أرقام وتفاصيل مرعبة عن خطر شديد يداهم هذا القطاع
“في حقيبةٍ مخصّصة للسفرِ والإستجمامِ، يجمعون فُتات ماضيهم، وتاريخهم، وإنجازاتهم، وأحلامهم التي تكسّرت في لبنان وينطلقون نحو عالمٍ آخر يبدون استعدادهم للتضحية داخله، طالما ان كراماتهم ستبقى محفوظة..
هكذا هم، أفواج أفواج يغادرُ معلمو المدارس الرسميّة لبنان إلى الخليجِ ليلتحقوا بمدارسِهم الجديدة بعد أن حُكمَ على عملِهم بالإعدامِ في لبنان.
هذه هي الحقيقة، والأرقام مخيفة.. فماذا في التفاصيل؟
إجحافٌ مستمرٌ..
“لم نعدْ نستطعْ تحملَ عبءِ الحياةِ في لبنان، فنحن الوحيدون الذي لم يلتفتْ إلينا وزيرٌ أو نائبٌ.. إجحافٌ لم يسبق لهُ مثيل…” هكذا تتحدث “ريم” بحرقةٍ كبيرة، بعد أن أفنت خمس عشرة سنة من عمرها بالتّعليم في لبنان، لتتخذَ قرارًا بالسّفرِ إلى الخليجِ بعدما أمّنت لها زميلتُها التّي سبقتها منذ أشهرٍ أيضًا إلى الخليج مدرسة تعلّم بها اللّغة العربيّة، بمعاشاتٍ مغريةٍ.
مصادرٌ تربويّة مطّلعة على ملفِ الدراسةِ والتّعليم في لبنان تؤكّد ل “لبنان 24” أنَّ عروضًا كبيرةً وكثيرةً وصلت إلى لبنان من دولٍ عربيّة وتحديدًا من دول الخليج، إذ عمدت هذه الدول تدريجيًا الى استقطاب الأدمغة اللّبنانيّة، فالأمر بدأَ أولاً بالأطباء، ثم بالممرضين، وصولاً الآن إلى المعلمين، حيث بات الخليج فعليًا يستحوذُ على الأدمغة اللّبنانيّة ذات الكفاءة والإنتاجيّة التي لن يلقاها بأي يد عاملة ماهرة أُخرى من أيّ جنسيةٍ كانت.
إفراغ المدارس الرسميّة من المعلمين
الأمور ذاهبة نحو التّصعيد الأكبر، هكذا تؤكد معظم المعلمات، فالعمليّة سهلة بالنسبة إلى الكثير منهن، حيث أنَّ الزميلات اللّواتي سبقنهن يستطعن بسهولةٍ أن يجدن لهن أي مدرسة في الخارج، حيث تقوم المعلمة بأخذ إجازة غير مدفوعة للخارج، وتبقى هناك من دون أن تعود إلى لبنان، ما يضع المدارس الرسميّة حتمًا بخطر. تُرتب الزميلة عقد عمل، والشّهيّة تكون مفتوحة على اللّبنانيين حصرًا، إذ أن عقود عملهم تكون جاهزة بسبب الثقة العمياء بخبراتهم.
هذا الخطر تعبّر عنهُ إحدى مديرات الثانويات في جبل لبنان التّي تقول “بأنني استمريت بالتفتيش عن أستاذ لمادة الفيزياء وأخر لمادة الرياضيات حوالى ثلاثة أشهر علمًا أن بدل إنتاجيتهم كان يُدفع من قبل جمعية خيرية موجودة في البلدة، بالسعر الذي طلباه، ولم نُرتّب أيّة أعباء على الدولة أو الوزارة، لنتفاجأ بعد شهرٍ ونصف بأن فرصة تعليمية حصلوا عليها في الخليج، ليلتحقوا بركب زملائهم هناك من دون أي تفكير.
تكمل المديرة:” الأمر لم يتوقف هنا، لا بل كان هذان الأستاذان سببًا بتأمين ست فرص عمل لزملاء آخرين يتواجدون في المدارس الرسمية، حيث أخذوا إجازات غير مدفوعة ولم يعودوا إلى لبنان، بل استقروا في الخارج، وتركوا المدارس اللبنانيّة.
أزمة عمر
تعتبر الفئة الشّبابيّة والمخرّجة حديثًا من أكثر الفئات التّي تتّخذ قرار السّفر إلى الخارجِ إذ تشيرُ الأرقام بأن ٨٤% من الأساتذة أعمارهم أكثر من ٤٠ سنة، حيث أنّ هناك ٧١٢٠ أستاذ ما بين ٥١-٦٠ سنة، و ٣١٣٩ أستاذ قد بلغوا من العمر أكثر من ٦٠ سنة، لتُشكل الفئة الشّبابيّة أي من ٣٠ سنة إلى حد ٤٠ سنة نسبة فقط ١٦٪ من الأساتذة أي حوالى ٣٠٠٠ أستاذ فقط، وهو أمر مرعب وخطير، إذ تُعتبر نسبة متدنيّة جدًا بالمقارنة مع تواجد ٣٩٥١٦ أستاذ في التعليم الرسمي ككل.
أحد أعضاء الهيئة الإداريّة في الرّابطة الثانويّة يؤكد ل “لبنان ٢٤” بأن الأمور ذاهبة إلى المزيد من التّأزم، إذ أن الثانويات والمدارس من الممكن أن تغلق أبوابها بنسبٍ كبيرةٍ ليس بسبب هجرة التّلاميذ من المدارس الرسميّة إلى المدارس الخاصة فقط، لا بل بسبب عدم تواجد كوادر تعليميّة كافية، إذ يقول أنَّ نسبة هجرة الأساتذة بلغت حوالي ٣٥٪ من الأستاذة الذين طلبوا إجازات من دون راتب، أو استيداع، للقيام بأعمال خاصّة في الخارج.
وعليه وسط كل هذا فإن الأساتذة اللّبنانيين باتوا حقًا يجدون بالخارج “السّهل الممتنع” للوصولِ إلى فرصِ عمل لم يحلموا بها في لبنان لتبقى الأنظار شاخصة إلى العام المقبل، فهل ستكون المدارس الرسميّة محط خطر الإغلاق بسبب غياب أكثر من ٤٠٪ من الكوادر التّربويّة التي كانت متواجدة خلال السّنوات الماضية؟
المصدر:لبنان 24.