كيف تتجنّب المصارف تشكّل الديون المتعثرة؟
تبدأ واقعاً عملية معالجة الديون المتعثرة في المصارف قبل منحها، لأنه بعد المنح تصبح مهمة معالجتها صعبة وشاقة ومكلفة للمصرف وهي تتطلب سنوات طويلة تتجمّد خلالها هذه الأرصدة عن الدوران في الدورة الاقتصادية، وتكون كذلك معرّضة لفقدانها أو لفقدان جزء منها حسب حالة العميل المقترض وضماناته المقدمة للمصرف.
فتواجه المصارف مشكلة التعثر باهتمام كبير، اذ ان السرعة والجدية والبراعة والكفاءة والمتابعة الجيدة من قبل مديري وموظفي التسليف تلعب دوراً مهماً في تجنّب تشكل الديون المصرفية المتعثرة، فالتشخيص المبكر والمبادرة السريعة الى وضع الحلول المناسبة لكل حالة من الاهمية بمكان كالمرض عندما يكتشف مبكراً تكون فرص مداواته أسرع، وتوجد طرق كثيرة يتوجّب على المصارف اعتمادها من أجل تخفيض أو تجنّب الديون المتعثرة، تبدأ بتحديد شروط منح الائتمان وسياسات التحصيل وإجراءات المتابعة ومستويات اتخاذ القرار الائتماني وهي تعمل على تطويرها بشكل دائم وتحديثها تبعاً لمتطلبات العمل المصرفي.
ولكي تتجنّب المصارف تشكل الديون المتعثرة، لا بدّ من اتباع أساليب للوقاية من الديون المصرفية المتعثرة، فتعتبر هذه السياسات التي تنتهجها المصارف التقليدية والاسلامية من أهم الوسائل التي تجنب هذه المصارف الديون المتعثرة، حيث تعد هذه الاجراءات أو الأساليب التي تنتهجها قبل منح القرض خط الدفاع الأول عنها لان ما قبل منح القرض ليس كما بعده، فالقرض عندما يمنح بصورة غير مدروسة تكون مخاطره عالية وفرص معالجته تصبح صعبة ومكلفة للمصرف، لذلك فإن المصارف تعمل جاهدة من أجل تجنّب الديون المتعثرة، ويكمن نجاحها عند التصرف ببراعة وجدية وسرعة قبل منح الائتمان وهي تبدي اهتماماً كبيراً في إدارة هذه الديون المتعثرة وتنتهج استراتيجيات فعالة وأساليب متطورة لتجنبها وذلك قبل حدوثها.
يتم منح القرض بناءً على الثقة التي يوليها المصرف بالعميل المقترض بحيث يمتنع عن منحه القرض اذا ما انعدمت هذه الثقة التي لا تعتبر مقياساً شخصياً انما تبنى على مفاهيم ومعايير تتعلق بالقدرة على الايفاء وبتوافر الضمانات وكذلك هناك معايير ترتبط بشخصية طالب القرض.
لذلك لا بدّ لنا من تسليط الضوء على هذه الأساليب التي تخفف من القروض المتعثرة وهي تعتبر الأساس الذي من خلاله تحافظ المصارف على قوتها وفعاليتها في مواجهة الخطر الأكبر الذي يرافقها في أثناء عملها والمتمثل بالقروض المتعثرة.
ولكن ما هي أهم أساليب تخفيف الديون المتعثرة في المصارف؟
الجواب هو معايير منح الائتمان المصرفي والتي تلعب دوراً مهماً في الموافقة على طلبات القروض، فهذه المعايير تعتمد عليها في عملية التحليل الائتماني لطالب القرض وكلّما كانت عملية التحليل المبنية على تلك المعايير دقيقة كلما أدى ذلك الى منح ائتمان أو قرض مصحوب بمخاطر يمكن السيطرة عليها.
توجد عدّة معايير لتقييم الجدارة الائتمانية لدى طالبي القروض من المصارف، ولكن أهم هذه المعايير :5C’S-5P’S-8P’S-PRISM وسوف نلقي الضوء على معيار 5C’S.
تتضمن طريقة 5C’S لتقييم المقترض كلاً من المقاييس النوعية والكمية، فينظر المقرضون في تقارير الائتمان للمقترض، ودرجات الائتمان، وبيانات الدخل، والمستندات الأخرى ذات الصلة بالوضع المالي للمقترض، كما أنهم يأخذون بعين الاعتبار المعلومات المتعلقة بالقرض نفسه، فلكلّ مُقرض طريقته الخاصة في تحليل الجدارة الائتمانية للمقترض، ويستخدم معظم المقرضين العناصر الخمسة وهم: الشخصية، القدرة، رأس المال، الضمانات، والظروف العامة عند تحليل تطبيق الائتمان الفردي أو التجاري.
يعني هذا النموذج ان هناك خمسة عناصر واجبة الدراسة وتبدأ جميعها بحرف (C) باللغة الانكليزية، وتتمثل هذه العناصر فيما يلي:
1-العنصر الأول: الشخصية
تلعب شخصية العميل دوراً محورياً في موافقة المصرف على طلب القرض )لا توجد تفرقة بين شخصية المقترض فيما اذا كان شخصاً حقيقياً أو معنوياً)، وهي تدور حول خصائص الفرد الأخلاقية ومدى التزامه بتعهداته السابقة والحالية، فالأمانة والثقة والمثل والمصداقية تشير الى حجم شعور طالب القرض بالمسؤولية وبالتالي حجم التزامه سداد الالتزامات المتوجبة عليه، ويقصد بشخصية العميل السمات التي تكشف رغبته في سداد ما عليه من مستحقات في المواعيد المحددة.
تشكل الشخصية الركيزة الأساسية الأولى في أي قرار ائتماني وهي الركيزة الأكثر تأثيرا” في المخاطر التي تتعرض لها المصارف.
2-العنصر الثاني: القدرة على الوفاء
يرتبط مفهوم القدرة على الوفاء كمؤشر من مؤشرات الجدارة الائتمانية بمدى قدرة طالب القرض على تحقيق الايرادات الكافية لسداد مبلغ القرض المطلوب بالإضافة الى ارباحه وفوائده في المستقبل، لأن دراسة مقدرة العميل على سداد القرض وتطورها أمر في غاية الاهمية، وهذه المقدرة تختلف من وقت لاخر وهي ترتبط بمجموعة عوامل مالية واجتماعية وثقافية ودينية وأخلاقية وسلوكية، ويختلف تأثير هذه العوامل كلها او بعضها على مقدرة الزبون على الوفاء بالتزاماته من عميل الى آخر ومن وقت الى آخر، وعند دراسة هذا المعيار يقوم المصرف بدراسة الخبرة الماضية للعميل المقترض وتفاصيل مركزه المالي وتعاملاته السابقة سواء مع نفس المصرف أو مع المصارف الأخرى.
فهذا المعيار باختصار يعني قدرة العميل على تحقيق دخل كاف لتسديد الالتزامات التي ستتوجب عليه نتيجة” لمنحه القرض، وهذا المعيار من أهم المعايير التي تحدد المخاطر التي سوف يتعرض لها المصرف عند منح الائتمان.
3-العنصر الثالث: الضمان
الضمان هو مجموعة الأصول التي يمتلكها المقترض من أموال منقولة أو غير منقولة ويضعها تحت تصرف المصرف لتوثيق القرض، أو يكون الضمان شخص ذو كفاءة مالية وسمعة أدبية مؤهلة لكي يستطيع المصرف الاعتماد عليها في سداد القرض عند تخلف المدين الاصلي، ولا يشترط ان يكون الضمان ملكا” لصاحب القرض وانما يمكن ان يكون ملكا” لشخص ثالث وافق على رهنه لدى المصرف تسديدا” لدين المقترض، ولا يجوز لصاحب الضمان التصرف به لانه مرهون للمصرف الذي له حق التصرف به في حال عدم قدرة المقترض على السداد، لذلك قسمت القروض بحسب ضماناتها فنجد قروض مقابل ضمانات عينية وقروض مقابل كفالات شخصية وقروض مقابل أموال منقولة وقروض مقابل ضمان بضائع أو أسهم وهناك قروض بدون ضمان أحياناً.
يعتبر الضمان الوسيلة التي تسمح للمصرف بتجنب الخسارة الناجمة عن عدم ملاءة المقترض بحيث اذا توقف عن السداد يستطيع المصرف التصرف به، وأفضل ضمان هو ما يمكن تحديد قيمته بسهولة ومن ثم تحويله الى نقد بسرعة.
بالرغم من أهمية الضمان بالنسبة للمصارف في منح الموافقة على القرض إلا أنه لا يعد بحد ذاته مؤشراً على الجدارة الائتمانية لان المصارف عندما تمنح القروض لعملائها تفترض وترغب دائما في ان يكون تسديد القرض من مداخيل هؤلاء العملاء ومن ارباحهم وليس من بيع الضمانة وتسييلها، فالضمان يقدم للمصرف على سبيل التحوط للمستقبل فيما اذا طرأ اي تعثر على المدين عندها يستطيع المصرف الحجز على الضمان وبيعه تسديدا” لقروضه، والمصارف تلجأ الى هذا الطريق بعد استفاذ كافة الطرق مع المقترض لسداد قرضه، فهو طريق استثنائي غير طبيعي وغير محبذ من قبل ادارات المصارف.
4-العنصر الرابع: رأس المال
يعتبر رأس المال ملاءة العميل المقترض وقدرة حقوق ملكيته على تغطية القرض الممنوح له فهو ضمان اضافي للمصرف في حال تعثر المقترض عن السداد، وتنظر المصارف الى عنصر رأس المال نظرة مستقبلية كون ما يمتلكه المقترض من أموال منقولة أو غير منقولة وأسهم وسندات وغيرها من الأصول تلعب دورا” في تحديد درجة مخاطرة المصرف وتساهم في منح الموافقة على القرض بحيث اذا ارتفعت قيمة رأس المال ارتفعت معه حظوظ طالب القرض والعكس صحيح لانه يمثل قوة المقترض المالية، فالمصارف تشترط وجود رأس مال كافي كضمان إضافي للقرض.
5-العنصر الخامس: الظروف العامة
يقصد بالظروف العامة الظروف الاقتصادية المحيطة بالمقترض ويتوسع البعض في اضافة الظروف البيئية اليها وهي تختلف باختلاف القطاعات التي ينتمي اليها المقترض، ولا بد من الاشارة الى ان الحالة الاقتصادية المحيطة بالعميل تلعب دوراً كبيراً في منح الموافقات على القروض بحيث اذا كانت الظروف غير طبيعية قلت فرص الحصول على القرض اما اذا كانت الظروف جيدة فانها تلعب دورا” كبيرا” في الحصول على القرض، كما لو كان طالب القرض يعمل في مؤسسة او شركة ذات سمعة سيئة وتتأخر في دفع الرواتب، بالطبع فان فرص حصوله على القرض أقل من ذات الموظف فيما لو كان يعمل في شركة ذات شهرة ومتانة مالي، فمنح الائتمان يتأثر باظروف الاقتصادية والقانونية والمعيشية المحيطة بطالب القرض.
المصدر : النهار.