناهضة للحروب، تؤكد وجود علاقة بين اليورانيوم المنضّب وظهور عيوب خلقية لدى أطفال العراق، كانت قد نفتها الدول المشاركة بغزو العراق.
وسط هذا كلّه، يبدو أن العالم لا تكفيه النزاعات المسلحة التقليدية، ويبحث عن المزيد من المآسي، فحلّ هذا الملف المستجدّ ليهدّد دول العالم كافة، وليس الجيوش في مناطق النزاع داخل أوكرانيا فحسب.