حذر وزير من الدخول في دوامة إعادة النظر بالدستور
على الرغم من انفتاح العلاقات على مستوى الاقليم، الا ان الخشية هي ان يطول فعلا موعد انتخاب رئيس جمهورية جديد، لاسباب عديدة “اولها ان الفرقاء في لبنان، والاساسيين على الاقل، مرتبطين بشكل او بآخر، بقوى خارجية، وان كانت هذه القوى الخارجية خففت من وتيرة عداواتها وصراعاتها، الا انها لم تصل بعد الى درجة تفاهم يجعلها توحي الى الفرقاء الذهاب الى عملية الانتخاب، كون، شئنا ام أبينا، رئيس الجمهورية في لبنان، يجسّد عادة، توازنات القوى، ليس فقط الداخلية، بل ايضا الخارجية، والاشارة الخارجية الواضحة والصريحة التي ستدفع الفرقاء نحو انتخاب رئيس لم تأت بعد.
وثانيها وانطلاقا من خضوع انتخاب الرئيس لتوازنات داخلية، فان الفرقاء في لبنان لا يملك احدهم القدرة على تأمين 86 نائبا الذين سيوفرون نصاب انعقاد الجلسة وانتخاب الرئيس في الدورة الاولى ايضا، اي انتخاب رئيس من فريقه السياسي. ومن هنا لا بد الا ان يتم توافق حول شخص الرئيس، وهذا التوافق هو في صلب الحياة السياسية اللبنانية”.
هذا التوصيف لوزير مخضرم لعب ادوارا حاسمة في ملفات اساسية على المستويين الاقليمي والدولي والذي تدحث لوكالة “اخبار اليوم” قائلا “ان غرائز القوى السياسية تجنح دائما نحو الانتصار الكامل، لكن هذا الانتصار الكامل في لبنان، وخاصة في هذه المرحلة المعقدة طائفيا وعبر اصطفافاتها السياسية، هو امر مستحيل. وطالما لم ينضج بعد التوافق في الداخل لا ارى ان الفرقاء يستطيعون الاتيان بمرشح من فريقهم ولا ان يصلوا الى هذا التوافق المطلوب حول شخص الرئيس، هذا علما ان اي رئيس ينتخب خارج اطار التوافق لن يستطيع ان يحكم، لان تركيبة لبنان توافقية. فالرئيس ليس فقط عند الانتخاب يحتاج الى توافق على شخصه، ولكن حتى في ما بعد يحتاج الى توافق، والمثل الاكبر الرئيس العماد ميشال عون الذي ان كان قد اتى بتوافق حول انتخابه لكن لم يستمر هذا التوافق لاحقا، فانهارت الدولة ومعها وضع الرئاسة الاولى. من هذا المنطلق، لا ارى بعد ان الامور الخارجية قد نضجت ولا الامور الداخلية قد استوت”.
واعتبر المصدر المذكور “ان الفراغ الرئاسي امر خطير للغاية، ويعني شلل عمل المؤسسات، ولو كانت هناك حكومة، فهذه الحكومة هي حكومة تصريف اعمال، وهي لا تستطيع الا تسيير الاعمال في النطاق الضيق، اي القيام بالامور الضرورية، وهذا سينعكس سلبا على وضع الادارة التي ستنهار اكثر، وعلى الوضع الاقتصادي اذ سيتأخر لبنان في عملية مفاوضات الحلول مع صندوق النقد الدولي، مما سيؤخر أي دعم للبنان في ظل غياب السلطات الدستورية. ومن الواضح جدا ان الامور على مزيد من التدهور ماليا واجتماعيا واداريا، حتى انني أخشى على استمراية المؤسسات الحامية للاستقرار والسلم الاهلي في ظل هذه الازمة وفي ظل امكانية تدهور الحالة الاجتماعية اكثر مما هي عليه، ودخول لبنان الى مزيد من الفوضى”.
ورأى المصدر “انه دوما تلعب التأثيرات والحسابات الخارجية دورا في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وللامور الداخلية عناصرها وتأثيرها، ولكن من ينفي تأثير الخارج على الاستحقاق الرئاسي يتجاهل التاريخ، وكنت اود القول لا يوجد تدخل خارجي في الاستحقاق الرئاسي اللبناني لكن هذا ما لا يقوله التاريخ. لا اريد القول ان الدول الاجنبية لها مرشحين، ولكن اقول ان لها مواصفات معينة، واعتقد حاليا ان معظم الدول ستضغط باتجاه التوافق، ولا تحبذ وصول رئيس تحدٍ، وستوصي اصدقائها في لبنان بما يسمى مواصفات عامة، من دون الدخول في الاسماء. ومعظم الدول والتي تعبّرعن حالة تهدئة اقليمية لا ترقى الى التفاهم تتكلم عن مرشح توافقي وقادر على مخاطبة الخارج وتوحيد اللبنانيين”.
وقال المصدر “لبنان بلد معقد جدا ولا مثيل لصيغته في العالم، وهي مبنية على فلسفة التوافق. مثلا الجيش كان فعالا في مرحلة التوافق وتجسّد ذلك في معركة فجر الجرود، وحاليا اعتقد ان الامور قد تتبلور اقليميا ودوليا باتجاه نوع من الهدوء حتى لو لم يبلغ مرحلة الاتفاق، يتجسّد في الوضع اللبناني عبر اشارات تأتي الى القوى اللبنانية، بأن عليها الاسراع في انتخاب رئيس منعا لتحكم الفوضى في البلاد، وان عليها اختيار الرئيس من بين الشخصيات القادرة. لذلك؛ لا يوجد شيء في لبنان اسمه ترشيح لرئاسة الجمهورية، في لبنان يقوم المجلس النيابي باختيار رئيس آخذا بعين الاعتبار حسابات توازنات داخلية واقليمية ودولية، وقد يكون هذا الرئيس غير مرشح وليس من المرشحين الدائمين، فعملية الترشيح لا قيمة لها طالما المجلس النيابي ملزم بهذه الحسابات الداخلية والخارجية معا”.
واكد المصدر “ان الظرف الحالي غير مؤاتي على الاطلاق نتيجة التشنج والخلل القائم في البلاد، لفتح اي ملف من نوع اعادة النظر بالدستور او بالطائف او بغيره، معتبرا ان فتح هذا الباب سيأخذنا الى معارك اكبر بكثير وغير مضبوطة والى المجهول، وما لدينا في الدستور والطائف والمؤسسات، واذا توفر لنا حكم رشيد وعاقل وعادل، قادر ان يأخذنا الى اعادة بناء الدولة، وعندما تستقر الامور اقليميا وداخليا، وعندما تخرج القوى السياسية من اصطفافاتها الخارجية، نستطيع الجلوس بهدوء الى الطاولة بهدف التطوير كونه مطلوب والدساتير ليست منزلة وتخضع لتطور ظروف البلاد، ولكن للدساتير توقيتها الذي يجب ان يكون توقيتا هادئا وغير مختل بتوازناته وبنوايا سليمة، وما بني على توازن خاطئ سيكون خاطئا.
وختم: انا احذر اليوم من الدخول في لعبة اعادة النظر بأي شيء، وان كنت لم اكن يوما مغروما باتفاق الطائف، لكن هو افضل ما لدينا الان ويمكن ان نبني عليه في بناء الاستقرار والحفاظ السلم والاهلي، خاصة ان الدستور لم يطبق لا بنية سليمة ولا بشكل صحيح، فنحن نحكم على دستور لم نختبره”.
المصدر: ليبانون فايلز.