تابعوا قناتنا على التلغرام
Uncategorized

عصارة نفايات وغازات قاتلة في طرابلس: تمديد المشكلة بانتظار الانفجار العظيم !

نصفُ قرنٍ من العشوائية في إدارة ملف النفايات في طرابلس، أدّت إلى تعاظم المشكلة إلى حدٍّ باتت معه الحلول المطروحة مُكلفة وغير مجدية. ووُضع المواطن الطرابلسي أمام خيارين، إمّا تكدّس النفايات في الطرقات، أو مكبّات عشوائية تتحوّل مع الزمن إلى قنابل موقوتة بسبب غياب الحلول العلمية المستدامة وفشل تجربة معمل الفرز القديم.

ويشكّل مكب النفايات القديم في عاصمة الشمال الذي يمتدّ على مساحة 67000 متر مربّع بسعة مليوني متر مكعّب من النفايات وبدأ يستقبل النفايات منذ الحرب اللبنانية وأغلق نهائياً عام 2019 من دون معالجة، أنموذجاً لتعامل الحكومات المتعاقبة مع هذا الملف الشائك. فمن تمديد إلى تمديد للعمل بالمكبّ، أصبح قنبلةً على وشك الانفجار على خاصرة المتوسط وفي قلب الشمال بعد أن بلغ ارتفاعه 45 متراً (قبيل إقفاله) وبدأت الانهيارات في داخله، وتعطّلت كل الوظائف الضرورية من محارق البيوغاز إلى معالجة العصارة التي ظلّت تعمل إلى 2013. ورغم إقفاله، لا يزال المكبّ يشكّل خطراً نظراً لوجود البيوغاز داخله والذي يتشكّل بأغلبه من غاز الميثان الذي تكمن خطورته بشكل خاص في إمكانية اشتعاله وانفجاره في حال حدوث حريق كبير. (وهذا بالضبط ما خُشي منه في أيلول الماضي مع اندلاع الحريق الكبير في المكب القديم ودقّ ناقوس الخطر).

وعام 2019 حين قرّر المسؤولون البحث عن بديل، لم يكن حلاً متكاملاً لإدارة النفايات، إنما إنشاء “مطمر جديد” للنفايات في منطقة ملاصقة للمكبّ القديم، ريثما تتمكن الحكومة من إنجاز خطة متكاملة لإدارة النفايات تُراعي الشروط الصحية والبيئية. مرّت السنون، وشارف البديل هو الآخر على بلوغ قدرته الاستيعابية القصوى بحسب المهندس أحمد قمر الدين، رئيس بلدية طرابلس، فيما يستمرّ التخبّط في معالجة المكبّ القديم الذي تتسرّب عصارته إلى البحر على عكس الجديد الذي غطيت أرضيته بطبقة عازلة. وبتنا الآن أمام جبلٍ آخر آخذ في الارتفاع، إلى جانب المكبّ القديم “القنبلة الموقوتة”.

وبعد الحريق الذي اندلع في المكبّ القديم في أيلول الماضي وأثار ذعر السكان لكونه يقع على مقربة من المرفأ، ينتظر الطرابلسيون تحقّق ما بشَر به مؤخراً وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين بأنّه سيكون هناك حلّ قريب لمكبّ النفايات القديم في طرابلس بعد تأمين التمويل.

جانب من مكب النفايات في طرابلس أثناء الحريق

مزيج من الخطورة: بيوغاز وعصارة سامّة   

إذاً رغم إقفاله، لا يزال مكبّ النفايات القديم في طرابلس ينتصب قرب البحر مع كل ما يحمله من آثار ضارّة. فمن ناحية، ما زال الموقع يختزن كمية كبيرة من البيوغاز أو الغاز الحيوي، وهو خليط من الغازات الناتجة عن تخمير المخلّفات العضوية بمعزل عن الهواء بمساعدة الميكروبات اللاهوائية. وهذه الغازات هي الميثان، وثاني أوكسيد الكربون، والنيتروجين، والهيدروجين، وكبريتيد الهيدروجين. وتكمن الخطورة الحقيقة في إمكانية اشتعال هذا الغاز. ومن هنا، تحذير الخبراء من إمكانية انفجاره في حال حدوث حريق كبير.

وحسب تقرير خبراء أعدته نقابة المهندسين في طرابلس في آب 2020 بعد الكشف على المكبّ، “تستغرق عملية تخمير النفايات العضوية لإنتاج البيوغاز، ما بين 3 و5 سنوات”، وعليه فإنّ “المكبّ يختزن منذ تعطّل محرقة البيوغاز عام 2013، كميات كبيرة منه علماً أنّه كان يتم حرق حوالي 1000 متر مكعب يومياً في المحرقة. وكمية البيوغاز الموجودة والمخزّنة بين طبقات التراب في المكبّ، يمكن، إذا تمّ نبش أجزاء من التربة، أن تطلق جزءاً منها في الهواء”.

أما الخطر الثاني، فيأتي من العصارة التي تقدّر بـ 70 متراً مكعباً كمعدل يومي صيفاً، وتزداد مع موسم الأمطار لتصل إلى 100 متر مكعب بفعل المتساقطات، وتذهب من دون معالجة إلى نهر أبو علي والبحر والمياه الجوفية. وتصنّف العصارة سائلاً سامّاً، وتبلغ نسبة تلويثها ستين ضعفاً مقارنة بمياه الصرف الصحي، وفق المهندس جلال حلواني رئيس لجنة البيئة سابقاً في بلدية طرابلس- أحد الذين شاركوا في الكشف على المكب. وهذه العصارة تتسرّب أفقياً إلى مجرى نهر أبو علي الذي يصب بدوره في البحر من دون معالجة، كما أنّ العيّنات أثبتت وجود معادن خطرة داخلها من زئبق ورصاص، مما يؤثر سلباً على الحياة البحرية في مدينة الميناء.

وبحسب فريق من خبراء نقابة المهندسين، أظهرت عيّنة العصارة المستخرجة من داخل المكبّ ارتفاع الحرارة فيه إلى 28,9 درجة مئوية داخله ووجود نسب عالية من الملوّثات الإيونية والمعادن الثقيلة التي تذهب مباشرة إلى البحر.

وخلص تقرير فريق نقابة المهندسين إلى أنّ مكب النفايات “قنبلة موقوتة” ويمكن أن يتهدّد البيئة والمواطنين في حال حدوث حرائق بسبب وجود كميات كبيرة من الغاز الحيوي في جسم المكب.

وهذا هو الوصف الذي أعطاه أيضاً للمكب د. إسماعيل عباس (خبير كيميائي) خلال مؤتمر نظمته نقابة الأطباء في طرابلس في 8 تشرين الأول حيث قدّر وجود 80 مليون متر مكعب من البيوغاز مخزّناً داخل المكب. وذكّر بحوادث وقعت في مكبّات خارج لبنان بينها انفجار في مكبّ بتركيا تسبّب بسقوط قتلى. لذلك تأتي معالجة البيوغاز المختزن في الداخل خطوة أساسية في أي عملية معالجة للمكب، ناهيك عن العصارة التي تتضمّن 55 مركباً كيميائياً عضوياً سامّاً ومسرطناً.

وقد صنّف عباس المكب ضمن طبقات، الطبقة القديمة تضمّ نفايات يعود بعضها إلى ثلاثين عاماً، ويفترض أنّ الانبعاثات الناجمة عنها قد تلاشت إلى حد كبير. ولكن في المقابل، هناك الطبقات الحديثة التي تعود إلى ثلاث سنوات، وفيها تستمرّ عملية إنتاج الغازات.

وينطلق من هذا التشخيص ليصوّب على الحلول المعتمدة بلبنان، والتي تعتمد الطمر، علماً أنّ “الطمر هو آخر حلّ معتمد في خطط إدارة النفايات الصلبة، وهناك خطوات لا بد من اتباعها، لتقليل النفايات، ومعالجة النفايات العضوية التي تؤلف 52% من نفايات لبنان وتسبيخها، وتدوير النفايات القابلة لإعادة الإستعمال، والتي تشكل نسبتها  37%، فيما يبقى 10% للمطامر”.

وقد شكّل حريق المكب في 14 أيلول 2022 تأكيداً على استمرار خطورة هذا الجبل. يومها اتخذ قرار بعلاج موضعي مؤقّت عبر وضع طبقة إضافية من التربة على السطح بهدف تكوين سماكة لمنع حصول تماس بين الحريق المحتمل، والغاز المختزن داخل المكب.

ترك النفايات في الشوارع للضغط من أجل تمديد العمل بالمكبّ

مخاطر على البيئة والصحة والناس

يحذّر د. منذر حمزة، مدير مختبرات الجامعة اللبنانية من أنّ الملوّثات والمعادن الموجودة في عصارة المكب تترسّب في أجسام الكائنات البحرية كالأسماك وغيرها. وبالتالي ستنتقل هذه المواد إلى أجسام الناس عند استهلاك السمك الملوّث. ويطالب د. حمزة باستخراج الغازات الناتجة عن التخمّرات وتحديداً الميثان، وذلك تفادياً لوقوع حوادث. ويشدّد على أنّ آثار جبل النفايات كبيرة وتتسبّب بخراب بيئي مدمر للمنطقة التي يقع عندها أي شاطئ مدينة طرابلس، وذلك بالشراكة مع ظواهر أخرى كالمجارير التي تصب من دون معالجة بفعل تعطّل محطّة التكرير، ممّا يتسبب بتلوّث المياه الجوفية، والبحر، والهواء، وضرر اقتصادي فادح.

وبدأ الصيادون في طرابلس منذ العام 2005 يشعرون بتأثير العصارة المتسرّبة إلى البحر على مصدر رزقهم، على حد قول أحد هؤلاء ويدعى سامي: “كنا نصطاد سمك المرمور، الفيران، البطريز البلدي، الأبو شوكة، وكان يصل وزن إحداها إلى 2 كيلوغرام، أما الآن فلم نعد نرى هذه الأنواع في المنطقة المحيطة للمكب”. ولم يقتصر الأمر على اختفاء هذه الأسماك، وإنّما “لاحظنا ازدياد تلوث مياه البحر حيث باتت المياه معكّرة، ولم يعد بإمكان الصياد رؤية الأعماق لرمي الشباك والأقفاص، وكذلك الأمر بالنسبة للغطاسين”. ويضيف سامي “لم نعد أيضاً نجد الكائنات البحرية الأخرى عند مصبّ نهر أبو علي من أصداف، حشائش، وطحالب”، كما يساهم التلوث وخصوصاً بأكياس النيلون في تخفيض أعداد السلاحف البحرية. ويؤدي كل ذلك، إلى الإضرار بمورد رزق أساسي من موارد أبناء الميناء، كما يحرم الأكثرية العظمى من السباحة في تلك المنطقة القريبة من جبليْ النفايات.

ويؤكد د. حمزة أنّ “من أهم وأخطر تداعيات الطمر العشوائي للنفايات التي تتضمّن أيضاً نفايات طبية هو أنّها تصبح بؤرة لانتشار الأمراض الجرثومية؛ مثل التيفوئيد، والكوليرا، والتهاب الكبد الوبائي، وغيرها. ويذكر أنّ هذه الأمراض ظهرت في طرابلس خلال الفترة الماضية بفعل سوء معالجة ملف النفايات على مستوى محافظة الشمال، حيث تحوّلت جوانب الطرقات من منطقة القبة إلى أبي سمراء، والبداوي وغيرها، إلى مكبّات للنفايات.

ويحذّر طبيب الأمراض الصدرية، د. حلمي درويش بدوره من الربو ومرض الانسداد الرئوي التي تتزايد أعراضها بفعل الغازات المنبعثة من النفايات، ويصبح المصاب يعيش في ظل نوبات حادة على مراحل متقاربة. كما يحذّر من إمكانية تزايد إصابات السرطان الرئوي في حال التعرّض بصورة متكرّرة للانبعاثات الكيميائية الناجمة عن حرق النفايات على فترات طويلة.

جبل من النفايات

تاريخ نشوء المكب: تمديد متواصل للمشكلة

يروي الخبير البيئي ورئيس لجنة البيئة سابقاً في بلدية طرابلس د. جلال حلواني أنّه عام 1975 بدأ تجميع النفايات في المكب العشوائي في منطقة المحجر الصحي عند أطراف المدينة خلال فوضى الحرب اللبنانية. وعام 1997 شهد المكب اندلاع حرائق كبيرة، وانبعاث روائح غازات كريهة، كما تساقطت النفايات في البحر. وبقي المكبّ عشوائياً ترده النفايات من طرابلس والجوار لغاية 1999 إلى أن بدأ ينشأ في المدينة رأي عام ضاغط لإيجاد حل للأزمة، مما دفع إلى بدء تنظيم المكبّ حسب د. جلال حلواني. وقد أوكل لشركة “باتكو” (بدوي أزعور) تشغيل المكب بموجب اتفاق مع الإنماء والإعمار لتبدأ مسيرة ارتفاع الجبل رويداً رويداً وبشكل متزايد من 15 متراً في عام 2000، إلى 35 متراً في 2016.

عام 2004، بدلاً من الانتهاء من المكب، وبسبب عدم وجود بديل، تم التمديد له 5 سنوات إضافية، وأجريت له بعض التحصينات بحسب حلواني لزيادة قدرته الاستيعابية، حيث شُيّد حائط دائري بارتفاع 12 متراً لكي يتمكّن من الارتفاع 22 متراً. جاء عام 2009 وتمّ التمديد مجدداً للمكبّ، “بالرغم من بلوغ قدرته الاستيعابية”، بحسب حلواني، “على أن يتمّ إغلاقه في نهاية 2012. وتمّ رفع الحائط الدائري الحاضن للمكبّ للسماح له بالارتفاع أكثر ليصل إلى 29 متراً”. ويتطرق حلواني إلى محطة أساسية في سياق التخبط في معالجة الملف: “ففي 18 أيار 2012، أبلغ مجلس الإنماء والإعمار رئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) عن وضع حرج وصله مكبّ طرابلس، وبأنّ القدرة الاستيعابية القصوى سيبلغها في 31 كانون الأول 2012، واقترح إغلاق المكب، وإيجاد مطمر بديل”. لكن “دفع عجز السلطات المحلية عن إيجاد بديل، إلى استمرار العمل في المكبّ بالرغم من العلم بالمخاطر الناتجة عن تعطّل وظائفه الأساسية”. والوظائف المقصودة هي محطّة معالجة العصارة السائلة الناتجة عن النفايات، التي باتت تصب بدون معالجة مباشرة في نهر أبو علي، مما يجعله مستقبِلاً لمركّب كيميائي خطير ومكثف من المعادن الثقيلة وأنواع مختلفة من البكتيريا الضارة، وإعادة العمل بمحرقة البيوغاز، بسبب تراكم النفايات فوقها وتشكيلها طبقة سميكة تمنع تنفّس المكبّ.

فحتى 2013، كان يتمّ سحب العصارة بواسطة 8 آبار وضخّها إلى محطة المعالجة، كما كان هناك 38 بئراً لسحب البيوغاز على عمق 25 متراً، وكانت المحرقة قادرة على التخلّص من 2000 متر مكعب في الساعة، حسب حلواني. ولكن كلّ ذلك توقّف في ذلك العام مع ازدياد ارتفاع الجبل الذي تجاوز قدرته الاستيعابية القصوى. ورغم ذلك أقرّت الحكومة تمديداً إضافياً له، إلى أن جاءت الانهيارات المتكررة في عامي 2017 و2018، لتنبئ الجهات الرسمية بقرب الكارثة الكبرى، وهو ما دفع أخيراً إلى إغلاق المكب بصورة نهائية في 2019، بعد 44 عاماً من نشوئه، ومن دون معالجة النفايات فيه.

يشار إلى أنّه لا يوجد حساب للكلفة الإجمالية للمكبّ القديم لأنه مرّ بمراحل متعاقبة وبتمديد وراء تمديد، وانتقل من مرحلة العشوائي إلى المنظّم.

وعام 2019 أطلق مجلس الإنماء والإعمار 3 مناقصات لمعالجة المكب القديم، بحسب رئيس المجلس نبيل الجسر لكن لم يتقدّم أحد إليها. ويعزو الجسر في حديث إلى “المفكرة” ذلك إلى “انهيار الليرة مقابل الدولار وعدم رغبة أحد في الدخول بتعاقد خاسر”. ومؤخراً، أطلق المجلس مناقصة رابعة يستبشر الجسر خيراً منها لأنّها “ستكون بالدولار الفريش”. وكان الوزير ياسين أعلن أنّ “الحكومة تمكّنت من الحصول على هبة من الصندوق الكويتي لتمويل مشروع تأهيل وإقفال مكب طرابلس القديم بطريقة بيئية في إطار خطة مستدامة لإدارة النفايات الصلبة في طرابلس والجوار. ويساعد التمويل الخارجي في تجاوز عقبة لطالما تذرّعت بها الحكومة لتأخير معالجة المكب. ويؤكد النائب رامي فنج (تم إبطال نيابته بقرار من المجلس الدستوري) على وجود تنسيق مع ياسين لمعالجة المكب القديم بصورة تامة. ويلفت في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ “فترة عمل المطمر الجديد تنتهي خلال أشهر، ولا بدّ من إيجاد حل بديل لعدم الدخول في الفراغ، كما لا بد من العمل لمعالجة المكبّ القديم بعد تغليفه وزراعته، وتحويله إلى غابة كبيرة، والبدء بإنشاء معامل الفرز للبدء بالفرز من المصدر، وإعادة استعمال البلاستيك والكرتون”.

مكبّ جديد ومشاكل جديدة   

عشية الانتخابات النيابية في أيار 2018، سارع نوّاب المدينة والجهات السياسية الفاعلة، إلى البحث عن حلّ بأقلّ خسائر “سياسية” ممكنة، حيث كان التوجّه إلى إنشاء “مطمر صحّي” كما أسموه ملاصق للمكبّ القديم، على شاطئ البحر، فيما بقيت الحلول البيئية المستدامة مؤجّلة.

وتعاقد مجلس الإنماء والإعمار مجدداً مع “باتكو” في 8 آب 2018 لإنشاء مطمر جديد “مؤقّت”، يتألّف من 3 خلايا، بقيمة إجمالية بلغت 33 مليون دولار. وقد استعجل المجلس إقامة الإنشاءات الهندسية، والكواسر، والردميات، ووضع طبقة عازلة لمنع التسرّب إلى البحر، ولكن لم يتمّ استحداث محطة لمعالجة العصارة.

يحذّر أحمد قمر الدين، رئيس بلدية طرابلس من أنّ المكبّ الجديد بدأ يصل بدوره إلى مرحلة الإشباع في ظلّ عدم وجود مكان بديل بسبب الخلافات السياسية والمناطقية ورفض الشرائح الشعبية في مختلف المناطق إقامة مكبّات على أراضيها. ويوضح: “امتلأت خليّتان بالكامل، والخلية الثالثة تمتلئ خلال أشهر قليلة”.

ويتابع أنّ “العصارة لا تتم معالجتها في المطمر الجديد، ولكن من أجل منع تسرّبها إلى البحر، أقيمت مسارات داخل المطمر (مجاري وأحواض تجميع)، ويتم تدويرها في المطمر، حيث يتمّ سحبها وإعادة رشها على النفايات داخل المطمر”.

ويحذر أيضاً رئيس اتحاد بلديات الفيحاء حسن غمراوي من “أنّنا قد نكون أمام تمديد جديد أو توسيع في البحر أو المزيد من الارتفاع”.

ويشير قمر الدين إلى أنّه في حال فشل مشروع معالجة المكبّ، ثمة حلّ للجبل ينطلق من مباحثات مع نوّاب المدينة الجدد “لا يقوم على معالجة الأرضية لعدم إمكانية ذلك في الوقت الحالي، بل يستعاض عنها بسحب العصارة ومعالجتها، وكذلك استخراج البيوغاز. ونتّجه إلى إطلاق عملية تشجير للمكبّ، من خلال غرس 4000 شجرة في الجبل القائم، فمن ناحية يتحوَل إلى ما يشبه الحديقة، ومن جهة أخرى تتحسن نوعية الهواء والظروف البيئية في المنطقة المحيطة”.

من تظاهرة ضد المكب (من موقع الكلمة أونلاين)

تحرّكات باتّجاه القضاء

أثارت الكارثة البيئية التي حلّت بطرابلس مع ارتفاع جبل النفايات القديم والجديد، حركة احتجاج تجلّت في إخبارات ودعاوى من بينها الإخبار الذي تقدّم به القاضي جناح عبيد في أعقاب الانهيارات التي طالت المكبّ القديم لدى النيابة العامة الاستئنافية في الشمال بصفته مواطناً طرابلسياً في 19 نيسان 2018، للتحرّك لإجراء التحقيقات واتخاذ القرارات المناسبة بشأن “الأضرار البيئية والصحية والاقتصادية التي تتسبّب بها الإدارة الكارثية للنفايات في المدينة”، “تحديداً في الأرض والمياه بمحيط المكبّ الكائن في محلة المرفأ في القسم الشمالي للمدينة، باتت في حالة نكبة تطال نظامها الإيكولوجي وتنوّعها البيولوجي”.

يقول د. يحيى الحسن وهو ناشط شارك القاضي عبيد في الشكوى إنّ المخالفات في إدارة ملف النفايات في طرابلس، لا تحتاج إلى تدقيق عميق من قبل خبراء، لأن هناك بنوداً تعاقدية أساسية لم يتم الالتزام بها، مثل عدم إنشاء محطات لمعالجة البيوغاز والعصارة من أصله في المطمر الجديد.

وقدّم الحسن أيضاً مع تحالف “متّحدون” في 15 تموز 2019 شكوى جزائية أمام النيابة العامة البيئية في الشمال في ما يخصّ المكب الجديد، بوجه نبيل الجسر بصفته رئيس مجلس الإنماء والإعمار، وأحمد قمر الدين بصفته رئيس اتحاد بلديات الفيحاء، ويحيى نور الدين الباش المفوض بالتوقيع عن شركة “باتكو” وذلك بجرم مخالفة أحكام قانون حماية البيئة رقم 444 تاريخ 29/6/2002 وأحكام قانون النفايات رقم 80 الصادر في تاريخ 10/10/2018 وأحكام اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط التي وقع عليها لبنان في العام 1976، لا سيّما تلويث البحر والمخاطر البيئية والصحية الناتجة عن جبل النفايات.

وبعد إحالة الملف إلى قاضية التحقيق الأولى سمرندا نصار، حددت الأخيرة جلسة في شهر كانون الأول الجاري. إلّا أنّ اندلاع الحريق في جبل النفايات، دفعها لتقريب موعد الجلسة إلى 29 أيلول الماضي، حيث أثار المدعى عليهم حينها مسألة الدفوع الشكلية. وأصدرت القاضية نصار قراراً بإجراء معاينة فنية لجبليْ النفايات القديم والجديد في 4 تشرين الأول وادّعت على مجلس الإنماء والإعمار، ورئيسه نبيل الجسر سنداً للمادة 60 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. ولا يزال فريق الخبراء المكلّف من قبل نصّار يتابع المعاينات الحسّية في سياق إعداد التقارير العلمية والتقنية المطلوبة. وتنتظر القاضية نصار تقارير الخبراء لتحديد مواعيد لجلسات الاستجواب.

المصدر : بشير مصطفى – المفكرة القانونية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى