رسالة سورية شديدة اللهجة إلى لبنان !
“ليبانون ديبايت” – وليد خوري
بلغ الإستياء السوري مداه. قبل يومٍ من إعلان ولادة الوفد اللبناني المكلّف التفاوض مع دمشق حول الحدود البحرية الشمالية بصيغته السياسية – الأمنية – التقنية في أعقاب مكالمة الرئيسين ميشال عون وبشار الاسد، أُسديت إلى لبنان الرسمي نصيحة تريّث وتمهّل، قبل الشروع في عملية تشكيل الوفد، كون دمشق تنوي درس الملف بدقّة ، وحين تنتهي ستعمل على تشكيل وفدٍ، يجدر به أن يتماهى من الناحية التقنية مع طبيعة الوفد اللبناني، كما لا بدّ أن يُحال الملف إلى الأجهزة السورية المختصّة لدرسه، أي أن الرسالة باختصار كانت: “إهدأوا”.
لكن التعامل اللبناني لم يكن محسوباً ومحاولة التخفيف من وطأة ما جرى لن تُجدي نفعاً. فقبل تحديد الموعد، كان يجدر اعتماد النظم البروتوكولية المرعية الإجراء بين الدول، واللجوء إلى عدم تسريب المواعيد من جانبٍ واحد وقبل التوصل إلى تفاهم، ما أثار حفيظة دمشق ودفعها إلى إجراءاتٍ عقابية في حقّ لبنان الرسمي. وخلال الساعات التي تلت الإعلان، كانت أوساطٌ سياسية محلية تتناقل في ما بينها، معلوماتٍ عن امتعاضٍ سوري شديد من أسلوب التعامل الرسمي اللبناني.
عملياً، عادت سوريا وأوصلت رسالةً شديدةً إلى لبنان، جرّاء التعامل معها بهذه الطريقة، عبر تأجيل الزيارة “بتهذيب” تحت ذرائع تقنية، فيما ادعاء وجود هذه المشكلة، لا يُخفي الأسباب الحقيقية من وراء الردّ بهذا الشكل، وهي الأسباب التي لا يجرؤ المعنيّون في بيروت على البوح بها، فيما دمشق، ذهبت نحو اعتبار ما جرى بأنه يصبّ في خانة تصريف أهداف سياسية داخلية لبنانية، ما فُهم أن السلطات السورية تعي بدقة، أن فريقاً في لبنان، يريد أن يسوّق الزيارة في هذا الموعد، على أنه إنجازٌ يُضاف إلى إنجاز ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ويريد استخدامها في البازار السياسي الداخلي، مع العلم أن الزيارة، في حال حصلت، وانطلق مسارٌ ما، سيبقى غير سويّ ودون جدوى، متى كانت الدولة اللبنانية مُقبلة على فراغٍ دستوري في سدّة رئاسة الجمهورية، ما يحول دون النقاش مع سوريا لكونه يندرج في خانة المعاهدات الدولية التي يتولاّها الرئيس.
بعيداً عن الأبعاد التقنية، كان الجانب اللبناني غير موفّق حين قلّل من أهمية النقاش مع سوريا، ظناً منه أنها دولة صديقة، مع العلم أن دمشق التي لزّمت حقولها الجنوبية منذ أكثر من عشرة أعوام لشركة روسية، قد تكون أكثر تصلّباً في ما خصّ المفاوضات مع إسرائيل، والتي أرست الدولة اللبنانية تقنيات ترسيم هجينة وجديدة معها، ولن تقبل دمشق بأقلّ من تلك المعايير في حال طُرح جدياً ترسيم الحدود البحرية معها.
قياساً على ما تقدّم، لا ترى مصادر تقنية مواكبة، إمكانيةً لقبول دمشق، إعتماد القانون الدولي وخطّ الوسط في مسار الترسيم مع سوريا، للسابقة اللبنانية آنفة الذكر. وعلى حدّ قول هؤلاء، ستُخضع سوريا، التي راقبت الإتفاق البحري مع إسرئيل عن كثب، لبنان، إلى نمطٍ جديد في التفاوض من خارج المعايير المعتمدة.
الواضح الآن أن الزيارة وبدء النقاش مع دمشق في ملف الترسيم البحري، تأجّلا، وعلى الأغلب أُحيلا إلى العهد الجديد، علماً أن معلومات جرى تداولها في بيروت خلال الساعات الماضية، أشارت إلى احتمال بدء نقاشٍ أمني بين البلدين برعاية شخصيات أمنية بارزة، كتمهيدٍ لافتتاح أيّ مسار مقبل، على أن ينحصر دورها في شقّ تأمين الظروف.