فورة غير مفاجئة… هكذا سيصل الدولار قبل نهاية السنة… !
عودة الدولار إلى الارتفاع في سوق الصرف، لم تكن مفاجئة. بل إن معظم الخبراء الماليين والاقتصاديين، تتقاطع آراؤهم حول أن الانخفاض الذي شهده سعر الدولار من نحو 40.000 ليرة إلى 35.000 ليرة تقريباً، بعد البيان الأخير لمصرف لبنان الذي أعلن فيه عن بيع الدولار عبر منصة صيرفة والامتناع عن شرائه، كان مفتعلاً ومصطنعاً ولا يستند إلى أي قواعد اقتصادية أو نقدية أو مالية. والانخفاض لم يصمد طويلاً إذ عاد، أمس الأربعاء، وتخطَّى الـ40.000 ليرة.
وسبق لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن حذَّر المواطنين، في سلسلة طويلة من المقالات التي أضاءت على هذه المسألة من مختلف جوانبها، من الوقوع في فخّ الإشاعات ومكامن المضاربين والمتلاعبين بسوق الصرف التي تُنصب لهم، وفق تأكيد العديد من الخبراء والمتخصِّصين بأن مسار الدولار تصاعديّ، حتى إقرار الإصلاحات البنيوية المطلوبة، وعودة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وانطلاق ورشة إنقاذية إصلاحية جذرية.
وتتوافق قراءة الخبراء، في تصريحات مختلفة لموقع “القوات”، على أن “الدولار عاد ليأخذ مساره الطبيعيّ صعوداً في ظل الأوضاع المعروفة، والتي لم تشهد أي تحسُّن على مختلف المستويات، لا السياسية ولا المالية ولا الاقتصادية. بل إننا نشهد مزيداً من التأزُّم على المستويات كافة:
فعلى المستوى السياسي، من الواضح أن الأزمة السياسية لن تشهد انفراجات قريبة. ويبدو أن الجميع بات يسلِّم بأن فترة الشغور الرئاسي ستطول، من دون الدخول في التفاصيل. بالتالي، يرخي هذا الأمر مزيداً من الأجواء السلبية وعدم الثقة، التي تنعكس حكماً على سعر الصرف.
وفي السياق ذاته، ترخي مواقف معظم المسؤولين ظلالاً سوداء حول مستقبل الوضع. وليس آخرها تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري وتحذيره من أن البلد يمكن أن يصمد أسابيع قليلة لكن ليس أكثر، لذلك يجب التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت. علماً أن بري لم ينطق كفراً، وليس الوحيد الذي يحذّر من خطورة الوضع. لكن بالنتيجة، السياسة تقرَّش في الاقتصاد والمال وسوق الصرف.
وعلى المستوى المالي الاقتصادي، لم يتمكن مصرف لبنان من قطف ثمار بيانه الأخير، الذي يبدو أنه اضطُّر إليه في غير التوقيت الذي كان قد قرَّره لمحاولة السيطرة على حركة الدولار ومنع انفلاته بالكامل، بانتظار الحلول الكبرى. لكن في أي حال، معظم الأرقام الجدّية التي طُرحت حول إمكانية تدخل البنك المركزي للجم ارتفاع الدولار، لا تتعدَّى الـ500 مليون دولار في أحسن الأحوال، والتي استحوذ عليها في الأشهر الماضية من مصادر مختلفة.
وهذا رقم لا يُعتدُّ به، ويستهلكه السوق خلال أيام. فيلاحظ مثلاً أن حركة بيع الدولار على المنصة يوم الاثنين الماضي، لم تتعدَّ الـ25 مليون دولار، فيما بلغت الثلاثاء نحو 53 مليون دولار. بينما كانت الحركة على المنصة تسجِّل أرقاماً تصل إلى أكثر من 80 مليون دولار يومياً، كمعدل وسطي، حين كان مصرف لبنان يقرِّر التدخل بقوة في السوق بالفترات السابقة، علماً أنها تخطَّت الـ100 مليون دولار مرات عدة أحياناً.
بالتالي، محدودية تدخُّل البنك المركزي لبيع الدولار، تؤشِّر إلى إمكانياته المحدودة. وأكثر من يقرأ ذلك بشكل جيّد، هم المتعاملون والمضاربون الكبار، الذين يعتقدون أن تدخُّل المركزي سيكون محدوداً، بالمال والأيام، فلم يفرِّطوا بدولاراتهم عند هبوط الدولار، لتأكدهم من ارتفاعه مجدداً، ومن يدفع الثمن هم صغار مالكي الدولار كالعادة.
ولا شك أن عوامل عدة لم تساعد المركزي في السيطرة على سوق الصرف عند حدٍّ منخفض لفترة أطول. منها على سبيل المثال، استمرار الخلاف حول إقرار قانون الـ(كابيتال كونترول) وتجدُّد المناكفات حوله. ما يعني أن الخلافات السياسية مستمرة، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تعثُّره، إذ من بين أولى اشتراطاته إقرار هذا القانون قبل التوقيع على اتفاق مع الحكومة اللبنانية.
هذا فضلاً عن الشبهات التي تحيط بإمكانية حكومة تصريف الأعمال عقد مثل هذا الاتفاق من أساسه، ما يعيدنا إلى المربع الأول حول ضرورة البدء بانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة من أساسها على أسس واضحة وشفافة، الأمر الذي لا يبدو متاحاً على وجه السرعة.
ولا يجب أن ننسى أيضاً، التحذيرات الأخيرة لمؤسسات مالية دولية عدة، بالإضافة إلى مجموعة الدول المانحة والصديقة، من أن لبنان مقبل على مرحلة صعبة وقاسية لم يشهدها من قبل، على الرغم من صعوبة المرحلة الحالية والتي مرَّت، ما لم يُسرع بإنجاز الاستحقاقات الأساسية الواجبة عليه في أسرع وقت ممكن، وإلا فوضعه سيكون مؤسفاً للغاية”.
وفي الخلاصة، يجمع الخبراء، تبعاً لهذه العوامل وغيرها ممّا لا يتَّسع المجال لذكره، على أن “الدولار في مسار تصاعديّ ثابت منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول العام 2019. يهدأ أحياناً ويستقرّ نسبياً عند معدلات معيّنة، يمكن توصيفها بالاستيعابية، تمهيداً لمعاودة الارتفاع”.
ويؤكدون، أن “كل المحاولات للجم الدولار، من خارج سلّة الحلول السياسية والاقتصادية والمالية الإصلاحية التي باتت معروفة للجميع، ستبوء بالفشل المحتوم. ومن غير المستبعد ألا ينقضي العام الحالي، وربما قبل ذلك، والدولار عند عتبة الـ50.000 ليرة، في حال بقيت الأمور على ما هي عليه”.