الدولة “تتقاعس” في نشر أسعار السلع المعفاة من الدولار الجمركي…!
استغربت نقابة مستوردي المواد الغذائية “عدم قيام الجهات المسؤولة والمعنية في الدولة اللبنانية حتى الآن بإصدار لوائح السلع الغذائية الجديدة المعفاة من الرسوم الجمركية رغم صدور الموازنة العامة لعام 2022 في الجريدة الرسمية”، معتبرةً أنّ “هذا المشهد المتناقض يطرح علامة استفهام حقيقية عن مدى الجدّية في تنفيذ الوعود بإضافة عدد كبير من السلع الغذائية الأساسية على لوائح الإعفاء من الرسوم الجمركية، للتخفيف من الأعباء المعيشية على المواطنين الذين يعانون من تآكل مداخيلهم وقدراتهم الشرائية بسبب انهيار العملة الوطنية”.
رئيس نقابة مستوردي السلع الغذائية في لبنان، هاني البحصلي، في حديثه لـ”النهار”، عن أسباب تقاعس الدولة برأيه، يشرح أنّ جميع مقوّمات الدولة مترنّحة وقد أصدرنا بياننا من بعد تحذيرنا منذ عام حتى الآن، إذ لطالما طالبنا بإصدار لوائح الإعفاء عن بعض الأصناف من ارتفاع سعرها من جراء فرض الدولار الجمركي”.
ويضيف البحصلي “لحظنا منذ بدأ الحديث عن الموازنة، أي منذ أشهر، أنّ هناك بنوداً تضخمية في الموازنة، كالـ10 في المئة المفروضة على الأصناف المصنَّعة محلياً، والـ3 في المئة التي تعود إلى الضريبة على القيمة المضافة”.
ويشير إلى أنّه “رغم كل تحذيراتنا المسبقة، لم يتجاوب أحد من المسؤولين، وأُقرّت الموازنة وتضمّنت النسبتين المذكورتين، وجميع المسؤولين يستعجلون إصدار المراسيم التطبيقية الداعية إلى زيادة الأسعار، غافلين عن إصدار اللوائح المتعلقة بتلك المعفاة من هذه الزيادات”. وقد صدر القرار المتعلِّق بزيادة الـ3 في المئة زيادة على الضريبة على القيمة المضافة على جميع السلع لا السلع الغذائية فقط، وبدأ تنفيذه، بحسب البحصلي. فالضريبة على القيمة المضافة أصبحت 14 في المئة بدلاً من 11 في المئة.
ويلفت البحصلي إلى “أنّنا طالبنا بإعفاء بعض الأصناف من خفض الرسم الجمركي الخاص بها، ولم يصل هذا الطلب إلى نتيجة، والدولة تبحث في أي مكان عن الزيادات على الأسعار، لكن حيثما هناك إعفاء أو خفض لا تتجاوب معنا”.
كيف ينعكس هذا التقاعس والزيادة عملياً؟
الأصناف المعفاة من الجمرك لا ينبغي أن تلحظ أي ارتفاع في أسعارها. وإن كانت مشمولة بالضريبة على القيمة المضافة، فستزيد نسبة 3 في المئة، وإن كانت من لائحة الأسعار التي تُصنَّع محلياً، فسيزيد سعرها 10 في المئة.
ويشدّد البحصلي على “ضرورة تزويدهم كنقابة وتجار، بلوائح السلع، لا فقط بسبب مصالحهم التجارية، بل لتنبيه الناس إلى الأصناف التي سيرتفع سعرها بموجب الدولار الجمركي من المعفاة منها، كي لا يتعرّضوا لأي غبن من جراء الفوضى التي قد تحصل في هذا الإطار، فقد يحصل أن يرفع محل ما جميع أسعاره 10 في المئة ويشمل السلع المعفاة مع المشمولة بالارتفاع، وهذا الأمر غير مقبول وفي نهاية المطاف الفوضى كلّها يدفع ثمنها المواطن”.
ويرى البحصلي أنّ “التهريب موجود، لكن إذا أردنا الحديث عن دولة تريد القيام بإصلاحات، فعليها، قبل وضع رسوم إضافية على السلع المستوردة وفرضها على المواطن، أن تؤمّن مداخيلها من أماكن أخرى حيث هي لا تبحث الآن، أي مثلاً من خلال وقف التهريب ومراقبة المعابر غير الشرعية”.
وسواء كان التهريب عبر الحدود أو عبر التهرّب الضريبي، فإنّ الحدّ منه يأتي بمداخيل أكثر بكثير من المداخيل التي تتوقّعها الدولة من الرسوم الجمركية التي أضافتها على المواطنين بموجب الدولار الجمركي.
وفي عالم التجارة والمال، وفي ما يتعلق بالطلب، لدى زيادة الأسعار، ينخفض الطلب على السلع، بالتالي، انخفاض الطلب لن يُدخل على الدولة ما تتوقّعه، “فالدولة اللبنانية صاغت الموازنة بشكل محاسبي محض، ولم تأخذ في الاعتبار أنّ زيادة الأسعار تخفض الاستهلاك وتزيد من التهريب، وهذه الزيادة ستكون لمصلحة المهرِّب بشكل أساسي، برأي البحصلي.
وعن انعكاس هذا الواقع على حجم الاستيراد، يؤكّد البحصلي أنّ “الاستيراد لن يتوقّف ولن ينخفض، لكن السؤال عن أي طريق ستدخل السلع، هل عبر الطرق الشرعية فقط؟”. فعندما يكون هناك اقتصاد موازٍ، من الصعب تقييم حجم الاقتصاد في ظل اقتصاد نقدي.وفيما أُشيع عن زيادة حركة تهريب السلع الغذائية عبر المعابر على أيدي تجّار لبنانيين، وتخزينها من الآن قبل رفع الرسوم الجمركية عليها، يرى البحصلي، أنّه “لا يمكن أن نعزو زيادة الاستهلاك إلى التخزين، لأن المداخيل خلال هذا العام تحسنت جزئياً والسوق أصبح مدولراً جزئياً أيضاً، فالسوق استقر نوعاً ما والاستهلاك استقر كذلك، ولم يعد كما كان في العامين الأولين من الأزمة حيث انخفض”، مشيراً إلى أنّ “هذا لا يلغي أنّ هناك ما نسمّيه تجار الفرص، الدخلاء على السوق اللبنانية، ومَن يهرّب سلعاً بغية توفير رسم الجمرك عليها دون معرفة السلع التي يلحقها الارتفاع من المعفاة منها، فهو يسلك مساراً غير صحيح في عالم التجارة، وما يقوم به هو من باب المضاربة”.