في إجراء تفوق قيمته المعنوية تلك المادية، بات سعر صرف الدولار الرسمي 15 ألف ليرة. فبعد تثبيته عام 1997 للحفاظ على ثبات الليرة عند سعر الـ 1507 بعد انتهاء الحرب، قرر حاكم مصرف لبنان رفع هذا السعر في خطوة نحو توحيد سعر صرف الدولار مستقبلاً. إلا أن العناوين العريضة هذه ليست ما يجذب اللبنانيين، إنّما مصير السلع والضرائب التي تكويهم في ظل أكبر انهيار تسجّله العملة الوطنية في تاريخها.
تداعيات عدّة على السوق
الخبير الإقتصادي ورئيس جمعية “المعهد اللبناني لدراسة السوق” باتريك مارديني، أكّد أن تداعيات عدّة سيشهدها السوق بسبب رفع سعر صرف الدولار الرسمي إلى 15 ألف ليرة، منها تلك المتعلقة بالضرائب.
وفي حديث لـ”لبنان 24″، أشار مارديني إلى أن القطاع الجمركي سيتأثر بالشكل الأبرز بهذا الإجراء، مؤكداً أن “التجار كانوا يدخلون بضائع بالدولار ويحولونها في السابق على سعر الـ1500 ليرة وتخضع للجمرك بحوالي الـ10ً% على سبيل المثال. أما الآن فسيتم تحويل سعر البضائع على الـ15 ألف لتخضع للجمرك الذي ستزيد قيمته بطبيعة الحال”.
وأضاف: “ليس الجمرك فقط هو ما سيشهد ارتفاعاً، إنما كل الضرائب التي لها علاقة بالدولار الأميركي وكل العمليات التجارية التي يتم تسعيرها بالدولار ستتأثر، خاصة البضائع التي دخلت إلى لبنان على سعر الـ1500 وستخرج من المستودعات على سعر الـ15000”.
وأعطى مثالاً على ذلك قائلاً: “فلنعتبر أن أحد التجار أدخل بعض البضائع إلى لبنان بقيمة 100$، على السعر القديم كان سيسجّل أن له بضائع بقيمة 150 ألف ليرة، ولنعتبر أيضاً أنه باع البضائع هذه بـ100$ فلم يحقق بالتالي أي ربح. أمّا على السعر الحالي أي 15 ألف ليرة، فسيسجّل أن له بضائع بقيمة مليون ونصف ما يحتّم عليه أن يسجّل ورقياً أنه حقق ربحاً بقيمة 1350000، على الرغم من أنه فعلياً لم يربح شيئاً كما أنه سيدفع ضريبة على هذا الربح الوهمي الذي حصل بسبب تعدّد أسعار الصرف بين لحظة دخول البضائع إلى مستودعاته ولحظة خروجها منها”.
كما تطرّق إلى ضريبة الدخل بالقول إنه في السابق كان الموظفون يخضعون لهذه الضريبة وتلحق بهم الشطور، فكانوا يحوّلون دولاراتهم التي يقبضونها على الـ1500. على سبيل المثال، يلحق الشطر المتدني من الضرائب بموظف يتقاضى راتبه بقيمة 400$ أي 600 ألف ليرة على الـ1500 ، أمّا على الـ15 ألف فسيلحق به الشطر الأعلى لأن راتبه بات يحسب بـ6 ملايين ليرة”.
… والسحوبات من المصارف
وفضلاً عن هذه التداعيات، تحدث مارديني عن ضرر سيلحق بأسعار التخمينات العقارية والسحوبات من المصارف، وقال في هذا الإطار: “هذا الأمر يخفف من أسعار الصرف فأصبحت تسعيرة الـ15 ألف رسمية وموحّدة، إلا أن هذا الأمر قوبل بخفض لسقوف السحوبات في محاولة من المصرف المركزي لتقليل طباعة الليرة”.
وعن إيجابية رفع سعر الصرف الرسمي، شدد مارديني على أنها تكمن بتقريب هذا السعر من سعر السوق الموازية الذي يبلغ حالياً حوالي الـ 65 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، منطلقاُ من أن السوق الموازية هي الأهمّ اليوم لأنها المنبع الحقيقي للحصول على العملة الخضراء في ظلّ الإنهيار المتسارع لليرة.
وهنا، فسّر مارديني أن هذ الإجراء الذي اتخذه مصرف لبنان والذي دخل حيّز التنفيذ، لا يؤثر بشكل أساسي على سعر الصرف على اعتبار أنه في ظل السياسات النقدية الخاطئة لن يتغير الواقع الحالي، خاصة من استمرار المصرف المركزي بطباعة الليرة، وهو السبب الأبرز للتضخم ولارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية.
ماذا عن التسعير بالدولار؟
وعن علاقة هذا الإجراء بتسعير كل السلع بالدولار، انطلق مارديني من السماح للقطاع السياحي بالتسعير بالدولار، الأمر الذي سينطلق الأسبوع المقبل في السوبرماركت والمحلات، مشيراً إلى أن كل البلدان التي شهدت انهياراً في عملاتها ذهبت نحو الاتجاه نفسه من حيث تسعير السلع بالعملة الخضراء أو اليورو، ما يؤكّد أن الاتجاه هو نحو الدولرة في محاولة لتحقيق استقرار في الأسعار، لأن الليرة ليست قادرة على الحفاظ على قيمتها.
واعتبر أن هذا التوجه هو لصالح المستهلكين لأنه سيضمن وضع الأسعار على الرفوف في المحال التجارية خاصة وأن الكثيرين هم من ذوي الدخل المحدود، وذلك بالإضافة إلى أن التسعير بالدولار يسمح للأسعار بالإنخفاض، وبالتالي ستنخفض أسعار السلع بهامش ولو قليل، لأن التجار يزيدون السعر تلقائياً تحسباً لأي تغير مفاجئ في سعر الصرف.
إلى ذلك، شدد مارديني على أن رفع سعر صرف الدولار الرسمي إلى 15 ألف ليرة لن يسبب مضاربات في السوق الموازية “حيث أن مصرف لبنان المركزي هو المضارب الوحيد الذي يضخّ ليرة بكميات هائلة ثم يسحبها بكميات هائلة”.
وقال: “في الأشهر الستة الأخيرة، زاد مصرف لبنان كمية الليرة في التداول من 40 تريليون ليرة في منتصف الـ2022 إلى 80 تريليون ليرة في آخر الـ2022، ما أدّى الى دوبلة الكتلة النقدية وبالتالي زادت الأسعار وارتفع سعر صرف الدولار وزادت طباعة الليرة ما سبب فائضاً”.
من هنا، اعتبر مارديني أن رفع سعر صرف الدولار الرسمي إلى 15 ألف ليرة هو الدليل الأكبر على أن لا مضاربات في السوق.