السعيدي: الكابيتال كونترول سيقضي على الإقتصاد الليبرالي في لبنان !
لا يزال مشروع قانون الكابيتال كونترول موضع جدل ويتعرض لانتقادات كثيرة نظراً للثغرات التي يتضمنها وتأثيرها السلبي على المودعين وعلى الاقتصاد بشكل عام، وانه يأتي متأخراً 3 أعوام عن موعده الطبيعي مع بدء الأزمة المالية المصرفية في لبنان، في اواخر العام 2019.
يبدو في الافق ان مشروع قانون الكابيتال كونترول طار فلا توافق حول اقراره بعد، وخطيئة تأخر البت به 3 سنوات جعلت المسودة الاخيرة من القانون مجحفة في حق المودعين وفي حق الاقتصاد الوطني، وبكيفية تعاطي القانون مع اموال ما قبل 17 تشرين، والتي تتخذ خصوصاً طابع «عفا الله عما مضى».
وفي السياق، اعتبر وزير الاقتصاد السابق ونائب حاكم مصرف لبنان السابق ناصر السعيدي انه كان ينبغي تمرير قانون مراقبة رأس المال او ما يعرف بقانون الكابيتال كونترول لحظة إغلاق البنوك غير المبرّر في تشرين الاول من العام 2019، والذي أدّى إلى وقف التحويلات الخارجية وتجميد الودائع والأزمة المصرفية والمالية. لكن بدلاً من ذلك، فرض مصرف لبنان والبنوك ضوابط غير رسمية وبطريقة استنسابية على رأس المال ما سمح لقلة مميزة، بما في ذلك معظم السياسيين والمصرفيين ومساهمي البنوك والمطلعين والمحظيين بنقل أموالهم إلى خارج البلاد. ويشير السعيدي الى انه ليس هناك أرقام دقيقة لحجم التحويلات الى الخارج لكن وفق التقديرات فقد تجاوزت الـ 14 مليار دولار في الأشهر الأخيرة من عام 2019.
تابع: استمر تهريب الأموال الى الخارج خلال الفترة الممتدة بين 2020-2021 وحتى عام 2022، ما أدّى الى تسريع الأزمة المصرفية والمالية وتعميقها. واعتبر السعيدي ان عدم تمرير قانون الكابيتال كونترول يمثّل فشلاً ذريعاً من قبل مصرف لبنان والحكومة في إدارة بداية الأزمة. إن مسودة مشروع القانون المطروحة تأتي بعد ان أصبح القسم الاكبر من الاموال خارج لبنان أما المتبقي فهو قليل جدا وقد فات الأوان! فالوضع يشبه اغلاق باب الحظيرة بعد أن خرج الحصان!
ويرى السعيدي انه يجب أن يسبق أي إجراء لضوابط رأس المال إعادة هيكلة للنظام المصرفي وتطوير للخطة المالية للاقتصاد. يجب ان تكون الأولوية لإعادة هيكلة النظام المصرفي، بما في ذلك إعادة الرسملة من قبل المساهمين والموارد الخاصة للبنوك. بدلاً من ذلك، يهدف قانون الكابيتال كونترول الحالي إلى إضفاء الشرعية على التجميد غير القانوني للودائع، لجعل المودعين يدفعون مقابل الخسائر الفادحة لمصرف لبنان (أكثر من 73 مليار دولار) والبنوك من خلال «ليلرة» الودائع، اضف الى ذلك ان التعددية في سعر الصرف فرضت خسائر على المودعين، ومن خلال ضريبة التضخم. ان أي قانون للكابيتال كونترول يجب ان يكون جزءًا من الاقتصاد الكلي الشامل، سعر الصرف النقدي وخطة إعادة هيكلة الدين العام.
الا ان القانون المطروح حاليا لا يأخذ بالاعتبار كل هذه النقاط، مثله مثل قانون السرية المصرفية، فهو يهدف بنسخته الحالية إلى حماية البنوك من التقاضي داخل وخارج الدولة. هذا القانون كما هو مقترح يقود الى تعقيد الوساطات المالية، ويثبّت وضعية المصارف اللبنانية كمصارف «زومبي».
تابع: سيؤدي قانون ضوابط رأس المال الى ترسيخ وتنمية النقد والاقتصاد غير الرسمي والسوق السوداء. لقد فقد المودعون بالفعل كل الثقة في مصرف لبنان والبنوك، واقرار القانون الحالي سيثبّت ذلك وسيزداد التداول بالنقد (بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي) لدى الدفع أو اجراء التحويلات المالية والابتعاد أكثر فأكثر عن النظام المصرفي، ما سينعكس نموا في السوق السوداء للعملات الأجنبية على حساب التحويلات الرسمية.
كذلك سيزداد الفساد والتشوهات في أسعار الصرف المتعددة، تماما كما حدث على مدى السنوات الثلاث الماضية، بحيث سيتمكن الأشخاص الذين «لديهم وصول» إلى الدولار الأميركي، مثل السياسيين، والأثرياء، من الحصول على عملات أجنبية نادرة بشكل متزايد. وهذا يعني المزيد من الفساد وزيادة في تعدد أسعار الصرف.
تماماً كما حصل في بلدان أخرى كانت لديها ضوابط على الصرف وتعددية في أسعار الصرف، سيعمل المستوردون على رفع فاتورة الاستيراد (للحصول على المزيد من الدولارات الأميركية) كذلك سيزيد المصدرون من حجم صادراتهم انما بأقل من الفاتورة المعلنة وذلك للاحتفاظ بالدولار الأميركي خارج الدولة. وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض في احتياطيات النقد الأجنبي في النظام المصرفي.
وتابع السعيدي: سيقلل قانون الكابيتال كونترول المقترح بشكل كبير من تدفق التحويلات عبر البنوك والقنوات الرسمية. سيتجنّب المغتربون اللبنانيون وغيرهم إرسال التحويلات عبر النظام المصرفي وشركات تحويل الأموال بسبب زيادة تكاليف المعاملات وخطر تجميد التحويلات أو فرض سعر صرف تعسفي. مرة جديدة، سيعني هذا ارتفاع كمية النقد المتداول بالدولار الأميركي وإخفائه من قبل الأسر والشركات خارج النظام المصرفي.
ولفت السعيدي الى ان قانون الكابيتال كونترول المطروح سيزيد من تكاليف ومخاطر التحاويل المالية الى أطراف خارجية مثل البنوك الأجنبية، وتجنب التحويلات المالية الى لبنان ومصارفه، كذلك سيعمل على تشجيع التهريب من أجل التهرّب من الضوابط وعليه سيصبح التهريب أكثر ربحية وانتشارا.
وبالنهاية، سيؤدي مشروع القانون المطروح إلى خلق بيروقراطية فاسدة – في مصرف لبنان والبنوك والحكومة – من أجل إدارة الضوابط والإشراف عليها.
وختم: ان مشروع قانون الكابيتال كونترول بالصيغة التي طرح فيها سيؤدي إلى تحويل لبنان إلى اقتصاد تحكم مثل سوريا والعراق وإيران وغيرها مع ضوابط الصرف الأجنبي. وهذا سيعني نهاية لبنان كاقتصاد ليبرالي مبني على المشاريع الخاصة. وأكد ان هذا القانون كما هو مطروح لن يحقق الأهداف المرجوة منه. واعتبر انه خطأ سياسي كبير من قبل صندوق النقد الدولي والجهة المفاوضة اللبنانية المكونة من حكومة ميقاتي ومصرف لبنان. وأكد ان صندوق النقد لا يعتبر اقرار الكابيتال كونترول أولوية، بينما حكومة ميقاتي ومصرف لبنان يطالبان بالقانون لحماية المصالح الخاصة للبنوك على حساب المودعين والجمهور.