لبنان أصبح خارجاً عن الخدمة
كل شيء في لبنان أصبح خارجاً عن الخدمة إلا خدمة التعطيل السياسي والفراغ الرئاسي والحقد الطائفي والجمود الاصلاحي. كل شيء في لبنان أصبح خارجاً عن الخدمة بانتظار مكسب من هنا وغنيمة من هناك. كل شي في لبنان أصبح خارجاً عن الخدمة بانتظار تسوية خارجية تؤكد عدم قدرة المسؤولين اللبنانيين على الحكم واتخاذ القرار الحكيم طالما أن مشاريعهم تنتمي إلى الطائفة لا إلى الوطن.
لبنان الخارج عن الخدمة سياسياً، ينتظر حلاً خارجياً لأزمة فراغه الرئاسي التي وصلت إلى مرحلة الاستعصاء الداخلي، فالعين أصبحت على النتائج التي ستتبلور عن اتفاق 10 آذار السعودي – الايراني وما ستحمله من معطيات تكسر روتين التعطيل الرئاسي الذي تمرّست الأحزاب السياسية اللبنانية في إرسائه لتحقيق بعض المكاسب الطائفية خصوصاً تلك المعنية بهذا الاستحقاق بصورة مباشرة، ليكون ذلك بمثابة عرف باتت تنتهجه هذه الأحزاب عند كل استحقاق رئاسي وكأنها تعوّدت على الانقلاب من أجل الاستغلال بما يتناسب مع مصالحها عوض الاتفاق على اسم موحد يجنّب لبنان نتائج هذا التعطيل، مكررة بذلك ما حدث عام 2016 إنما بأسلوب طائفي وكارثي أكثر.
لبنان الخارج عن الخدمة اقتصادياً، لا يأبه لمناشدات صندوق النقد الدولي ولا لتحذيرات المسؤولين الدوليين، بل يمعن في سياسة تطنيش كل الحلول الممكنة والتي تشكل مخرجاً لأزمته الاقتصادية حتى أصبح السؤال هل يريد لبنان فعلاً الاستمرار مع صندوق النقد والامتثال الى مطلبه، سؤالاً يحمل إجابتين، لتكون إدانة مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف للمسؤولين اللبنانيين ووصفهم بالافتقار إلى الاحساس خير دليل على قلة اكتراثهم للأزمة الاقتصادية التي افتعلوها بأيديهم، علماً أن لبنان ينتظر صدور تصنيف منظمة مجموعة العمل المالي FATF والتي تُعنى بسن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب وتقويم مدى التزام الدول بتلك المعايير بهدف حماية النزاهة المالية، لما لذلك من انعكاس مباشر لهذا التصنيف على العلاقة مع المصارف المراسلة والذي إن لم يخالف التوقعات فسيكون في الخانة الرمادية.
لبنان الخارج عن الخدمة خدماتياً ومعيشياً واجتماعياً، تتفاقم فيه وتيرة الاضرابات والاحتجاجات على تفاقم الأزمة الاقتصادية من دون أي حلول، من تحرك العسكريين المتقاعدين إلى إضراب موظفي “أوجيرو” وإعلان نقابة مستخدمي وعمال مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، الاضراب التحذيري يوم الثلاثاء لتأمين مساعدات عينية ومادية مستدامة للعاملين في المؤسسة للتمكن من الاستمرار في تأدية واجباتهم. وعلى الرغم من رفع الحد الأدنى للأجور إلى تسعة ملايين ليرة مع بدل نقل عن كل يوم عمل يصل إلى 250 ألف ليرة واعتماد سعر 60 ألف ليرة على منصة “صيرفة” للقطاع العام الذي كان يطالب بسعر 28 ألفاً، إلا أن ذلك لا يُخفي حقيقة الوضع المالي الذي يعاني منه اللبنانيون في ظل أكثر من سعر صرف للدولار وسعرين لـ”صيرفة” التي دخلت أيضاً على خط تعدد أسعار الصرف.
لبنان الخارج عن الخدمة وطنياً، هبّت فيه عواصف الطائفية التي كشرت عن أنيابها من جديد لتُظهر أن رواسب الحرب الأهلية المقيتة لا تزال في أعماق اللبنانيين الذين تشحنهم بين الفترة والأخرى مقدمات تلفزيونية تحريضية، وبيانات إعلامية مسمومة تلعب على وتر الطائفية وتخاطر في أخذ البلد إلى منحى دموي لتصفية حسابات سياسية. فما يعيشه لبنان اليوم أخطر بكثير من مجرد رأي أو موقف معارض، بل هو حرب أهلية باردة بلا أسلحة أبطالها أمراء حرب لم ولن يتعلموا من دروس الماضي. فتناسى اللبنانيون ارتفاع الدولار وتآكل القدرة الشرائية وغلاء الأسعار وانعدام الطبابة واتحدوا على الانقسام حول ساعة لن تُقدم أو تؤخر شيئاً في زمن الانهيار.
إذاً، هكذا هو حال لبنان بعد أربع سنوات على بداية أزمة جعلت منه بلداً متشرذماً وسط أفق سياسي مسدود واقتصادي محدود لن تشفع له أي صلاة روحية أو لعبة رياضية، ما دام حاكموه غارقين في لعبة وقحة لا يملكون فيها أياً من الحس الايماني أو الروح الرياضية بل تطغى عليها النوايا السيئة المدمرة والأهداف الملغومة.
المصدر: لبنان الكبير.