كيف بدّد لبنان 22 مليار دولار في 3 سنوات انهيار؟
دَخَلَ لبنان مرحلةً نقدية عالية الحساسية مع تدني مخزون احتياطات العملات الصعبة دون عتبة 10 مليارات دولار، من ضمن مسار نزْفٍ متواصل على مدار سنواتِ الانهيار المالي والنقدي الذي يوشك بعد شهر ونيّف أن يختم عامه الثالث، مُنْدَفِعاً بفشلٍ سياسي مشهودٍ من منظومة الحُكْمِ التي تتفادى، بالتهرّب حيناً والتسويف غالباً، مقتضيات الاستجابة التنفيذية والتشريعية للإصلاحات الهيكلية المنشودة.
وتعكس المعطياتُ الإحصائية بشكل فاضحٍ تَطابُقاً مع توصيف «الكساد المتعمّد» الذي ألقى البنك الدولي مبكراً مسؤوليته على منظومة الحُكْم. فهي تُظهِر بالأرقام، تبديد أكثر من 22 مليار دولار من إجمالي الاحتياطات التي كانت متوافرة لدى البنك المركزي عشية اندلاع الاحتجاجات الشعبية العارمة في 17 تشرين الأوّل 2019، ترقباً لغيث مؤجَّل الى أمد غير معلوم لا يتعدى 3 مليارات دولار موزعة على 4 سنوات عبر اتفاق موعود على برنامج تمويلي مع صندوق النقد الدولي.
واذ تكشف أحدث بيانات ميزانيّة مصرف لبنان إنخفاضاً في موجوداته الخارجيّة بمبلغٍ قدره 396.14 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر آب 2022، لتتدنى رقمياً إلى 14.75 مليار دولار، شاملةً محفظة سندات يوروبوند من الديون الحكومية تبلغ 5.03 مليارات دولار، فهي حملت في باطنها إنذاراً مزدوجاً بتخطي الخط الأحمر النفسي مع تدني الاحتياطات السائلة الى 9.72 مليار دولار من جهة، في موازاة تَقَلُّص قدرات السلطة النقدية على تولي دور المرجعية الحاكمة بإدارة السيولة في أسواق القطع الأجنبي.
والأسوأ في تحليل البيانات، بحسب مصادر مصرفية ومالية متابعة، احتفاظها بنمط التآكل المتدرّج من دون تسجيل إشارات التحسن المفترض نتيجة التدفقات النقدية خلال موسم السياحة الصيفي في الشهرين الماضيين، واللذين شهدا «طفرة» استثنائية في أعداد الوافدين بما وصل الى نحو 1.3 مليون سائح، جلّهم من اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين، وأنفقوا ما يزيد على 3.5 مليارات دولار ساهمت عملياً في التخفيف من «الاحتقان» النقدي وتلبية جزء من الطلب على السيولة بالدولار.
ففي مقارنة البيانات على صعيدٍ سنويٍّ، يتبيّن ان قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان تقلصت بنسبة 24.65 في المئة، اي ما يوازي 4.83 مليار دولار، مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه في نهاية شهر آب 2021. وهذه الحصيلة السلبية المحققة في عام واحد تناهز فعلياً نحو 6.4 أضعاف الحصة السنوية التي يتوق لبنان الحصول عليها كقرض تمويلي ميسّر من صندوق النقد.
أما المقارنة الكارثية بكل المعايير، فتكمن في ما تكشفه حصيلة النزف المجمعة. فلقاء انشغال المنظومة الحاكمة وإشغال الناس بوعد استدانة 3 مليارات دولار على فترة 48 شهراً من صندوق النقد، جرى إنفاق ما يربو على 20 مليار دولار خلال 3 سنوات، موزَّعة بشكل رئيسي، على دعم عقيم لمواد ومحروقات، والحد من سرعة تدهور العملة الوطنية، وتمويل عجز الكهرباء، وسد النقص في الموازنة العامة ومصروفات الدولة، انتظاراً لـ «غودو» الصندوق (مسرحية كتبها الكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت. وتدور أحداث المسرحية حول رجلين ينتظران شخصاً يدعى «غودو» لا يصل أبداً).
وفي السياق أشارت وكالة «فيتش» الدولية للتقييم الائتماني، الى أنّ وقت البدء بتنفيذ البرنامج المتفق عليه بصياغة أولية مشروطة مع بعثة الصندوق، غير أكيد بسبب المشهد السياسي في لبنان والذي من شأنه أن يعرقل تنفيذ الخطوات المطلوبة للحصول على موافقة مجلس إدارة الصندوق.
ونوّهت، في أحدث تقرير لها عن لبنان، بوجود عدد كبير من الخطوات يطلب تنفيذها صندوق النقد، كموافقة مجلس الوزراء على إستراتيجيّة لإعادة هيكلة المصارف، وموافقة المجلس النيابي على تشريعات لتسوية القضايا المصرفيّة العاجلة، وقانون جديد للسريّة المصرفيّة وفق ملاحظات الصندوق وبعدما تم رده من رئيس الجمهورية، وموازنة 2022. كما يشترط الصندوق توحيد أسعار الصرف، ترافقاً مع تطبيق «الكابيتال كونترول»، والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والبدء بتقييم المصارف العاملة.
المصدر : الراي الكويتية.