“دولار السوق السوداء” يعاند أحلام النفط والغاز !
لم يُقنع انضمام لبنان إلى نادي الدول النفطية، اللبنانيين والمضاربين في السوق السوداء، بأن المستقبل واعد، ولم يكن للتطور الأبرز في تاريخ لبنان، أي ارتدادات على سعر صرف الدولار الأسود، الذي يواصل ارتفاعه رغم اقتراب موعد إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وخلافاً لكلّ التوقعات، استمر تحليق سعر الدولار ليلامس عتبة الأربعين ألف ليرة، وهو ما يعزوه، الباحث الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، إلى غياب الثقة والتي تشكّل أساس وجوهر وهيكل الإقتصاد، لأن كل شيء يدور في فلك الإقتصاد مبنيّ على الثقة، وحتى العملة المتداولة، وهي ورقة وفيها ثقة معينة، فكلّما كانت الثقة كبيرة كلّما كانت قيمة العملة أقوى.
ويلاحظ الدكتور عجاقة لـ “ليبانون ديبايت”، أن الحقبة التي كان يتأثر فيها سعر صرف الدولار “الأسود” بالتطورات السياسية، قد انتهت، وسابقاً عندما كان الرئيس سعد الحريري منذ سنوات يزور قصر بعبدا من أجل بحث ملف تأليف الحكومة، كان الدولار يرتفع مع الأجواء السلبية، وينخفض إذا كانت تفاؤلية، وقد تكرر الأمر منذ أشهر بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، إذ انخفض سعر الدولار في إحدى زياراته إلى بعبدا، 15 ألف ليرة.
لكن هذا الواقع انقلب اليوم، وبعدما ضُربت الثقة بالليرة، لم تعد الأحداث السياسية تؤثر على سعر الدولار في السوق السوداء، يُضيف الدكتور عجاقة، الذي استغرب أن يمرّ حدثٌ هام من الممكن أن يؤثر على تاريخ لبنان وجوهر وجوده وحدوده، بحجم الترسيم واستخراج النفط والغاز، من دون أي انعكاسات على سعر الصرف، وكأن هذا الأمر غير موجود ولم يحصل.
وينسحب هذا الواقع على الإستحقاقات السياسية أيضاً، حيث يشير الدكتور عجاقة، إلى أن تأليف حكومة جديدة أو انتخاب رئيس جمهورية جديد، لم يعد يترك أية أصداء على سعر الصرف.
وعن أسباب هذا التحوّل، يقول عجاقة، أن لبنان يواجه حالة فقدان إجمالية للثقة، وعلى كل المستويات، وهذا ينبع من مبدأ أن كل لاعبٍ إقتصادي قد فقد الثقة بالدولة اللبنانية وبعملتها، واللاعب الإقتصادي هو المستهلك والمواطن والمصرف والشركات، وبالتالي، يوضح أن كل من يمارس نشاطاً إقتصادياً معيناً، بات ينظر إلى الأحداث بأبعادٍ تتجاوز التطورات المحلية، بعدما فقد الثقة، ولم تعد هذه الثقة مبنية على أحداث محلية، مهما كانت مهمة ومصيرية، والثقة باتت مبنية على معطيات خارجية ينتظرها اللاعب الإقتصادي أكثر من أي حدث آخر، وعلى سبيل المثال، يثق المواطن اللبناني، بحصول اتفاق أميركي ـ إيراني حول البرنامج النووي الإيراني، أو بأي حدث كبير على الصعيد الدولي.
وبما أن أي حدث على الصعيد المحلي لم يعد يؤثر على الثقة، فإن الدكتور عجاقة، يكشف عن معادلة جوهرية، مفادها “أن العجز عن استعادة الثقة على الصعيد المحلي، يعني أن لبنان بحاجة إلى مساعدة خارجية، وهذه المساعدة لن تأتي إلا في إطار الإتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وبالتالي، يتوقع عجاقة، تنامي الأزمات في المستقبل، لأنه لا يمكن بناء الإقتصاد من دون بناء الثقة، ولا يمكن بناء قطاع مصرفي من دون بناء الثقة، كما لا يمكن بناء دولة من دون ثقة، أي الثقة بالقضاء وبالأجهزة الرقابية وبالمسؤولين، وصولاً إلى ثقة اللبنانيين ببعضهم، بينما نتوجّه إلى مجتمع فيه “توحّش” يتفاقم بشكلٍ يومي، من خلال ممارسات التجار مع الشعب.