ماذا تريد واشنطن من لبنان
في وقت تتجه المنطقة الى التهدئة، والمزيد من التعاون بين دول كانت متخاصمة، ابرزها ايران والسعودية، فضلا عن الانفتاح الكبير التي تقوده السعودية تجاه سوريا، يسير لبنان الى فوضى اكبر وازمات وانفجارات معيشية، بدأت تطل برأسها عبر غضب الناس في مناطق متعددة، وآخرها تظاهرات العسكريين المتقاعدين في وجه السلطة السياسية. فلماذا لبنان لم يتلقف او بالاحرى، لماذا لم يُسمح له بتلقف التغيير الايجابي الذي يحصل في الشرق الاوسط ؟ ولماذا لم ينعكس القليل من الهدوء عليه جراء التقارب بين طهران والرياض، خاصة ان ما يحصل ليس محطات سياسية متفرقة، بل جميعها تصب في رسم طريق جديد للمنطقة. ولماذا يبقى لبنان خارج اطار الساعة الاقليمية، الساعة الصينية – السعودية – الايرانية، وما زال الانهيار يتفاقم اكثر فاكثر؟
يقول مصدر ديبلوماسي بارز لـ «الديار» ان اجواء المنطقة باتت مستقرة جدا برعاية صينية، وهي حتما تدخل عصرا جديدا، فالمصالحة السعودية- الايرانية ممتازة، وسيزور الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي السعودية قريبا، كما ان الرئيس السوري بشار الاسد قام بزيارة الى الامارات عبّرت عن حسن العلاقة الجيدة بين الدولتين، كما ان المصالحة المصرية – التركية اكتملت بزيارة وزير الخارجية التركي للقاهرة، اضافة الى العراق الذي يسير نحو الهدوء، حيث انحسرت الاعمال التفجيرية والشغب في اراضيه.
فلماذا لم تنعكس هذه الاجواء على لبنان في الداخل؟ يجيب المصدر الديبلوماسي ان لبنان الديموقراطي لا يناسب الدول العربية كما هي الآن، فضلاعن ان الولايات المتحدة لا تريد ان ينفتح لبنان على الدول العربية، خاصة على سوريا، والدليل على ذلك ان واشنطن منعت جر الغاز من مصر عبر سوريا الى لبنان، كما منعت امداد لبنان بالكهرباء من الاردن عن طريق سوريا، وهذا ما جعل الازمة في لبنان تزداد وتكبر.
ويؤكد المصدر الديبلوماسي ان الولايات المتحدة ارتكزت على حجة ان سوريا قد تستفيد من الغاز المصري على اراضيها والمد الاردني عبر سوريا، ويضيف انها تعترض على العلاقات الممتازة بين الامارات وسوريا، خاصة ان دولة الامارات تدور في الفلك الاميركي، كما ان السعودية قررت فتح قنصليتها في دمشق، وسيزور سوريا وزير خارجية السعودية ويجتمع مع الرئيس السوري بشار الاسد.
فلماذا لا تعترض واشنطن على تعزيز العلاقات السعودية- السورية؟ فيما تعترض على تعزيز علاقة لبنان مع سوريا وعلى اي علاقة يقيمها لبنان مع دول تقيم علاقات جيدة مع السعودية؟ المصدر الديبلوماسي يؤكد ان الولايات المتحدة لا تريد لبنان بلدا ديموقراطيا منفتحا على جواره، بل تريده مخنوقا في عنق الزجاجة، محاصرا لا يخرج منها، وهي تستمر في ايلامه دائما، وربما زيارة نائب وزير الخارجية الاميركي بربرا ليفي الى بيروت، جاءت لترى بام العين التدهور المستمر في بلدنا المطوق.
وفي الاطار ذاته، اعتبرت مصادر عربية رفيعة المستوى ، ان السعودية لا تريد للبنان ان يدخل في المرحلة الجديدة على وقع وصول رئيس تابع لفريق الممانع، وبالتالي مقرب من ايران، وهذا ما يفسر «الفيتو» السعودي على المرشح سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية. واكدت المصادر ان السعودية تريد ان يبدأ التغيير في لبنان بدءا من رئاسة الجمهورية واعادة انتاج السلطات كلها، حيث ان الرياض اسقطت المقايضة الفرنسية القائمة على رئيس للجمهورية من الفريق الممانع ورئيس حكومة لـ14 اذار اذا جاز التعبير.
وتستطرد المصادر العربية الرفيعة المستوى بالقول: ان السلطات الدستورية متكاملة ومتجانسة وليس متصادمة ومتواجهة. في المقابل، يتمسك حزب الله بالمرشح سليمان فرنجية بهذا القدر، مدركا ان المنطقة دخلت في مرحلة تحولات كبيرة. وعليه، يبدو ان هناك توجها لوقف بث محطة المسيرة التابعة للحوثيين، والتي تبث من الضاحية وتستهدف السعودية، وبالتالي يقوم حزب الله بتموضع صغير من منطلق قوة، ويحصن نفسه بما انه قارئ ذكي للمستجدات التي تطرق باب المنطقة حديثا. من هنا، لن يتراجع حزب الله عن فرنجية، ويريد رئيسا على غرار اميل لحود لا يبدل موقفه السياسي، رغم تبدل الظروف السياسية في عهده مع خروج الجيش السوري من لبنان آنذاك.
المصدر: الوطنية