الجيش البريطاني «دون سلاح» بسبب أوكرانيا
عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
تواجه المملكة المتحدة نقصاً كبيراً في المعدات العسكرية والأسلحة. قرارات “10 داونينغ ستريت” التي قضت باستمرار إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، وضعت الجيش البريطاني في مأزق كبير، حسب تقارير إخبارية بريطانية، تناولت هذا الملف بالتفاصيل. وسط هذا، يبذل “صقور الحرب” في بريطانيا جهوداً لإقناع دافعي الضرائب البريطانيين بزيادة الإنفاق العسكري، لكنّ أزمة التضخم والفوضى المترافقة مع تراجع الاقتصاد البريطاني، تبدو مقدمة سجال سياسي حادّ بين “حزب المحافظين” و”حزب العمال”، الذي رفع اهتماماته في قضايا الدفاع بشكل ملحوظ وعن غير عادة في الآونة الأخيرة.
يقول وزير دفاع الظلّ في “حزب العمال”، إنّ المملكة المتحدة “بحاجة إلى تحويل أجزاء من صناعاتنا الدفاعية ومشتريات وزارة الدفاع إلى قاعدة عملياتية عاجلة، بل نحن بحاجة إلى إحياء سلاسل التوريد وعوامل أخرى أدت إلى إبطاء العملية”.
ويضيف: “المملكة المتحدة مطالبة بتغيير الطريقة التي تشتري بها الأسلحة لإعادة بناء مخزونات جيشها”، ويعتبر أنّ هذا التغيير “يجب ألاّ يؤدي أبداً إلى التخلّي عن دعم أوكرانيا”… فكيف التوفيق بين هذين الأمرين؟
أمّا المستشار في شركة “وييلدون” للاستشارات الإستراتيجية هوارد ويلدون، فاعتبر أنّ عملية شراء جديدة للأسلحة “تحتاج إلى دعم سياسي واسع”. لكن على الرغم من كل هذا الكلام، يبدو أنّ الدعم متعثر في ظلّ الظروف الحالية التي تمرّ بها بريطانيا، كما أنّ الدعم قد يتسبب بأزمة سياسية في البلاد، في حال استمرت الحرب في أوكرانيا لسنة إضافية.
صحيح أنّ موعد الانتخابات المقبلة في بريطانيا هو في أوائل عام 2025، لكنّ الفوضى الاقتصادية وتبعات الحرب في أوكرانيا مع أزمة التسلّح تلك، تسببت في “تمزيق” حزب المحافظين الحاكم، بينما استطلاعات الرأي تشير إلى تقدّم “حزب العمال”، الذي يضع نصب عينيه 3 عناوين رئيسية يعتبر أنّها ستكون في مقدمة اهتمامات بريطانيا الخارجية، وهي:
أولا التأكيد على أنّ بريطانيا أبرز عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضمن القارة الأوروبية.
ثانيا، تعزيز الإنتاج الدفاعي. ثالثا، إعادة بناء العلاقات الأمنية مع الحلفاء الأوروبيين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خفض الإنفاق
الرئيس السابق لقيادة القوات المشتركة في المملكة المتحدة الجنرال المتقاعد ريتشارد بارونز، صرّح قبل أسابيع بأنّ القدرات القتالية للقوات البريطانية “أفرغت من خلال خفض الإنفاق”، وإنّ سنوات من خفض إنتاج الذخيرة يعني، أنّ مخزون الجيش البريطاني من الأسلحة “سينفد بعد ظهر يوم حافل”، في أي حرب تواجه بريطانيا، كاشفاً في الوقت نفسه، أنّ جيش بلاده قد انخفض تصنيفه بالفعل من “المستوى الأول” الذي يضمّ الولايات المتحدة وروسيا والصين، إلى “المستوى الثاني” مثل ألمانيا وإيطاليا، داعياً الحكومة البريطانية إلى تخصيص المزيد من الأموال من أجل تعزيز القدرة العسكرية للبلاد. أمّا وزير الدفاع بن والاس، فاعتبر أنّ الجيش البريطاني تُرك “مجوفاً يعاني نقصاً هائلاً في التمويل”، بعد قرار الحكومة الاستمرار في دعم أوكرانيا، حاضاً إياها على الإنفاق في المجال الدفاعي، وواعداً باستبدال أسلحة جيش بلاده على الفور.
أمّا صحيفة “الديلي ميل” فنقلت عن رئيس الحكومة ريشي سوناك يوم الاثنين الفائت بأنه يعتزم زيادة مستوى الإنفاق الدفاع إلى قرابة 6 مليارات دولار خلال هذا العام. ووفق تقرير نشرته صحيفة “الصن” البريطانية مطلع شهر شباط/فبراير، فقد أدى نقل السلاح من لندن إلى كييف إلى “ترك فوجين من فرق المدفعية الملكية منزوعة السلاح تماماً”. وهذا يعني أن المملكة المتحدة بدأت تفقد حصانتها العسكرية في حالة اندلاع أيّ حرب على أراضيها بسبب تراجع مخزون السلاح لديها. التقديرات تشير أيضاً في هذا الصدد، إلى أنّ ذخيرة الجيش البريطاني لن تكفي أكثر من بضعة أيام فقط، بينما تستغرق عملية إعادة تجديد مخزون الأسلحة إلى ما بين 5 و10 سنوات، وذلك لاستعادة فرقة جاهزة للقتال قوامها 25000 إلى 30000 جندي، مزوّدة بالدبابات والمدفعية والمروحيات.
تفيد المعلومات أيضاً، بأنّ جنرالاً أمريكياً رفيعَ المستوى، أسرّ لوزير الدفاع البريطاني بن والاس، أنّ واشنطن ما عادت تعتبر الجيش البريطاني الآن، ذا “قوة قتالية عالية المستوى”، بل تراجعت إلى صفوف الدول ذات “المستوى الثاني”. أمّا رئيس الأركان البريطاني باتريك ساندرز، فأشار إلى أنّ القوات المسلحة البريطانية، تُركت بالكامل من دون مدفعية ثقيلة بعد أن سلمت جميع حاملات المدفعية ذاتية الدفع من نوع AS 90 الصالحة للخدمة وعددها 30، إلى الجيش الأوكراني، مقوضة بذلك قدراتها الدفاعية، خصوصاً بعد إرسال دبابة “تشالنجر” إلى أوكرانيا. هذا الأمر ينطبق أيضاً على مخزون الصواريخ، إذ تفيد التقارير بأنّ نقل صواريخ كروز من نوع Storm Shadow أو Scalp إلى كييف، بتوجيه من سوناك، قلّل بشكل كبير من الإمكانات العسكرية للقوات الملكية، بينما تجديدها قد يستغرق نحو 10 سنوات وبتكلفة لا تقلّ عن 3.6 مليار دولار، ناهيك عن النقص في عديد المدربين والمتخصصين، إذ تشير المعلومات إلى أن أكثر من 2000 متخصص ومدرب غادروا القوات المسلحة، كما انخفض عدد المجندّين بنسبة 30% أيضاً… وهذا كلّه ينبئ بانخفاض الإمكانات العسكرية للجيش البريطاني بشكل مريع.
دعم عسكري بلا حدود… ما خلفياته؟
كل هذه الظروف، أدّت إلى تقليص قدرات الجيش البريطاني، نتيجة قرار الحكومة تقديم المساعدة لأوكرانيا بهذا الشكل الأعمى، وهذا يطرح السؤال التالي: هل دعم أوكرانيا عسكرياً يستأهل كل هذه التضحيات على حساب الجيش البريطاني؟ آراء الخبراء في السياسات الخارجية البريطانية، تفيد بإنّ إجراءات الدعم التي ألزمت لندن نفسها بها، لم تكن إلاّ “واجهة”، بينما الغرض الحقيقي من ذاك الدعم خلفه نوايا مبيّتة، وعنوانها الرئيسي “إغراق أوكرانيا بوحول الحرب وكذلك بالديون”.
لأنّ سكوت المدافع بعد حين، سيجعل من كييف ساحة جديدة لنوع آخر من “الاستعمار”… وهذا ليس أمراً جديداً على بريطانيا ونزعات التوسع خارج الحدود، خصوصاً إذا ما ربطنا هذا الهدف مع أول بند في أجندة “حزب العمال”، الذي يقترب ببطء من السلطة!