زعفران الجنوب منافسٌ جدي “للتبغ” في أحد معاقله الرئيسية !
سامر الحاج علي
بعيدًا عن سياسة “الترقيع” في طريق البحث عن بديل لزراعة التبغ في المناطق الحدودية من جنوب لبنان، ذهب المهندس محمد طحيني، ابن بلدة عيتا الشعب المرتبطة بالشتلة المرة كارتباطها بترابها مذ تحولت إلى سبيل عيش لغالبية عائلاتها، والتي هجرت نسبة كبيرة منهم الحقول هذا العام مع تراجع انتاجيتهم بسبب الاسعار التي اشترت الريجيه محاصيلهم على أساسها في الموسم الماضي، متجهين نحو البحث عن زراعات تحل مكان التبغ ولا تحتاج للري في منطقة تعاني من شح المياه خاصة خلال اشهر انقطاع المطر.
واقعٌ كان محمد الذي امتشق تعب التبغ منذ صغره، يحاول باكرًا البحث عن طريق للخروج منه، فاهتدى إلى مصدر للحصول على بعض بصيلات الزعفران بعد دراسة أعدها حول هذه النبتة التي تبين أنها يمكن ان تتلاءم وظروف المنطقة هنا، فانطلقت التجربة الأولى منذ ثلاث سنوات، لتبدأ بعدها ملامح نجاحها بالظهور مع الولادة الأولى للأزهار الأرجوانية التي شكل ظهورها بارقة أمل للمهندس الشاب، ودفعته لزيادة الكمية التي زرعها لعامين إضافيين ما حول حقله من تجريبي إلى حقل إنتاج حقيقي يضم حاليًا ما يزيد عن عشرة آلاف بصلة زعفران تتكاثر سنويا من تلقاء نفسها، فيجني ما تعطيه زهورها من محصول، ويوزع من بصيلاتها الجديدة على حقول لشبان ومزارعين من البلدة أطلقوا العنان بدورهم للزراعة نفسها على سبيل التجربة.
التجربة وإن لم تكن الأولى في لبنان، إلا أنه لم يُعلَن من قبل عن تجربة مماثلة في هذه المنطقة، وقد تمكّنت من الكشف عن مجموعة من الحقائق والنتائج، أوّلها أن الزعفران يمكن أن ينمو هنا، في ظل ظروف تفرض نفسها، كعطش الأرض وأنواع تربتها المختلفة إضافة إلى التقلبات المناخية التي تشهدها.
ودون أن يقف الأمر عند حدود الانتاج وحسب، فإن نتائج الفحوصات التي أجريت على زعفران عيتا الشعب أظهرت معدلات متقدمة على مقياس الجودة، ما يعني أن أسعار مبيعه ستكون مرتفعة إذا ما توسعت زراعته وأخذت منحى تجاريا، وفي هذا السياق يشير صاحب التجربة إلى أن اسعار الزعفران عالمياً تتراوح بين الألفين والعشرة آلاف دولار للكيلو الواحد كلٌّ وفق جودته، لافتاً إلى أن ما جعل زعفراننا ذا جودة عالية هو أنه يُزرع ويُنتج على طبيعته دون استخدام أية أدويةٍ أو أسمدةٍ كيميائية.
ويتناول محمد الجوانب المحيطة بتجربته مع هذه الزراعة التي لجأ إليها بسبب ميزاتها التي اظهرتها دراسات أعدّها وبيّنت ملاءمتها لطبيعة المنطقة هنا، ولما يمكن أن تحققه من مردود مالي يعوض ما يتكبده المزارعون والأهالي سنويًا من خسائر تلحق بهم على طريق التبغ، فيشير إلى أن الزعفران يُزرع لمرة واحدة ثم يتكاثر سنويًا من تلقاء نفسه، ولا يحتاج للريّ ولا للأدوية والأسمدة، ويقتصر العمل فيه على شهر واحد خلال العام يمتد من أواخر تشرين الثاني حتى أواخر كانون الأول، وهو موعد نمو الزهور وقطافها، مؤكدًا أن لا مجال للمقارنة بين الزراعتين إلّا أن ما يحول دون انتشار الزعفران بشكل كبير ربما إلى الآن هو غياب الإرشاد الزراعي، وتخوف الناس من الكلفة التي يجري الحديث عنها كلما فكروا بخوض التجربة بشكل واسع.
وتتحدث الدراسات التي أعدها المهندس محمد طحيني عن أن تكاليف زراعة دنم واحد من الزعفران تصل لحدود الألف وخمسماية دولار وهو ثمن للكمية التي يجب غرسها “ويُدفع لمرة واحد فقط” أي أنها من بعد غرسها تبدأ بصلات الزعفران بالتكاثر والنمو تدريجياً لترفع أعدادها من تلقاء نفسها، فيما يمكن لكل دنم أن ينتج كيلو غراماً واحداً من الزعفران يتراوح سعره وفق ما ورد سابقًا، ما بين الألفين والعشرة آلاف دولار، فيما يمكن أيضًا بيع بصيلات الزعفران والعمل على تكاثرها وتحقيق أرباح إضافية.
أما اليوم، فقد تحوّل هذا المشروع إلى واقع لا يمكن تخطي نتائجه، بل المطلوب من الإدارات المعنية وعلى رأسها وزارة الزراعة أن تتجه إلى الاستفادة من هذه التجارب العملية لدفع المستثمرين والمزارعين للتوجه نحو زراعات منتجة كهذه، يمكن على صغر مساحة السهول الزراعية نسبيًا في لبنان أن تنقل القطاع الزراعي إلى واقع جديد، يسهم من خلاله في نمو الاقتصاد اللبناني ودعم أسس الإنتاج فيه، فيما تبقى القاعدة الرئيسية التي كسرها حقل الزعفران في المنطقة الحدودية، هي المقولة التي كانت سائدة بين الناس عن أن لا مجال لنجاح أيّة زراعة غير التبغ في هذه الأرض.